عدنان أبو عودة (4-4): لم يكن الملك حسين يريد الضفة الغربية

26 سبتمبر 2017
+ الخط -
يصدر قريبا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "يوميات عدنان أبو عودة.. 1970- 1988". ويضم في صفحاته الأولى، بعد مقدمةٍ لمحرّره، معين الطاهر، مقابلة مع صاحبه، السياسي والدبلوماسي الأردني، تضيء على ما لم تأت عليه اليوميات، ويجيب فيها عدنان أبو عودة على أسئلة عن طفولته، دراسته، بيئته العائلية التي نشأ فيها، انتسابه إلى حزب التحرير الإسلامي ثم إلى الحزب الشيوعي، عمله مدرّسا في الخليج، التحاقه بدائرة المخابرات العامة، بدايات علاقته بالملك حسين وكيف تطوّرت، وعلاقته المميّزة مع رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل، وتفصيلات أخرى عن وقائع تالية تتابعت في محطات تجربته السياسية الخاصة، وفي مواقع ومسؤوليات تولاها.

وقد ولد عدنان أبو عودة في نابلس في العام 1933، ودرس في دار المعلمين في عمّان، ثم الأدب الانجليزي في جامعة دمشق، عمل في دائرة المخابرات العامة، وشغل منصب وزير الثقافة والإعلام والسياحة والبلاط على فترات بين 1970 و1988، وعيّن عضوا في مجلس الأعيان بين 1988 و1991، ومندوبا للأردن في الأمم المتحدة بين 1992 و1995، وأخيرا مستشارا للملك عبدالله الثاني بين 1999 و2000.
وتساعد المقابلة في مزيد من التعريف بشخص عدنان أبو عودة، وتجربته، وآرائه، وفي إيضاح وقائع تأتي عليها اليوميات. وتتعلق الحلقة الرابعة والأخيرة بالملابسات التي ظلت تحكم العلاقات الأردنية السورية، والعلاقات السورية الفلسطينية، ويسرد أبو عودة تفاصيل طرحه فكرة فك العلاقة القانونية والإدارية الأردنية مع الضفة الغربية في العام 1988، وشهادته بشأن محادثات الملك الحسين في بغداد والكويت عشية الغزو العراقي للكويت في العام 1990، ويبين أسباب معارضته بندا يتعلق بالقدس في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.

واضح أنّ هناك تشابكًا بين العلاقة الأردنية - السورية التي كادت تصل إلى حدّ الوحدة، والعلاقة الأردنية - الفلسطينية التي وصلت إلى الاتفاق على الكونفدرالية. ما أن تتحسّن إحداها حتى تسوء الأخرى. لم يحدث أنّ العلاقات الأردنية - السورية - الفلسطينية كانت مع بعضها على وفاق. دائمًا هناك طرفان وطرف آخر خارج هذا الاتفاق، ويصل الخلاف إلى حدّ الاقتتال، وإلى حدّ التفجيرات. ما هو تفسير هذا التشابك؟
لا، العلاقة القريبة جدًا بين الأردن وسورية حدثت في فترة قصيرة جدًا مدتها ستة أشهر، كان رئيس الوزراء السوري في أثنائها عبد الرحمن خليفاوي الذي كان متحمسًا جدًا لعلاقة خاصة وقوية مع الأردن. أمّا بشأن الموضوع الفلسطيني، ففي عام 1972 طرحنا مشروع المملكة المتحدة، ولكنّ أول محاولة تقارب مع منظمة التحرير كانت في عام 1978. ثمّ بعد مشروع الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، الذي طرحه في سبتمبر/ أيلول 1982، وقد جاء فيه أن يكون الفلسطينيون مرتبطين بالأردن. فبدأنا نتحاور مع المنظمة، ونشجعهم ليقبلوا المشروع، لكنّهم لم يقبلوا.

في تلك الفترة، ساءت كثيرًا العلاقات بين الأردن وسورية، وتحسّنت بين الأردن ومنظمة التحرير، ثمّ لمّا خربت هذه، بدأت تلك العلاقة تتحسّن برسالة اعتذار أرسلها الملك حسين إلى حافظ الأسد.

لا أعرف كيف تتصرّف سورية، وإن كان من الممكن أحيانًا أن تتنبأ بتصرّفها. في أي علاقة مع أي دولة عربية، وفي أي علاقة تُنسج بين دول عربية، تحب سورية أن تظهر فيها الرئيس. وعندما أتحدّث هنا عن سورية، فقصدي في عهد حافظ الأسد، لأنّها الفترة التي أعرفها، وهي تُبقي الطرف الثاني متحسّبًا ومتردّدًا.

يشعر قارئ يومياتك بأنّ نظرة رئاسة حافظ الأسد إلى الأردن كانت غالبًا نظرة استصغار وارتياب واشتباه، ما تفسيرك لهذه الحالة؟
لا تحتاج لشرح كثير، فهي هكذا، ومعنى ذلك أنّ التقرّب منك يكون باعتبارك جزءًا تابعًا لي.

ما هي حقيقة موقف سورية من منظمة التحرير؟
لا يحبونها ولا يريدونها أصلًا.

لماذا؟ خلاف الأردن مع المنظمة على تمثيل الفلسطينيين. ولكن، ماذا عن سورية، كما لمست في اجتماعاتك بالمسؤولين السوريين ومعرفتك بحافظ الأسد؟
سورية في رؤية الرئيس حافظ الأسد هي أم المنطقة، أم الأردن وأم فلسطين. نحن في الأردن مملكة ودولتنا قائمة. أمّا الفلسطينيون فمن هم؟ هؤلاء الأولاد الصغار الذين يريدون أن يُقيموا دولة! حدث مرة في اجتماع بينه وبين الملك حسين، وكنتُ من حضوره، أنّه نزل بالفلسطينيين منتقدًا ما سمّاه تخاذلهم في مقاومة الاحتلال، وبأنّهم ليسوا كما الجزائريين. ليس لديه احترام لهم، وهذا ما أزعجني في الاجتماع، ولذلك، تدخّلتُ لأفرض عليه احترام الفلسطينيين، وقلتُ له إنّ العرب وعدوهم بالعون، وخانوا الوعد، بل أخفق العرب في عام 1948، وكذلك فشل جمال عبد الناصر في عام 1967.

نعود إلى عام 1974. تتحدّث في اليوميات عن تيار إقليمي متنامٍ. ما هو المناخ الذي شاع في البلد، وجعلك، وأنت مسؤولٌ وفي مواقع متقدّمة في صناعة القرار، تقول هذا؟ بل تقول أيضًا إنّ في مجلس الوزراء طُرحت أحاديث عن التيار الإقليمي، وليس في المقاهي وبين الناس فحسب.
أهم ما يسعى إليه الإنسان هو الربح الاقتصادي والمال. وينظر الناس كلهم، عندما تتفكّك بنية اجتماعية وبشرية عامة، إلى ما يمكن أن يستفيدوا منه، من باب اقتصادي أو مالي. والأردن ليس بلدًا صناعيًا، هو بلد زراعي بسيط، وتجاري بسيط، لكنّه بالدرجة الأولى بلد موظفين. الوظائف مشتركة يأخذها الطرفان. ثمّ مع الوقت زاد عدد السكان، ومع هذه الزيادة زاد عدد الخرّيجين، الأمر الذي زاد من التنافس على الوظائف، فتمّت الحسبة عند بعضهم أنّه إذا تخلّص من الشريك الثاني تتضاعف فرصه من الوظائف. هذا الأمر أحدث مشكلة، فقد تشكّلت بنية ذهنية مفادها "أنا أحق بهذه الوظيفة وهذا الموقع". وهذه مسألة مهمة جدًا، وفيها تفسير للسلوك السياسي كله، حتى هذه اللحظة. وحديثي هنا عمّا يتحكّم بعقلية الناس، لأنّهم يريدون العيش.

الناس أم صُنّاع القرار؟
يريد صُنّاع القرار إرضاء الناس. أتذكّر أنّ رئيس وزراء سأل أستاذًا في الجامعة، يهفو لأن يصبح وزيرًا: "كم أنتم في الجامعة؟".

الملك حسين والملكة نور وزيد الرفاعي وزيد بن شاكر وعدنان أبو عودة ومروان القاسم                                                                                          

يتضح في يومياتك أنّ تحسّن العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية يصطدم دومًا بالهاجس الأمني، إلى درجة أنّ التصوّر الذي صار لدى المؤسسة الرسمية الأردنية، أنّ موقفنا هو مثل موقف موريتانيا، عندما يُطرح قرار في الأمم المتحدة وفي أي محفل دولي بشأن القضية الفلسطينية نؤيده، وهذه حدوده. ولكن، عندما تُطرح أفكارٌ عن عودة علاقات الأردن مع منظمة التحرير كان الهاجس الأمني حاضرًا، إلى أن سألتَ الملك حسين، في 1984، لمّا صار واضحًا أنّ العلاقات تتقدّم: "هل علاقتنا مع المنظمة أمنية أم سياسية؟". فأجابك أنّها يجب أن تكون سياسية. ثمّ بدأت هذه العلاقات تتحسّن. ما تفسيرك للتقارب من 1982 إلى 1986 تقريبًا.
ظلّت المشكلة منذ أيلول/ سبتمبر 1970 أمنية. ثمّ حدث تغيّر في البيئة الدولية، وبدأ حديث عن سلام وعملية سلام. وأنت لا تستطيع أن تتعامل مع طرفٍ مهم في عملية السلام أمنيًا، لأنّكما في هذه الحالة لا يمكن أن تتفاهما. ولذلك لا بدّ من تحويل العلاقة من أمنية إلى سياسية.

لمّا أجابني الملك حسين جوابه ذاك كان يريد أن يُوجد حالة قومية في الكيان العربي، تقوم على مصالحة سورية مع العراق، وإعادة مصر إلى الحظيرة العربية، وقرب الأردن من منظمة التحرير؛ لأنّ قيمة المنظمة في الجانب الدولي والسياسي حينما تكون مع الأردن، وليس مع أحد آخر. اشتغلنا على المسائل الثلاث. نجحنا مع سورية ومع مصر، ونجحنا بداية مع منظمة التحرير، ثمّ أخفقنا بسبب أبو عمّار، لأنّه ظلّ يشكّ في الملك.

هل كان الشكّ متبادلًا؟
لا، لا يريد الملك حسين الضفة الغربية له.

لا يريد الضفة أم لا يريد أبو عمّار؟
لا يريد الضفة، ولا أبو عمّار.

أنت تشير هنا إلى ما كان يجري في عامي 1987 و1988، وأنت عملت كما المكوك بين الديوان الملكي ومكتب أبو عمّار في جبل النزهة، ومنزل العميد أحمد عفانة (أبو المعتصم) في الدوار الخامس.
كانت المقابلة بيني وبين أبو عمّار في منزل أبو المعتصم من أهم المقابلات بالنسبة لي معه، وكانت في بداية عام 1988، كنتُ أنقل إليه رسائل من الملك.

كانت منظمة التحرير تعطيك اقتراحًا تنقله إلى الملك، ثمّ يُعرض على الأميركان الذين يرفضونه، إلى يوم أن قدّمت المنظمة اقتراحًا، قيل إنّها أخذت عليه، عبر وسطاء لهم علاقات مباشرة مع الأميركان، ضوءًا أخضر أميركيًا، أعطوك إياه، واعتقدت أنّ الموضوع قد حُل، فقلت للملك إنّك أحضرت الرد، إلّا أنّ الملك رفض أن يراه. وقال لك أن تُبلغ المنظمة أنّ الأميركان رفضوا، فأغلقوا هذا الباب. وقبلها بأيام، تناقشتم، في الديوان الملكي، أنّ منظمة التحرير غير جدية، وأنّكم تريدون إغلاق هذا الملف، وبدأتم تفكرون ببديلٍ عن المنظمة، بإيجاد أُطر أخرى داخل الضفة الغربية. هل كان الملك قد اتخذ قراره، وينتظر أن يأتي الرفض من المنظمة، فيكون عنده مبرّر، وعندما وافقت المنظمة أُغلق الملف. هل كان قد التقى وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز ، أم كان قد هيأ قراره؟
لا، كان الأميركان قد أبلغوا الملك أنّهم لا يريدون منظمة التحرير الفلسطينية في أي صيغة، وانتهى الأمر. فكان الاتفاق مع الأميركان وليس مع بيريز الذي كان الملك قد قابله سرًا في لندن قبل هذا كله.

كان الملك حسين قد انتهى، في تلك الأوضاع من اتصالاته السرية مع الإسرائيليين، إلى أنّ الإسرائيليين لن يُعيدوا إليه شيئًا، ولن يُقدّموا شيئًا، لماذا إذًا عاد واتفق مع بيريز؟
يعود هذا إلى التحرّك السياسي بالمفهوم الإسرائيلي، وقد اقترحوا سيادةً أردنية على سكان الضفة الغربية، وبذلك تكون الضفة الغربية مع الأردن. وكانوا في ذلك يلعبون، وقد سمّوا هذا الطرح كونفدرالية من دون أرض، يعني أنّ من في الضفة الغربية هم مواطنون أردنيون، لكنّهم يقيمون عند إسرائيل، فيدفعون ضرائبهم لها.

برأيك، هل قَبِل الأردن بهذا المفهوم؟
يبدو أنّه قبل، على الأقل من رئيس الوزراء زيد الرفاعي الذي كان يميل إلى التخلص من هذه الحدوتة [الحكاية] كلها، خصوصًا وأنّ أمن الأردن في هذه الصيغة يكون هادئًا، وليست هناك مشكلة أمنية مع الفلسطينيين. والأردن يستطيع أن يجمع مساعداتٍ عندها. وقد أقنع بذلك الملك الذي لم يشاورنا، أنا ومروان القاسم، بشأن مباحثاته في لندن مع بيريز. وترك الأمور مغلقةً، وفيها أسرار غامضة، يعرفها زيد الرفاعي وحده، ولكن جاءت الانتفاضة الفلسطينية، وصار التفكير بأنّ الأردن ما عاد في وسعه فعل شيء.
أمّا أبو عمّار فلم يكن ليتراجع عن مطلب الاعتراف الأميركي به، وبمنظمة التحرير. وكان خائفًا وحذرًا، ويعتقد أنّه هو في حالة معاندة مع الأردن ومع أميركا، وهذا نوع من التفاوض الذي جعله يتشدّد.


اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية، وأحدثت مناخًا جديدًا. ماذا كانت حساباتكم في الأردن؟
الحسابات كلها انتهت، كان آخرها الاتفاق مع بيريز، وهو أن نتجه إلى مساعدة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ونُقيم مشروعًا تنمويًا هناك. وعقدنا من أجل ذلك، في عمّان، مؤتمرًا بهذا الخصوص، قبل ثلاثة أشهر من الانتفاضة.

ما هي روايتك عن قصة أبو الزعيم؟
جاءت قصة أبو الزعيم بالتزامن مع الاتفاق مع بيريز، وهو اتفاق مبدئي، يقوم على أنّه حتى يعيد الأردن صِلاته بقوة مع أهل الضفة الغربية، عليه أن يُدخل أموالًا للتنمية، وقد دُبّرت هذه الأموال، وعقدنا ذلك المؤتمر الذي لم يشارك فيه كثيرون كما توقعنا وأردنا. ولكن، شاركت صناديق دولية، وشخصياتٌ من الضفة العربية. وقلنا هذه البداية، وقلنا إنّه من أجل أن نغطّي ما أقدمنا عليه، من دون أن يشعر الفلسطينيون بأنّ خطوتنا ضد منظمة التحرير، لنُحضر شخصًا من منظمة التحرير، فكان أبو الزعيم.

ألا تعتقد أنّها فكرة ساذجة؟
طبعًا ساذجة. وكان الاعتقاد أنّ كادر منظمة التحرير الفلسطينية كله في الساحة الأردنية سيلتحق بأبو الزعيم، تحت شعار الخوف من الإبعاد، ومن سحب جواز السفر، وغير ذلك، إلّا أّن هذا الرهان لم يحصل.

أين كنت في هذه الأثناء، ويرد في يومياتك أنّه عُرض أكثر من اسم بديل لأبو عمّار، مثل خليل الوزير (أبو جهاد) ، لكنّ أحد المشاركين في النقاش قال إنّه لا يمكن أن يفعلها. وطرح اسم أبو إياد ، ثمّ تمخض هذا الجبل فولد أبو الزعيم، هل شاركت في هذه النقاشات؟
كنتُ في الديوان الملكي، ولم أشارك في النقاشات بشأن أبو الزعيم.

عدنان أبو عودة وحافظ الأسد                                                                                                                                                                    

ننتقل إلى المنعطف المهم، وهو قرار فكّ الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية الذي كتبته أنت. كيف جاءت الفكرة، ما هي الأفكار التي طرحتها، أو اتفقت أنت والملك حسين عليها قبل إطلاقها، وهل هي فكرتك أم فكرة آخرين؟

هي فكرتي. في 13/3/1988 جاء الملك إلى مكتبه متأخرًا، ولكنّه لم يكن على طبيعته. جلس على مكتب رئيس الديوان، زيد بن شاكر ، وبدأ يدخن. واجبي الأدبي، هنا، أن أقطع حبل الصمت، فسألتُ الملك عن سبب زعله [غضبه]، فردّ عليّ بسؤالي إن كنتُ قد قرأتُ بيان قيادة الانتفاضة في فلسطين العاشر، وكان قد صدر في ذلك اليوم، في 10 آذار/ مارس 1988. فأجبتُ بأنّي قرأته. فردّ علي: "ولا تريدني أن أزعل".

قلتُ لجلالة الملك: "أريد أن أسألك إذا كنت قد شعرت في لقاءاتك السرية مع المسؤولين الإسرائيليين بأنّهم جاهزون لإرجاع الضفة الغربية إليك. وسؤالي صريح لك، هل شعرت بأنّ في إمكانك أن تسترجع الضفة الغربية؟". وتابعت: "سامحني سيدي، أنا أجلس معك في مقابلاتك مع زوارك الأجانب، وقد تولّد لدي انطباع بأنّ الأجانب كلهم يعتقدون أنّك تريد السلام، وأنّ جلالتك هو من في مقدوره حلّ المشكلة. ولكن، أسألك هنا، هل تستطيع أن تُنجز سلامًا من دون عودة الضفة الغربية؟". قال: "لا". ثمّ سألته: "والقدس؟". فأجاب: "أعوذ بالله". ثمّ قلت: "أنت، يا سيدي، لا تقدر أن تنجز سلامًا بموقفك هذا. ولكن، ألا تعتقد أنّه آن الأوان لإنهاء المشكلة، أي إنهاء وضع عدم قدرتك على استعادة الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه التسبب للفلسطينيين بهذا الألم. وأبو عمّار يعتقد أنّه يستطيع استعادة الضفة، فليكن له ذلك".
وما أعرفه أنّ الملك حسين لم يكن يريد الضفة الغربية، لكنّ مكانته وعلاقاته الدولية تقتضي منه أن يكون له دور في استعادتها، وفي الموضوع الفلسطيني عمومًا.

ولكن، من الذي وضع في رأس أبو عمّار أنّ الملك حسين يريد الضفة الغربية؟
لا أعرف، ربما يكونوا المصريين، ولكنّي لا أعرف.
من التقاليد المعمول بها في الديوان الملكي أنّه إذا كان هناك موضوع يحتاج قرارًا حاسمًا، بمعنى قرار دولة، فإنّ ذلك يتمّ على مائدة الملك.
بعد أسبوعين، اتصل بي مسؤول البروتوكول، وأخبرني أنّ الغداء في ذلك اليوم عند سيدنا، فأدركتُ أنّ هناك شيئًا ما. وكان على مائدة الغداء رئيس الوزراء زيد الرفاعي، ومدير المخابرات طارق علاء الدين ، وأظنّ أنّ شخصًا ثالثًا كان أيضًا، وأنا. جلسنا على المائدة، ووُضعت شوربة العدس، وقبل أن نقول باسم الله، نظر إليّ الملك، وطلب منّي أن أشرح فكرتي، وبعد أن قلتُ ما لدي عن فكّ الارتباط مع الضفة الغربية، نظر الملك أولًا إلى رئيس الوزراء، وسأله: "ماذا أبو سمير؟". فأجاب: "أوافق أبو السعيد". وبعد ما أخذ الموافقة كلها من الحاضرين، قال الملك: "باسم الله". وشربنا شوربة العدس. وانتهى الأمر، ولم نتكلّم فيه على مائدة الغداء ثانية، فصار القرار.
ثمّ جاء عيد الأضحى، وقبله بيوم، طلبني الملك إلى مكتبه، وطلب منّي أن أكتب له خطبة يقرأها للشعب بشأن القرار. وفي ثاني أيام عطلة العيد، ذهبتُ إلى مكتبي لأكتب، ولكن استعصت عليّ افتتاحية الخطبة، ولم تتيسر أول كلمة أو أول جملة، وأنا أدخن بشكل كبير، ثمّ خطر على بالي تعبير العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، لأنّك تريد كلامًا لا يتجاوز الدستور. وقفزتُ من مكاني صارخًا وجدتها، كما أرخميدس، ثمّ كتبتُ الخطبة، والتي أعطيتُ مسودتها إلى جلالة الملك بعد عطلة العيد، لعلّه يصحّح فيها شيئًا، وعادة ما يصحّح، ولكنّه في هذه المرة لم يصحّح أي كلمةٍ أو أي معنى، لكنّه طلب أن يتضمن بقاء مسؤولية الأردن عن الأوقاف في القدس.
قرأ الملك الخطبة على التلفزيون، ثمّ بدأت الحكومة الإجراءات، ولعبت بالمفاهيم، وخصوصًا بالنسبة للذين يأتون من الضفة الغربية إلى الأردن وبالعكس (أصحاب البطاقات الصفراء).

ألم يجرِ، في هذه الفترة، أي حوار مع منظمة التحرير بخصوص هذا الأمر، وهل أطلعتم القيادة الفلسطينية على القرار مسبقًا؟
لا، لأنّ هذا قرار الملك، ولم يجرِ أي اتصال مع المنظمة بشأنه، ولو من باب العلم بالشيء. وكنّا نعرف أنّهم سيأتون للاستيضاح، وهو ما جرى. وفي البداية، اعتقدوا أنّ القرار لعبةٌ من الملك، ثمّ أدركوا أنّ القصة صحيحة. وكنتُ أقول لهم في منظمة التحرير إنّ الملك لا يريد الضفة الغربية، وإنّه ملَّ وتعب من مسؤولياته عنها، وسوء الظنّ به في الوقت نفسه، غير أنّه لم يكن يريد أن يخرج منها خروج الهارب، وإنّما خروج الكريم، أمّا القدس فأمرها مختلفٌ، وهي شيء خاص بذهنه.

بالغ رئيس الوزراء، زيد الرفاعي، بالتشدّد في الإجراءات التي اقتضاها قرار فكّ العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الغربية، وهو الذي نقل عنه مؤلفا كتابين أجنبيين، قوله لهما إنّه صحيح أنّ عدنان أبو عودة هو من صاغ فكرة القرار، إلّا أنّها قديمةٌ عندنا، وأكيد أنّه سمعها سابقًا. وشخصيًا لم أراجعه في كلامه هذا، لأنّني إذا أردتُ مراجعته، كنتُ سأقول له الحقيقة، وهي أنّه صحيح أنّهم كانوا يناقشون أفكارًا من دوني بين بعضهم.

لماذا أعطيتم أبو عمّار المسؤولية عن الضفة الغربية، ولماذا اقترحت هذا الاقتراح؟
لا يستطيع الأردن أن يستمر على ذلك الحال، ثمّ فليدبرها أبو عمّار، وهو من يمكنه التنازل إذا أراد أي تنازل.

لكنّ الحكومة الأردنية أخذت الأمور باتجاه آخر.
هذا أمر آخر.

أما كنت تتوقع أن يحدث هذا؟
أنا أعرف أنّ هذا الحال موجود. أعرف التيار الإقليمي المتنامي في الأردن مبكرًا جدًا منذ عام 1971، وكان واضحًا بالنسبة لي.

بالعودة إلى قرار فكّ الارتباط مع الضفة الغربية، يبدو أنّه أحدث مناخًا تجدّدت فيه بعض الحساسيات.
نعم، اعتقد أصحاب التيار الإقليمي الأردني أنّه آن الأوان ليأخذوا الحقوق التي رأوا أنّ الفلسطينيين أخذوها منهم طوال خمسين عامًا. وهذا ما جعلني أكتبُ كتابي بالإنكليزية عن العلاقة الأردنية - الفلسطينية. وقد ركّزت على هؤلاء، وصار يُنسب إليّ حديثٌ عن "حقوق منقوصة للفلسطينيين" في الأردن.

ترد في يومياتك توصية للملك حسين في عام 1973 بالإفراج عن معتقلين سياسيين فلسطينيين، تقول إنّ من أهداف هذا الإفراج تأكيد أنّ الأردن هو البيت والمنزل الطبيعي والشرعي للشعب الفلسطيني. ثمّ في عام 1988 أنت من تكتب خطبة الملك حسين التي أعلن فيها فكّ العلاقة القانونية مع الضفة الغربية. هل يعود هذا الاختلاف إلى نوع من مراجعة الموقف؟
لا، لا، لا. لو ترجع للأعوام من 1973 إلى 1988، هي 15 عامًا. أرجو أن تتذكّر هاتين الكلمتين، وهما أنّ الزمن يغيّر العلوم، وأنّ الزمن يمثّل مرضًا خفيًا لا تراه.

بحسب يومياتك، لم تشارك إلّا في لقاء واحدٍ من لقاءات الملك حسين السرية مع الإسرائيليين، هل هذا صحيح؟
نعم، هو لقاء واحد، وكان مع إسحاق شامير في بيت الملك في لندن.

قبل يومين من اجتياح العراق الكويت، وكنت في الديوان الملكي، في آب/ أغسطس 1990، كنت مع الملك حسين في بغداد، والتقيتم الرئيس صدام حسين. هل أبلغكم بشيء، وهل فوجئتم بما أقدم عليه؟
نعم، كنتُ مع سيدنا في هذه الزيارة، وكان أيضًا أبو شاكر (الشريف زيد بن شاكر)، ولم يُبلغنا الرئيس صدام حسين بشيء، وقد فوجئنا بتوقيت ما فعله، ولكن شعورنا كان بأنّه سيفعل شيئًا، لأنّه كان غاضبًا جدًا من الكويتيين. وكانت خطوته غريبة، وفي جلستنا معه، قبل ذلك بيومين، وكان طارق عزيز وطه ياسين رمضان حاضرين، كان الحديث كله أنّ سيدنا يحاول أن يحلّ له مشكلته مع الكويت. تكلّم صدام كثيرًا، وبغضب. في اليوم الثاني، التحق بنا رئيس الوزراء مضر بدران، وذهبنا إلى الكويت، وفي عودتنا إلى عمان، سألني سيدنا في الطائرة: "ماهي الدروازة؟". وهي البوابة، وكان صدّام قد قال في معرض حديثه الغاضب معنا، وفي ردّ على استفسار من الملك، إنّ الكويتيين "ما يطلعلهم أكثر من الدروازة". وكنّا نناقشه ونحاول تهدئة غضبه، ويعمل الملك على الوقوع على نافذة حلّ صغيرة لتكون معه في مباحثاته في الكويت التي سافرنا إليها، والتقينا فيها الأمير الشيخ جابر الصباح . وبعد يومين، صَحَوْنا من النوم، والجيش العراقي في الكويت.


تاليًا، نقلت رسالة من الملك حسين إلى الرئيس صدّام في بغداد.
نعم، كان ذلك في يوم 31 كانون الثاني/ يناير 1991. والتقيتُ وزير الخارجية طارق عزيز، وحمّلته الرسالة لينقلها إلى الرئيس صدام حسين، وهي أنّ "سيدنا يرجو سيادة الرئيس أنّه إذا ما وقعت اشتباكات ألّا يستخدم سماءنا وأجواءنا".

أين كنت عندما عُقد مؤتمر مدريد، في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، ولماذا في تقديرك وفّر الأردن غطاءً للوفد الفلسطيني في المؤتمر؟
كنتُ في عمّان رئيس الديوان الملكي. كان الأردن منذ عام 1972 أو 1973 حريصًا على أن يرى الفلسطينيين قد انتهوا من قضيتهم؛ لأنّه يريد ألّا يبقى متحملًا المسؤولية عنها، وليس الأمر كما كان أبو عمّار يعتقد، فيما الحقيقة أنّ الأردن لا يسعى لإعادة سيطرته على الضفة الغربية.

ننتقل إلى معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية. هل شاركت، بأي شكل، في مفاوضات السلام؟
لا، كنتُ مندوب الأردن في الأمم المتحدة، ولم أُشارك فيها. ما قمتُ به أنّهم أعطوني نصّ معاهدة السلام مع إسرائيل كي أودعها في الأمم المتحدة، وقد أودعتها. ولمّا قرأتها، وجدتُ موضوع القدس فيها غير مُقنع، وهو أنّ إسرائيل تعطي الأولوية للمملكة الأردنية الهاشمية في الإشراف على المقدسات، وليس صحيحًا القول إنّهم أعطونا الأولوية على أماكن مسيحية.

عدنان أبو عودة وصدام حسين                                                                                                                                                               

هل كنت تطّلع على المداولات السابقة على هذا النص وعلى المعاهدة؟
تُوُصّل، قبل توقيع معاهدة السلام، إلى اتفاقية إعلان المبادئ الأردنية - الإسرائيلية (إعلان واشنطن). وقد دُعيتُ لحضور الاحتفال بتوقيعه، بصفتي سفير الأردن في الأمم المتحدة. وذهبتُ، ورأيتُ الوفد الأردني الضخم، والذي ضمّ صحافيين عديدين وكُتّاب أعمدة في صحف أردنية. وعشيّة التوقيع، هاتفني المرحوم أبو شاكر (زيد بن شاكر)، وسألني إن كنتُ قد نمتُ، فأجبته أنّني على وشك أن أنام، فأبدى رغبة لديه بأن أمرّ عليه، لأنّه يريد مناقشتي في موضوعٍ معيّن، فذهبتُ إلى جناحه. قال لي: "عدنان، سيدنا سيوقّع غدًا، وأنا أخاف من أن يكون هناك منزلق معيّن، وبتعرف جماعتنا بينضحك عليهم. إذا ممكن تساعدنا في هذا الموضوع". وكان رئيس ديوان، وكان رئيس الوزراء عبد السلام المجالي.

أخذتُ الوثيقة، وأنا مسرورٌ لأنّني سأطّلع أول مرة على الاتفاقية، ولأعرف ما يجري في الدنيا. وفي أثناء قراءتي ما قرأتُ في غرفتي، وجدتُ أنّ إسرائيل هي سيدة البيت، ولها كل الحق في أن توزّع المهمات على الساكنين فيه. في الصباح، قرأتُ لأبو شاكر وفسّرتُ له. وسأل عمّا يمكن أنّ يقوله لسيدنا، وعمّا إذا كان يستطيع أن يقول له شيئًا، وقال لي كيف يمكن الحديث عن هذا، والملك متهيئ للتوقيع، هل يمكن أن أقول له إنّنا يجب أن نتراجع عن التوقيع، وهذا سيُسبب أزمة دولية. فأجبته أنّه لا يستطيع.
بعد يومين، أبلغونا أنّ سيدنا يريد أن يسافر، وقبل سفره يرغب في توديعنا، نحن الذين جئنا إلى واشنطن، في قاعةٍ في الفندق. ذهبتُ إلى القاعة، ورأيتُ طاولةً طولية. جلستُ في الوسط، وجاء الملك، وبدأ يتحدّث. وأنا أعرف أنّ سيدنا يريد أن يُقنع الحاضرين بأهمية الاتفاق. وكان المرحوم أحمد اللوزي جالسًا بجانب الملك، وقد أخذ الميكرفون، وقال ما قاله جلالة الملك، من دون تغيير أو تبديل. ودار الميكروفون على الموجودين، ليتحدّثوا، وعندما وصل إليّ، سلمته للذي بجانبي. استغرب الجميع منّي، وبعد أن انتهت الأحاديث، وقف الملك وصافح بعض الموجودين، ولمّا وصل إليّ سألني عن سبب عدم مشاركتي في الحديث. فقلتُ له إنّ لدي ملاحظات. فطلب منّي أن ألحق به في جناحه، ودخلنا. وقلتّ له إنّ إسرائيل في الاتفاقية هي التي ستوزّع المهمات. غضب وعندما يغضب تتحرك عضلاته، ثمّ سألني إن كان لديّ شيء آخر، فأجبته: لا سيدي.
________________________________________________
من تقديم اليوميات
....
- لم تكن الأوراق معدّة للنشر، ولم تُكتب أصلًا من أجل ذلك، كُتب بعضها باعتباره ملاحظات يقتضيها عمل عدنان أبو عودة، في محطات حياته السياسية، ومنها وزيرًا للإعلام أو وزيرًا للبلاط أو رئيسًا للديوان الملكي أو في غير هذه المواقع المتقدمة في صناعة القرار السياسي في الأردن، أو تدوينًا لمحضر اجتماع، أو خاطرة راودته وهو في الطائرة، أو تسجيلًا لخبر سمعه أو إشاعة لم يتحقق منها، أو مسوّدة لمحاضرة أو كلمة يلقيها في منتدى فكري أو سياسي أو ثقافي. 
- بدأ عدنان أبو عودة الكتابة في مرحلة متأخرة نسبيًا، وبتعبير أدق، تبدأ أوراق يومياته عند زيارته القاهرة قبل حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 بأيام، برفقة الملك حسين، وقبلها ثمّة مقترح أعدّه بهدف الإفراج عن فدائيين فلسطينيين معتقلين، وبضع أوراق بخطّ يده عن السياسة الإعلامية التي رسمها له رئيس الحكومة الأردنية الأسبق، وصفي التل، عند تعيينه، وهو برتبة رائد، في دائرة المخابرات العامة وزيرًا للإعلام في الحكومة العسكرية التي تشكّلت في أيلول/سبتمبر 1970.
- عدم تواصل يومياته وتقطّعها، فثمّة أعوام تزدحم بتسجيل حكاياتها، وأعوام أخرى تخلو أو تكاد من تسجيل أي كلمة، على الرغم من أنها حافلة بالحوادث، مثل عامي 1982 و1983. وتزداد صعوبة تحديد ما إذا كان ثمّة أوراق لم يُعثر عليها، لأنّه لم يكن يكتب في الأغلب على دفاتر يوميات مؤرّخة (أجندات)، وإنّما على كلّ ما تقع عليه يداه.
.......
.......
أخذًا في الحسبان أنّ عدنان أبو عودة لم يكتب يومًا هذه "اليوميات" بهدف نشرها، حُذف، بالاتفاق معه، ونزولًا عند رغبته، كل ما يخرج عن هدف النشر، باعتبارها تأريخًا لمرحلة سياسية. ولذلك حُذف، بمعرفته، بعض النصوص (على قلّتها) التي تتناول حوادث شخصية أو مسلكية أو اتهامات وشكوكًا وحكايات تبتعد، في جوهرها، عن السياق السياسي. وفي حالات محدودة للغاية، استُبدل بعض الأسماء بنقاط متصلة بين أقواس (...) تجنبًا لأيّ إساءة فهم؛ فالهدف من تدوين الواقعة شرح الحالة السياسة السائدة حينها، أو إيضاح توجهات أو خيارات اتُبع منهجًا، فأدّى ذلك إلى تغييرات عميقة، وليس التعرّض لأشخاص انجرفوا معه، أو توافقت مصالحهم وإيّاه.
يعبّر هذا النص عن رؤية عدنان أبو عودة في مرحلة كتابتها، وقد تتوافق أو لا تتوافق مع آرائه الحالية، فهذه يوميات، وليست مذكرات، وبالتالي يتعامل المركز معها، وكذلك الباحثون الذين سيطّلعون عليها بعد نشرها، والقراء عمومًا، كوثيقة هي بنت مرحلتها التاريخية وسياقها ومن هنا تأتي أهميتها.
كما أنّ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات غير مسؤول عن أيّ آراء أو تقويمات وردت في "اليوميات"؛ إذ ينشرها إيمانًا بحقّ الباحثين في الاطّلاع عليها من مصادرها المختلفة ليعملوا فيها بحثًا وتدقيقًا ونقدًا. وقناعة بحقّ المواطن العربيّ في المعرفة الكاملة بكلّ ما كان يُعتبر أسرارًا، ما يُعزّز نظرة المركز إلى الشعوب العربية أنّها قادرة دومًا على التمييز واختيار الأفضل، طال الزمان أم قصُر. 
                                                                                معين ...