عدنان عبد الرحمن:الفساد والسرقات أفقدا القطاع المصرفي العراقي دوره

28 سبتمبر 2015
عدنان عبد الرحمن (العربي الجديد)
+ الخط -
قال الخبير المصرفي العراقي والمستشار المالي في مصرف "جيهان الإسلامي"، عدنان عبد الرحمن، في حوار مع "العربي الجديد"، إن القطاع المصرفي الحكومي فقد دوره الأساسي في عملية التنمية، بسبب غياب الإدارة الرشيدة، وانتشار الفساد والسرقات.

وهذا نص المقابلة:

* كيف تقيّم واقع المصارف العراقية في ظل ما تشهده البلاد من أوضاع أمنية غير مستقرة؟

يعاني القطاع المصرفي العراقي من تدني مستوى الخدمات المقدمة، ويعود السبب في ذلك إلى غياب الأنشطة الفعالة لتطوير هذا القطاع منذ سنوات. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهمت الأوضاع الأمنية والسياسية في تردي الأوضاع الاقتصادية، وتأثر بنتيجة ذلك القطاع المصرفي. وللأسف يمكن القول إن المصارف العراقية خاصة الحكومية تحوّلت من مؤسسات اقتصادية داعمة للمشاريع إلى دكاكين لتوزيع الرواتب للموظفين والمتقاعدين من الدوائر.

هذا الواقع أفرزته القوى الفاسدة التي نهبت العراق، ودمرت اقتصاده، وساهمت بتدمير القطاع المصرفي، فالاقتصاد العراقي يحتاج إلى دعم المصارف في عملية التنمية، عن طريق تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تمويل المشاريع التنموية، التي تنهض بالشعب العراقي من براثين الفقر والعوز.

* ما هي الأسباب التي أدت، برأيكم، إلى تحويل القطاع المصرفي الحكومي العراقي من مؤسسات داعمة للاقتصاد وقاطرة للتنمية، إلى مؤسسات لتوزيع الرواتب فقط؟ ومن المسؤول عن هذا الواقع الجديد؟

الجميع يعلم أن الفساد المستشري في العراق، شكل سبباً رئيسياً وعائقاً أمام عمليات التقدم الاقتصادي، وبدوره تعرّض القطاع المصرفي العراقي إلى موجات من السرقة والنهب، بالإضافة إلى انتشار الفساد. فالسرقات التي قادها حيتان الفساد على مر سنوات، أدت إلى تدمير القطاع بشكل كبير، حتى أصبح القطاع المصرفي على هاوية الإفلاس. كما تأثر القطاع المصرفي أيضاً بتدني مستويات أسعار النفط، إذ إن انخفاض أسعار النفط تسبب في موجة خسائر كبيرة لجميع القطاعات، ومن ضمنها القطاع المصرفي. ولا شك أن المسؤول الأول والأخير عن هذا الواقع، هو غياب الشفافية والمحاسبة، ولذا فإن المطلوب اليوم من المؤسسات الرقابية في الدولة أن تقوم بالدور الموكل إليها للقضاء على آفة الفساد.

اقرأ أيضا: هل يعيد فتح ملفات الفساد الثقة بالاقتصاد العراقي؟

* كيف تقيّمون واقع الاقتصاد العراقي، وهل تعتبرون أن القطاع المصرفي يشكل رافداً للاقتصاد العراقي؟

يعاني الاقتصاد العراقي من أحادية التمويل التي تعتمد فقط على النفط، وهذا ما جعل البلاد تقف على حافة أكبر أزمة مالية تمر عليها بعد 12 عاماً من التغيير الحاصل في البلاد. لم يهتم السياسيون في البلاد ببناء اقتصاد عراقي قائم على أسس متنوعة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تردي كافة القطاعات الاقتصادية، بالرغم من أن العراق يمتلك العديد من المقومات التي تسمح له ببناء اقتصاد قوي.

من جهة أخرى، فإن عمليات الفساد والسرقات التي تمت في أكثر من قطاع، تركت أثراً سيئاً على الاقتصاد بمجمله، ومن ضمنها القطاع المصرفي. فقد تم صرف مئات الملايين من الدولارات لتمويل مشاريع لم تبصر النور، لا بل أظهرت الحقائق أن العديد من هذه المشاريع كانت وهمية، حيث تمت سرقة الأموال والهروب بها إلى الخارج.

* منذ القِدَم لعبت المصارف الحكومية العراقية دوراً بارزاً على الساحة الداخلية والإقليمية، وكانت هذه المصارف من أهم المؤسسات المالية في منطقة الشرق الأوسط، كيف تقيّم تراجع الأداء المصرفي؟
يعتبر كل من مصرف الرافدين والرشيد من أقدم المصارف الحكومية العراقية في منطقة الشرق الأوسط، وكانا رائدين في مجال الأعمال المصرفية لفترات طويلة، نظراً للخبرات والقدرات المالية التي يتمتع بها المصرفان، لكن المحاصصة والفساد لعبا دوراً سلبياً في تدني مستوى الخدمات، حيث تحوّل المصرفان إلى أشبه ما يكون بدكاكين لصرف رواتب الموظفين بسبب تكبيلهما بقوانين البنك المركزي. كما ومنعت المصارف الحكومية من لعب دورها في تمويل وتنفيذ المشاريع.

فعلى سبيل المثال، كان مصرف الرافدين مديوناً بـ28 مليار دولار أميركي متنوعة بين ديون خارجية وداخلية، أما مصرف الرشيد، فبلغت ديونه مليار دولار أميركي. كما أن معظم الديون الخارجية تراكمت بواسطة الحكومة في العهد السابق، أي قبل العام 2003. ولم تتحرك الحكومات منذ 12 عاماً لتطوير هذا الواقع.

اقرأ أيضا: 350 مليار دولار أموال عراقية ضائعة

* تحدثتم في السابق عن بعض العراقيل التي يضعها البنك المركزي العراقي في وجه المصارف، ما هي هذه العراقيل؟ وكيف يمكن العمل على إيجاد الحلول المناسبة لها؟

يعاني القطاع المصرفي من معوّقات تم فرضها من قبل البنك المركزي، الذي يعيق ويكبّل عمل المصارف الحكومية والأهلية، ويمنع مشاركتها بشكل كبير في تطوير واقع القطاع المصرفي الحكومي والخاص، ولدينا مصارف تجارية نجحت في أن تصبح مصارف رصينة لها سمعة وشبكة فروع منتشرة في العراق والعالم، وهذا ينعكس على مهمة هذه المصارف في دعم القطاعات الأخرى في تنفيذ المشاريع، ولذا فإن المطلوب اليوم من أجل انطلاقة العمل بشكل فعال داخل المصارف، إعادة صياغة بعض القوانين والتشريعات التي تسمح بتطوير أداء القطاع المصرفي.

* ماهو دور المصارف التجارية في العراق، وهل تقوم بالدور الموكل إليها؟

تساهم المصارف التجارية في العراق في دعم القطاعات الاقتصادية والزراعية والصناعية، ولكن هذه القطاعات شبه متوقفة، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية، ولذا قامت الحكومة أخيراً بضخ 6 ترليونات دينار لإنعاش هذه القطاعات، إلا أنني أعتبر أن هذه المساعدات أشبه بحقن "شخص ميت بجرعة مخدرة"، بمعنى أنها لن تجدي نفعاً.

اقرأ أيضا: "إصلاح" في العراق: الشكوك تلفّ بلد الفساد

* إذاً، برأيكم ما هي الخطة التي يمكن للحكومة القيام بها من أجل إعادة الحياة إلى هذه القطاعات؟

على الحكومة أن تبدأ فعلياً ببناء المصانع الحكومية، التي تساهم في دعم الإنتاج المحلي، وكذلك وضع خارطة طريق اقتصادية تُبنى على أيدي خبراء يتمتعون بالخبرة الكافية، والبحث عن مصادر أخرى بعيدة عن القطاع النفطي، وخاصة أن العراق يتمتع بمقومات اقتصادية هائلة.

* ما هو تعليقكم على عمليات غسيل الأموال التي تجري في العراق؟ وكيف يمكن للقطاع المصرفي أن يتجنب مخاطر هذه الأعمال؟

تعرّض العراق لسرقة منظّمة من قبل حيتان الفساد الذين تحاول الحكومة تضييق الخناق عليهم، فهناك مجموعة من الأشخاص والمصارف ساهموا في تهريب الأموال عن طريق عمليات غسيل الأموال والمضاربات التي كانت تحدث في مزاد البنك المركزي العراقي. ولذا فإنه على الحكومة اليوم والجهات الرقابية أن تحاسب كل من تسبب في نكسة الاقتصاد العراقي. وهنا أشير إلى ضرورة محاسبة من قام بعمليات غسيل الأموال، ومن تسبب في عمليات السرقة، وتقديمهم إلى العدالة.
المساهمون