عبد الله لم يخترع جهاز الكفتة

21 مايو 2014

Miroslaw Pieprzyk

+ الخط -
لو كان الإيدز رجلاً لقتلته، لأن معايير الوطنية، اليوم، في مصر، هي أن تحول الفيروس إلى كفتة، يتغذى عليها المرضى فيشفون. لذلك، سبقنا العالم بسبعة آلاف عام من الحضارة، فيما المخترع الصغير عبد الله عصام لم يشاركنا في نادي العلوم "السيساوي"، لأنه اخترع نظارةً، تجعل استخدام ذوي الاحتياجات الخاصة للكمبيوتر أكثر يسراً، ثم أتبعها بموقف سياسي حوّله إلى عميل خائن على مقياس ريختر للزلازل الأخلاقية.

مسخرة ما بعدها مسخرة، تلك التي تلت محاولة اختطاف المخترع الصغير في أميركا، بعد مشاركته في المسابقة العالمية لـ"إنتل" في العلوم والتكنولوجيا. عبد الفتاح السيسي وجماعته، حوّلوا المشرف التربوي والعلمي إلى مخبر وجاسوس على طلابه، أياً كان اسم المشرف المعين من وزارة التربية والتعليم الذي جاء ذكره عرضاً في القصة المأساة، فهو نموذج حي لموت الضمير الإنساني. خطف هذا الموظف الحكومي جواز سفر المبدع، وتعامل معه على أنه "عهدة" حكومية وقع على استلامها، وعليه أن يمضي في دفتر تسليمها من دون اعتبار لسلامته الشخصية والأخطار المحدقة بحياته وحريته.
حوّل الانقلاب الكائنات البشرية إلى ما يشبه الوحوش الكاسرة، ليس على عبد الله حرج أن يخشى على حياته، لكن وسيم يقول له: ما المانع أن تعود إلى بلدك وتودع في السجن بضع سنين، ثم تخرج حاملاً وسام الوطنية. قرر الشاب أن ينتصر لإنسانيته، في بلد تحول الإنسان فيها إلى أرخص من "القرش صاغ".
دخل الإعلام المصري الفاشي على الخط كالعادة، من لم يرض بالسيسي رئيساً، وقاوم سلمياً انقلابه الدموي، تنزع عنه سمات الوطنية، يتحول إلى عميل بالفطرة، لذلك، لم تمانع لميس الحديدي الإعلامية المنحازة للانقلاب أن تكيل السباب لوالدي عبد الله، وبات الفتى (القاصر) في عرف القانون (17 عاماً) خائفاً على أهله، بعد أن فرّ بجلده، لأن مصر صارت "رواندا"، يمارس فيها "المواطنون الشرفاء" مهمة التصفية الجسدية لمعارضي الانقلاب. "في ستين سلامة، المركب اللي تودي"، هكذا أتبعت لميس الحديدي سيل شتائمها ضد شاب مخترع، يعد مشروع نابغة، لولا أنه "لا كرامة لنبي في وطنه".

لم يخسر عبد الله شيئاً، ألف بلد تتمنى استضافته، وهو الذي يشق طريقه بقوة في سماء العلوم، لكن مصر خسرت عقلاً وكفاءة نادرة، وخسرت أخلاقها وإنسانيتها، حين اتسعت لنصابين يزعمون اختراع أسياخ تعالج الإيدز والسل، وحتى كورونا الذي حيّر الألباب، لكنها ضاقت على شباب قتلتهم في شوارعها بتفويض وأمر من السيسي، وصادرت أحلامهم في سجونٍ، تضم الآلاف، ثم نجد أساتذة في علوم السياسة ومذيعين، يتصدّرون الشاشات طرباً بالمستقبل المشرق الآتي على يد جنرالٍ، اغتصب السلطة وقسم الناس إلى شعبين، فريق في الجنة وفريق في سعير التخوين.
بقيت همسة في أذن "منجذبي السيسي": هل عرفتم، الآن، الفرق بين عبد الله عصام وعبد العاطي مخترع الكفتة؟ حان الآن موعد رقصاتكم على وقع "تسلم الأيادي"، ولعلها "بشرة خير".
 
E24836C0-C285-41FC-9BB6-786DD04EBE9B
علي زلط

صحفي و كاتب مصري ، حصل على جائزة الصحافة العربية في فرع الصحافة الاستقصائية عامي 2009 و 2011، من أسرة العربي الجديد .