نادراً ما تجد طريقاً في الجزائر من دون جهاز رادار يُحدّد السرعة، على أن تتولّى فرق الدرك الوطني أو الشرطة توقيف المخالفين الذين يتوجّب عليهم دفع غرامة مالية في مكاتب البريد خلال خمسة عشر يوماً. وتختلف السرعة المسموح بها من طريق إلى آخر، علماً أنّ هناك عوامل عدة لتحديدها. ويعرف السائقون الأمر من خلال لافتات مثبتة على جوانب الطرقات، علماً أنّ الإلمام باللافتات هو شرط أساسي للحصول على رخصة القيادة.
عادة، تضع قوات الأمن جهاز الرقابة في أماكن غير متوقعة. قد تضعه بين حاجزين أمنيين مثلاً. هكذا يظن السائق أنّه نجا من الرقابة بمجرّد تجاوزه الحاجز الأول، فيسرع ويقع في الفخ. في جولة لـ "العربي الجديد" شملت أحد هذه الحواجز عند مدخل مدينة قسنطينة، كانت مجموعة من المواطنين تطلب من رجال الأمن العفو عنها. في بعض الأحيان، يوافق هؤلاء بسبب طرافة بعض المواقف والأعذار. على سبيل المثال، قال أحد المواطنين إنه تلقّى مكالمة هاتفية من زوجته تخبره أنّ ثعباناً ضخماً هاجم حظيرة الأبقار، ليردّ الشرطي أنّ "الثعابين في سبات هذه الفترة". فقال السائق مازحاً: "ربّما توهمت زوجتي الأمر لأنها اشتاقت إلى الثعابين".
من جهته، يتحدّث شرطي كان من ضمن عناصر موكلة بحاجز أمني عند مدخل مدينة تيارت (600 كيلومتر جنوباً) لـ "العربي الجديد"، عن أطرف تبرير للسرعة سمعه في حياته المهنية. يذكر أن السائق كان كهلاً وقد تجاوز السرعة المسموح بها، قائلاً إنه عاجز عن التحكم بقراراته في هذه المنطقة لأنه مسكون بجنيّة لا تحب البطء. يضيف: "أراد إقناعي، فصار يتحدث طالباً منها تأكيد كلامه. أجبته سواء ظهرت الجنية أم لم تظهر، فأنت ممنوع من القيادة".
تختلف الأمور التي قد تخيف الناس أثناء القيادة. وقد تغيّرت هذه التفاصيل تباعاً منذ عهد الاستقلال في عام 1962. في ما مضى، كان الشرطي الذي يركب الدراجة أو ما يعرف لدى الجزائريين بـ "الموطار"، هو من يخيفهم. بعدها، كان الإرهابيون في تسعينيات القرن الماضي، وذلك من خلال الحواجز المزيفة التي كانوا ينصبونها للحصول على المال من الناس. في الوقت الحالي، لا شيء يخيف الجزائريين أثناء القيادة غير الرادار، حتى أنّه يولّد شعوراً بالحقد لديهم.
في الطريق إلى مدينة سعيدة، نسأل السائق عن سبب هذا الخوف من الرادار. يجيب: "يضعني أمام أسوأ لحظة. فقدان رخصتي لبعض الوقت يعني أنّ أطفالي قد يجوعون، عدا عن الغرامة المالية التي سأضطر إلى دفعها، علماً أنني في حاجة إلى المال". أما عن عدم قدرته على النظر إليه من زاوية إيجابية، خصوصاً أنه يضبط السرعة التي قد تؤدي إلى الحوادث، يسأل: "ما معنى أن ينصب رادار على طريق سريع؟ هل يُعقل ألا أتجاوز سرعة المائة كيلومتر في طريق سريع وواسع؟".
من جهة أخرى، يقول أحد المواطنين: "إذا كنت تنتمي إلى المؤسسة الأمنية، ورُصدت بالزيّ المدني في حالة مخالفة، فإنك سوف تتمتع بحصانة لا يمنحها لك القانون. وإذا كنت تعرف أحد الأمنيين أو أيّ شخص نافذ، فإنك تستطيع استرجاع رخصتك فوراً أو خلال ساعات. يمكنك ذلك أيضاً إذا كان الشرطي مرتشياً. وسط كلّ هذا، ما جدوى قانون لا يحترمه المكلّفون بمراقبة تطبيقه؟".
هذا العداء للرادار يدفع الجزائريّين إلى استعمال الهاتف النقال لإخبار معارفهم عن مكانه، فيخفّضوا سرعتهم قبل الوصول إليه. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا السلوك ينتشر بين سائقي سيارات الأجرة بالدرجة الأولى. في الطريق إلى مدينة باتنة، تلقى السائق الذي كنا معه اتصالاً هاتفياً من صديق لامه على عدم إخباره بوجود رادار قبيل مدينة العلمة. أكثر من ذلك، هدّده بمقاطعته من جميع الزملاء لأنه اعتاد عدم إخبارهم. يقول لـ "العربي الجديد"، إنّ عدم إخبار زملائه نابع من إيمانه بجدوى أجهزة الرقابة ومساهمتها في الحدّ من حوادث المرور. يضيف: "لا أحب التواطؤ مع زميل في أمر قد يؤثّر على حياته".
ثقافة التحايل على الرادار في الجزائر انتقلت أيضاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أعلن مركز الوقاية ومكافحة الجرائم المعلوماتية التابع للدرك الوطني أنّه تعرّف على هوية شاب أنشأ صفحة على موقع "فيسبوك" لتقديم معلومات عن أماكن نصب أجهزة مراقبة السرعة، من خلال المعلومات التي يتلقاها من السائقين. وتلفت المؤسسة إلى وفاة 53 شخصاً وجرح 1492 آخرين في 1292 حادث مرور خلال شهر فبراير/ شباط الماضي، أما السبب الرئيسي فهو السرعة.