عدد سكان روسيا إلى تراجع

06 يناير 2019
عدد سكان روسيا كان 148 مليون نسمة (آرتيوم جيوداكيان/Getty)
+ الخط -

لأوّل مرّة منذ عشر سنوات، أنهت روسيا عامها مسجّلة تراجعاً في عدد سكانها، وقد أظهرت الإحصاءات أن تدفّق المهاجرين لم يعد يسدّ الفجوة بين عدد الوفيات وعدد المواليد. وبحسب الأرقام التي أصدرتها هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" في نهاية عام 2018، فإنّ عدد سكان روسيا تراجع بمقدار 79 ألف نسمة تقريباً في خلال الأشهر العشرة الأولى من 2018. وعلى الرغم من وفود 102 ألف مهاجر جديد، فإنّ الهجرة لم تعوّض إلا نصف التراجع الطبيعي. هكذا تسجّل روسيا البالغ إجمالي عدد سكانها نحو 147 مليون نسمة، أوّل تراجع في عدد السكان منذ عام 2008 الذي كان قد شهد انخفاضاً بمقدار 10 آلاف نسمة تقريباً في ظل عدم تغطية تدفق المهاجرين للتراجع الطبيعي.

يشير الباحث المستقل في علم الديموغرافيا، أليكسي راكشا، إلى أنّ هذا التراجع يرتبط بانخفاض عدد المواليد وعودة أعداد من المهاجرين إلى أوطانهم في عام 2018. يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه "بالمقارنة مع عام 2017، انخفض عدد المواليد بنسبة 4.5 في المائة تقريباً، أي ما بين 65 و70 ألفاً، من 1.69 مليون مولود جديد إلى 1.620 ــ 1.625 مليون. وتراجع الفارق بين عدد المهاجرين الوافدين والمغادرين من 211 ألفاً إلى 115 ــ 125 ألفاً، أي بمقدار 85 ــ 95 ألفاً تقريباً".

وحول أسباب تراجع تدفّق المهاجرين، يقول راكشا إنّ "ثمّة تراجعاً في حركة الهجرة من أوكرانيا، في حين أنّ الفارين من أتون الحرب في أوكرانيا بدأوا يعودون إلى بلدانهم". يُذكر أنّه بعد اندلاع القتال في منطقة دونباس الموالية لروسيا، شرقي أوكرانيا، في عام 2014، استقبلت روسيا أكثر من مليون لاجئ هارب من المواجهات. لكنّ هذه الحرب راحت تتحوّل تدريجياً إلى نزاع من دون مواجهات مكثّفة ومع تسويات في الأفق، ما دفع بعض الهاربين إلى العودة على ما يبدو.




أمّا العوامل التي أدّت إلى تراجع عدد المواليد بالمقارنة مع الوفيات، فيلخصها راكشا قائلاً إنّ ذلك التراجع يعود "بالدرجة الأولى إلى تراجع عدد النساء في سنّ الإنجاب، وبالدرجة الثانية إلى تراجع معدّل المواليد لكل امرأة من 1.62 مولوداً إلى 1.6"، يُضاف إلى ذلك عدد الرجال في سنّ تكوين عائلات. ويتكرر الأمر في البلاد كلّ ربع قرن منذ الحرب العالمية الثانية، إذ إنّ عام 1943 شهد أدنى مستوى من عدد المواليد.

إذاً، في عام 2018 انتهت الدورة الثالثة البالغة 25 عاماً (أي العمر المتوسط لتكوين أسرة)، بالإضافة إلى تراجع عدد الشباب من جيل مواليد ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي حين عرفت روسيا مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولعلّ هذه الموجة من التراجع دفعت السلطات الروسية إلى استحداث وسائل جديدة لدعم العائلات ذات الدخل المحدود منذ بداية عام 2018، بما في ذلك تخصيص دفعات شهرية للطفلين الأول والثاني. كذلك تستفيد العائلات التي أنجبت أطفالاً من تسهيلات أخرى، مثل "رأس مال الأم" الذي تبلغ قيمته نحو 6.5 آلاف دولار أميركي، وتستفيد منه كل أسرة روسية عند إنجابها أو تبنيها الطفل الثاني وما فوق. ولا تحصل العائلات على قيمة هذه المعونة نقداً، بل كإفادة يمكن استثمارها في تحسين ظروف السكن والتعليم وغيرها.

تجدر الإشارة إلى أنّ مدير معهد الديموغرافيا التابع للمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أناتولي فيشنيفسكي، كان قد قلّل في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، من احتمال أن تؤدّي إجراءات الدعم إلى زيادة طويلة الأمد في عدد المواليد، موضحاً أنّ "حلّ المشكلة الديموغرافية في روسيا يجب أن يكون بالدرجة الأولى عن طريق زيادة متوسط الأعمار المتوقعة وخفض معدل الوفيات قبل الزيادة في معدلات الإنجاب".




عند تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، كان عدد سكان روسيا يبلغ 148 مليون نسمة، وقد بدأ يتراجع في تسعينيات القرن الماضي لينخفض إلى ما دون 143 مليوناً بحلول عام 2007. لكنّ عدد سكان البلاد بدأ يرتفع منذ عام 2009، مدفوعاً بحركة تدفّق المهاجرين وارتفاع عدد المواليد بالمقارنة مع عدد الوفيات بصورة طفيفة، وصولاً إلى ارتفاعه لأكثر من 146 مليون نسمة بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014.