عبد الفتاح كيليطو.. فنجان قهوة مع شهرزاد

29 نوفمبر 2018
عبد الفتاح كيليطو والمعمري خلال الأمسية (العربي الجديد)
+ الخط -

لا تنفكّ شهرزاد تحضُر في كتابات عبد الفتّاح كيليطو (1945)، كما في أحاديثه؛ فخلال الأمسية الحوارية التي نظّمها "متحف بيت الزبير" في مسقط مساء الإثنين الماضي، أجاب الكاتب والناقد المغربي عن سؤالٍ حول إذا ما قُدّر له أن يستدعي شخصيةً من الماضي ليشرب فنجان قهوةٍ معها، مبتسماً ودون تردُّدٍ: "شهرزاد".

في الأمسية التي نُظّمت ضمن الدورة الثانية من "ملتقى بيت الزبير للشباب" وأدارها الكاتب والصحافي العُماني سليمان المعمري، بدا كيليطو هادئَ النبرة وكأنه يقرأ وحيداً في غرفة معتمة، "بالإيقاع والنغمة ذاتهما" اللذين تعوّد عليهما قرّاءه... بدا أشبه بورّاق يُقلّب أوراق الحكايات، أسوةً بمعلمّه الجاحظ الذي يعتبره أكبرَ كاتب عربي.

ستحضر شهرزاد مجدّداً، حين يقول صاحب "العين والإبرة" إن كتاباته عبارةٌ عن قراءات لكتب أحبّها في مراحل عمرية مختلفةٍ من حياته، مضيفاً أنّه لا يدّعي التأسيس لمدرسة نقدية جديدة: "كلُّ قدمه كتبٌ قليلة الصفحات، يمكن قراءتها في ليلة واحدة، مقارنةً بالنقد الأكاديمي المثقل بمئات الصفحات، ثمّ ينام القارئ بعدها، كما شهرزاد عندما يدركها الصباح فتسكت عن الكلام المباح".

يعقب المتحدّث على ذلك بالقول: "بالطبع، فإن هذا لا يمنع من أن يكون لكلّ باحث أسلوبه وخصوصيته".

جاءت شهادة كيليطو، التي تنشرها "العربي الجديد" اليوم، في شكل سؤال: "لأي نوع أدبي تنتمي كتاباتي؟"، وهو السؤال الذي قال إنه يُطرَح عليه دائماً، مضيفاً أنه يربطه بأسئلة أخرى؛ من قبيل: "إلى أي نوع تنتمي قراءاتي؟ ماذا أقرأ؟ ماذا قرأت؟ وما هو أوّل كتاب قرأتُه؟". يتركُ صاحب "الأدب والغرابة" السؤال الرئيس معلّقاً، ربّما لأن كتابته عصيّة عن التصنيف الأجناسي، مفضّلاً أن يسرد رحلته مع الكتابة ثانياً، والقراءة أوّلاً وقبل كلّ شيء.

بالنسبة إلى سؤال الكتاب الأوّل، يعترف كيليطو بأنه يُقدّم عنواناً مختلفاً في كلّ مناسبة؛ "حسب مزاج اللحظة ومنعرجات الذاكرة، وحسب الشخص الذي يسألني ولغته والأدب الذي ينتمي إليه، فأقترحُ، وبمعنى ما، أخترع كتاباً أوّل، أُبدع مرّة أولى".

بالنسبة إلى صاحب "الأدب والغرابة"، فإن دراسة الأدب تهتمّ برصد العلاقة بين الغرابة والألفة؛ فردّاً على سؤالٍ حول نزوعه إلى فكرة "الأوّل"، قال إن التجربة الأولى لها علاقة بما يقوله عبد القاهر الجرجاني: "النص الأدبي مزيجٌ من الألفة والغرابة، وليس أليفاً فقط أو غريباً فقط"، مضيفاً أنه ربط في عنوان كتابه الأخير، قيد النشر، بين عبارة الجرجاني وعبارةٍ لكافكا يقول فيها: "من نبحث عنه بعيداً يقطن قربنا".

تطرّق صاحب "أتكلّم جميع اللغات لكن بالعربية"، أيضاً، إلى مسألة كتابته بالعربية والفرنسية، قائلاً إن ذلك يعود إلى قراءاته باللغتين، مضيفاً أنه لا يرى في الأمر "ازدواجيةً" بالنسبة إليه، خصوصاً في الترجمة؛ حيث "تختبئ لغة خلف أخرى".

ويعترف كيليطو أن شذراتٍ لهذا الكاتب أو ذاك قد تغنيه عن قراءة كامل كتبه، فقراءة المعرّي، مثلاً، تحتاج حياة ثانيةً، وفق تعبيره. بيد أن تلك الشذرات "تفتح آفاقاً لأسئلة لا تنتهي"، وفق تعبيره.

ويروي صاحب "الأدب والارتياب"، في شهادته، أنه شُغف حين كان أستاذاً للأدب الفرنسي، نهايَة الستّينيات وبداية السبعينيات، باللسانيات التي "كان يُشاع، حينها، أنها تمنحنا الطريقة المثلى لتحليل النصوص الأدبية، ومن لا يتقن اللسانيات لن يُفلح أبداً في مساره الأدبي". لكنه سيُواجه مشكلةً حين يُصغي إلى اللسانيّين وهم "يتحدّثون بحماس، وأنا بينهم كأنني مصاب بالتوحُّد، لا أفهم ما يقولون".

سيجعله ذلك "يكتشف"، كما يقول، أنه غير مؤهَّل للخوض في التنظير اللساني والأدبي، و"هذا واضحٌ في أطروحتي عن المقامات، أطروحةٌ هي بالأحرى، كما قيل لي، محاولةٌ نقدية. وبالجملة، لست قادراً عن تأليف كتاب بمقدّمة وخاتمة وبينهما بحث مستفيض لموضوع ما في فصول متراصّة البناء".

المفارقة أن ما اعتبره كيليطو نقطةَ ضعفٍ لديه سيكون نقطة قوّته؛ إذ يُضيف: "كان ذلك يقلقني ولم أتجاوزه إلّا يوم تبيَّن لي أن ما كنتُ أعتبره عجزاً يمكن أن أجعله موضوعاً رئيسياً لمؤلّفاتي".

اشتغل كيليطو على مقامات الهمذاني والحريري في كتابَيه "السرد والأنساق الثقافية عند الحريري والهمذاني"، و"الغائب". عن العمل الثاني يقول: "أقمتُ حواراً مع إحدى شخصيات الحريري. ومؤخّراً تُرجم الكتاب إلى الفرنسية، وحين اطّلعتُ على الترجمة، شعرتُ أن ثمّة نقصاً في ما كتبتُ، فأضفتُ إليه قسماً جديداً"، ليُضيف: "أشعر دائماً أنني بحاجة إلى إضافة شيء ما إلى كتاباتي".

يعتبر المتحدّث أن المقامات "نصوص لا يقرأها أحد، بحيث يُخيّل إليَّ أنني اليوم قارئها الوحيد، وأنها أُلّفت من أجلي". ورغم أنها تُرجمت إلى لغات عديدة، فإن عبد الفتاح كيليطو يقول إنها لا تزال تنتظر مترجماً يُنقذها من الإهمال، لتحظى باعترافٍ بقيمتها كما حدث مع "ألف ليلة وليلة".

المساهمون