عبد السلام أبودرار:نحو استراتيجية وطنية مغربيّة لمكافحة الفساد

25 ابريل 2016
رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في المغرب
+ الخط -
يرى رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في المغرب، أن من الصعب الحديث عن تقدم أو تراجع المغرب في تصنيفات الفساد لغياب قاعدة مرجعية للقياس. مؤكداً في مقابلة مع "العربي الجديد" أن الفساد لا يسلم منه أي قطاع وهو يطاول كافة البلدان، وهنا نص المقابلة:

*لا يزال المغرب يصنف في مراتب متأخرة في تقارير مكافحة الفساد وآخرها تقرير "الشفافية الدولية"، ما الذي يعيق تسجيل نتائج جيدة في هذا المجال؟
محاربة الفساد تظهر نتائجها على المدى الطويل. فالآثار الحقيقية لسياسات مناهضة الفساد لن تظهر إلا بعد مرور بضع سنوات. لذلك، بالرغم من الأهمية التي اكتسبها مؤشر إدراك الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، فإنه يبقى مقياساً لانطباعات الناس وليس للواقع الحقيقي للفساد. أضف إلى ذلك أنه مؤشر يهتم أكثر بالرشوة الصغيرة، إذا أردنا القول. إلا أنه بالمقابل يُعتبر من قبل المستثمرين نوعاً من الميزان الذي يؤسسون عليه قراراتهم فيما يتعلق باستثمار أموالهم. وبالتالي قد تكون نتيجته حاسمة في تقليص جاذبية عدد من البلدان للاستثمارات.
ومن الجانب الثاني، المغرب حافظ دائماً على موقعه في وسط جدول الترتيب، حيث بقيت النقطة المحصل عليها في المؤشر ثابتة تقريباً عند 32 نقطة على 100 خلال ما يقارب 10 سنوات، وارتفعت سنة 2014 إلى 39 قبل أن تنزل قليلاً سنة 2015 بحصوله على 36 نقطة. وتظل النقطة أهم من الترتيب إذا علمنا أن عدد الدول التي يشملها التصنيف يتغير من سنة إلى أخرى، وهو ما يؤثر في عدد الدرجات صعوداً وهبوطاً، وبالتالي فإنه من الصعب الحديث لا عن تقدم ولا عن تراجع في غياب قاعدة مرجعية للقياس.

*يشير عدد من التقارير إلى قطاعات محددة ينخرها الفساد مثل القضاء والصحة والأمن، وهذا يضع البلاد أمام فساد "نمطي"، هل تؤيد الرأي القائل إن الأمر يرجع أساسا إلى غياب استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد؟
هذه القطاعات تحقق اتصالاً يومياً مع عدد كبير من المواطنين، وهو ما يجعلها على رأس القطاعات التي ترد في الاستطلاعات والتحقيقات والدراسات الميدانية التي يتم إنجازها حول الفساد، وهو أمر مشترك بين العديد من الدول. والواقع أن الفساد لا يسلم منه أي قطاع لأسباب متعددة تتعلق في جوانب منها بالأشخاص وفي أخرى بالقوانين والقواعد المؤطرة لكل قطاع.
وتكمن صعوبة محاربة الظاهرة بشكل خاص في أن السياسات القطاعية في هذا المجال لوحدها تظل ذات أثر محدود وغير قادرة على تحقيق نتائج جيدة. انطلاقاً من هذا المعطى فقد نادينا في الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة منذ تقريرنا الأول بضرورة استحضار البعد الاستراتيجي في أي سياسة عمومية تروم الحد من الفساد لأن الاستراتيجية الوطنية تضمن جملة أهداف من بينها تجميع وترشيد جهود مختلف الفاعلين، وتحديد الأهداف والمسؤوليات والميزانيات ومؤشرات التقييم.
في هذا السياق، فقد تبنى المغرب في أواخر السنة الماضية استراتيجية وطنية لأول مرة، تهدف إلى الحد من الظاهرة، وستكون للهيئة في إطار المهام المنوطة بها مهمة تقييم تنفيذها.

*ماذا عن تجاوب المواطنين مع الحملات المنظمة هذه؟
من المهم التأكيد على أن التوعية عامل مهم في مجال مكافحة الفساد، لأنها تعيد الاعتبار للقيم الإيجابية في المجتمع من خلال العمل على تغيير العقليات وتصحيح أنماط السلوك بما يقلص من حدة التطبيع مع الفساد في المجتمع. إن تغيير العقليات أمر صعب لكنه ليس مستحيلاً، خاصة إذا واكبت الحملاتُ عملية تطوير القوانين وتكريس مبادئ المحاسبة والزجر، أو ما سماه الدستور بربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى إقرار نظام تربوي يعيد هو الآخر الاعتبار لقيم النزاهة على الخصوص.
في هذا السياق، نظمت وزارة الوظيفة العمومية حملة تواصلية على مرحلتين للتنبيه إلى مخاطر الرشوة وأضرارها، وكنا اعتبرنا في حينه أن هذا العمل إيجابي لكنه يظل معزولاً، وبالتالي فنتائجه ستكون محدودة، لأنه لا يندرج كما أشرت سابقاً في استراتيجية وطنية متكاملة. كما قامت وزارة العدل والحريات على إثر إطلاق الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة بحملة تواصلية لا تزال مستمرة للتعريف بهذه الآلية الجديدة للتبليغ. وما من شك في أن نتائجها ظاهرياً مقبولة من خلال العدد الكبير من المكالمات التي ترد من خلاله، بغض النظر عن مضمونها، وأيضاً من خلال بعض القضايا التي تم عرضها فعلاً على القضاء.


*ماذا عن القوانين المغربية، هل هي ملائمة أم يجب تحديثها في ما يتعلق بمكافحة الفساد؟
يتوفر المغرب على ترسانة قانونية متقدمة مقارنة مع ما هو موجود في المنطقة، وتتلاءم إلى حد كبير مع المعايير الدولية في هذا المجال. وقد حظيت هذه الترسانة بتنويه دائم من المنظمات الدولية العاملة في مجال مكافحة الفساد.
أما بخصوص ما جاء في دستور 2011 من مقتضيات مهمة تتعلق بالحكامة بشكل عام، فقد كانت تتويجاً لما راكمه المغرب من تدابير وإجراءات مؤسساتية وقانونية، وتجاوباً من جهة مع الوعي المتنامي لدى مختلف الفاعلين بضرورة التصدي لظاهرة الفساد في شتى تجلياتها وأشكالها، ومن جهة أخرى انخراطا في التوجه الدولي لمناهضة الفساد الذي انطلق منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي. وهو الانخراط الذي تجلى بالأساس في عدة مبادرات منها لجنة تخليق الحياة العامة، والتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة، وإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، بالإضافة إلى تعزيز الترسانة القانونية بتعديل بعض المقتضيات الموجودة وإصدار قوانين أخرى.

*منذ تأسيس الهيئة المركزية لمكافحة الرشوة، ما يزال موضوع حدود تدخلها محط نقاش، وقلت في أكثر من مناسبة إن مجال اشتغالها ضيق وقانونها المنظم يبقي بعض أنواع الفساد خارج مجال تدخلها، ما السبب؟
لقد اختار المغرب إحداث هيئة للوقاية من الرشوة، وهذه الأخيرة تشمل عدداً من الجرائم المنصوص عنها في القانون الجنائي. إحداث الهيئة في حد ذاته خطوة متقدمة رغم ما أشرتَ إليه من محدودية الإطار المنظم لها، والميزانية الضعيفة التي تم رصدها لها مقارنة بجسامة المهام الموكلة إليها.
الآن مع المتغيرات التي عرفها المغرب منذ سنة 2011، هناك منظور جديد لمسألة مكافحة الفساد والوقاية منه، هذا المنظور ساهمت فيه بشكل إيجابي الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة من خلال عملها. ويتجلى هذا المنظور في الارتقاء أولاً بالهيئة إلى مؤسسة دستورية وتمكينها من صلاحيات جديدة مثل التحري والتصدي التلقائي لكافة أنواع الفساد، ثم تكريس استقلالها المالي والإداري، بالإضافة إلى تعزيز المحيط الذي تشتغل فيه من خلال إصلاح منظومة العدالة والرفع من عدد من العقوبات... وغير ذلك.

*كيف تقيم تجربة الحكومة في مشروع إحداث آلية قانونية لحماية المبلغين عن جرائم الفساد؟
الهيئة هي التي بادرت إلى اقتراح أرضية لهذا القانون. هذه الأرضية اشتغلت عليها الحكومة وصادق عليها البرلمان بعد ذلك كقانون دخل حيز التنفيذ في 2011، وساهم إلى حد ما في تحرير الناس من الخوف الذي كان يتملكهم عند الرغبة في فضح الفساد. إنه قانون مهم في الترسانة الوطنية لمحاربة الفساد، وتفعيله يقتضي استكمال عدد من الآليات والمقتضيات، وهو ما نأمل أن يتمّ حتى يتمكن المواطنون من المساهمة بفاعلية في محاربة الفساد.

بطاقة تعريف: حاصل على دبلوم مهندس دولة وماجستير في إدارة الأعمال من باريس، وشهادة الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية، من جامعة محمد الخامس بالرباط. عين سنة 2008 رئيساً للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة
المساهمون