عبد الهادي التازي والعربية

22 ديسمبر 2014

عبد الهادي التازي

+ الخط -
قبل سنة، أتيح لي أن أجري حواراً مصوراً من أربع جلسات، مع الدكتور عبد الهادي التازي، في بيته في الرباط، حول سيرته في الحياة والبحث العلمي والعمل الدبلوماسي وفي "المعهد المولوي"، حيث كلفه الملك الراحل الحسن الثاني مهمة الإشراف على تدريس الأمراء، ومنهم الملك محمد السادس.

والتازي هو من هو، وبالإضافة إلى خبرته الكبيرة في أمور الدولة والملك، فإن حياته الزاخرة أتاحت له تكوين رؤيةٍ، سمتها التوسط والاعتدال. وفي ذلك الحوار الذي امتد على مساحة زمنية مهمة، كان يداري فضولي الصحافي، ويقطّر المعلومة، ويسخو أحيانا أمام الكاميرا بأحداث ومواقف يرويها لأول مرة، عن أحداث وقضايا ووجوه وشخصيات عاشها وعايشها، بدقة مدهشة، وبروح لا تخلو من حس الدعابة الموروثة عن المجالس الأندلسية. وفي لحظة من الحوار، باغتني: جئتَ بأسئلتك السياسية الثقيلة، لكنك لم تسألني عن رأيي في تدريس العلوم باللغة العربية؟ رددت عليه محرجاً: مواقفك يا دكتور في ذلك بيّنة.

أجابني: ليس كما يبدو لك، دعني أشرح لك الأمر، ففي سنة 2009 قدمت عرضاً، بصفتي عضو مجمع اللغة العربية إلى مؤتمر المجمع بالقاهرة في دورته الخامسة والسبعين، أثار جدلاً واسعاً في المؤتمر وخلّف ضجة كبيرة. وقال "كنا نسمع عن المجالس العلمية المشتركة في الأندلس بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، كنا نعرف أن مادة التدريس لم تكن قطعاً مواد فقهية، ولكن كانت مادة علمية صرفة، وبلغة يعرفها المحلقون على الدارس... هكذا ورد في نصوص المدونات الأندلسية... المواد العلمية التي كانت تدرس كلها طب، هندسة، فلك إلخ...

وعلى ذكر هذه الروح العالية التي لا تميّز في التعامل مع العلم بين دين ودين، أذكر هنا بما نراه في كتب التراجم: تراجم العلماء التي لا تشعر فيها بفرق بين إبراهيم النصراني وإبراهيم المسلم".

ثم ذكر حادثة أن لسان الدين بن الخطيب أورد في كتاب الإحاطة أنه في عام 553/1158هـ كان في مدينة بياسة، عالم غرناطي يحمل اسم عبد الله بن سهل، ترجم له لسان الدين، وقال عنه إنه كان يحضر في دروسه جمع غفير من المسلمين والنصارى واليهود... اشتهر بعلم المنطق والعلوم الرياضية وسائر العلوم القديمة، وعظم بسببها، وامتد صيته من أجلها، وأجمع المسلمون واليهود والنصارى على أن ليس في زمانه مثله، ولا في كثير ممن تقدمه، وبين هذه الملل الثلاث من التجانس ما نعرفه، وكانت النصارى تقصده في طليطلة، تتعلم منه أيام كان في بياسة، وهي بلدة قديمة في الشمال شرقي جيان.

ويورد التازي حادثة: أذكر يوم كنا، نحن الدول العربية، نسهم في المؤتمر العالمي للأسماء الجغرافية الذي كان يوجد مركزه في نيويورك وجنيف. وقتها، طالبنا بأن تصبح العربية لغة رسمية في المؤتمر، فاحتج علينا المشرفون على المؤتمر بأن الموضوعات المتبادلة تخضع لمصطلحات غريبة عن لغة الضاد، ولكننا ألححنا على التجربة.

وأسفرت التجربة، لحسن الحظ، عن قدرة عالية للغة العربية على اختراق الميدان الجغرافي... ومشاركتها، إلى الآن، في العطاء وعلى الاستفادة من الآخرين في الحقل الجغرافي، وبرهنت الوفود العربية على أن بطليموس قد يكون رجلاً من خوارزم أو الأندلس!

أريد أن أؤكد أن اللغة العربية فسيحة الصدر. ولكن، مشكلتنا، اليوم، أن الحقول تكاثرت، والميادين اتسعت. وفي كل يوم، نجد أنفسنا أمام جديد يفرض علينا أساليب جديدة، فهل سنضيع الوقت في البحث عن المقابلات، وهل سنبقى حبيسي التمسك بقواميسنا، رافضين الاستماع لما يقتحم بيوتنا كل صباح من معارف؟

هذا رأي من عالم وخبير، لعل العرب يأخذون منه شيئاً في يوم الاحتفال باللغة العربية.

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..