ثلاثة عشر عاماً طافها مدرّساً ومترجماً وباحثاً قبل أن يلتحق بالجامعة الأردنية، مع أربعة رفاق هم: ناصر الدين الأسد (1921- 2015)، ومحمود السمرة (1923) وعبد الكريم خليفة (1924)، وشقيقه هاشم ياغي (1921 -2013) مساهماً في إنشاء أول كلية جامعية تدرّس الآداب واللغات ويصوغ معهم مرحلة شهدت ولادة المؤسسات وخطط إدارتها في الأردن.
آمن صاحب "أبعاد العملية الإبداعية" بأدوار الجامعة التي تقّدم أحدث المعارف وتبحث في مشكلات الواقع من أجل النهوض بالمجتمعات، فأمضى أكثر من نصف قرن بين قاعات التدريس وبين حوار لا ينتهي مع طلّابه، الذين تفرّقوا في مسارات مختلفة يرثِون بعضاً من إيمانه واجتهادته.
وإلى جانب ذلك، تركّزت اشتغالات ياغي المتنوّعة على الثقافة والأدب في الأردن وفلسطين، وقدّم مؤلّفات وأبحاثاً عديدة في هذا المجال؛ من بينها: "حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أوّل النهضة حتّى النّكبة" (1968)، "دراسات في شعر الأرض المحتلة" (1969)، و"مع غسان كنفاني وجهوده القصصية والروائية" (1983)، و"القصة القصيرة في الأردن" (1993)، و"مع روايات في الأردن" (2000).
كان صاحب "مقدّمة في دراسة الأدب الحديث" حاضراً وفاعلاً في الحياة الثقافية، حيث يعدّ من أبرز المؤسسين لـ"رابطة الكتّاب الأردنيين" عام 1974، وترأسّها لدورتين متتاليتين، وربما يمكن القول هنا إن ياغي شكّل نموذجاً مغايراً داخل الرابطة التي هيمن عليها في تلك الفترة مثقفون مؤدلجون ومحزّبون، بينما لم ينتسب هو إلا للثقافة غايةً ووسيلةً بلا أيديولوجيات وأحزاب؛ الرؤية ذاتها التي حكمت عمله في جميع المواقع الإدارية التي شغلها خلال عمله الجامعي.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول الناقد والأكاديمي محمد عبيد الله، أحد طلابّه الذين أشرف على أطروحته في الماجستير، "غاب عبد الرحمن ياغي أخيراً، غاب ولم يمت وهو الذي طالما شدّد على الفرق بين الموت والغياب، غاب لينضمّ إلى رفيقته حياة ملحس ياغي التي رحلت قبله بأيام فقط، الآن أتذكّر قلبه الكبير وحنوّه علينا وعلى الأجيال التي تعلّمت على روحه وقلبه قبل دروسه ومحاضراته".
ويلفت إلى أن "ياغي: اليساري العفوي دون حزب، المتكلّم المفوّه والساخر من المدجّنين المعلّبين في الجامعة وخارجها، المثقف الجريء في قول الحق، نموذج حي لنمط المثقّف المستقلّ الأبيّ على التدجين والتبعية، ولقد ظلّ في كلّ مراحل حياته أستاذاً كبيراً في أخلاقه وبساطته الآسرة، في تلقائيته وإنسانيته، وفي اختياراته القوية للنصوص التي يدرّسها: سعد الله ونوس ومحمود درويش وغسان كنفاني وكل أدباء الرفض والمقاومة".
يتابع عبيد الله "وجّه طلبته لدراسة الأدب الفلسطيني والأردني الحديث، وخصوصاً في نماذجه الرفيعة، وكان ديمقراطياً فريداً ويكفي أن أذكر أنه أشرف على رسالة عن سيد قطب "الإسلامي" غير مستنكرٍ الاختلاف ولا الاجتهاد، شريطة الالتزام بأصول النقد والعلم".
ويختم "ستظلّ كلية الآداب ناقصة دون "الياغيين" عبد الرحمن وهاشم، وصحبهما من الرعيل الأول الذي رعى الجامعة يوما إثر يوم".
أما القاص نبيل عبد الكريم، أحد تلامذة ياغي، فيقول في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الراحل علّمني أنّ للأدب وظيفة اجتماعية وسياسية، وكانت رؤيته واضحة متماسكة تجاه الأدب المقاوم في الوقت الذي بدأت تتسرّب إليه اتجاهات عبثية إلى الثقافة العربية في الثمانينيات تميل إلى البحث عن رؤى جديدة تتصادم مع الرسالة النضالية لها، وكانت رؤيته تنعكس على شخصيته المباشرة والصريحة في نقد الطلبة الذين يحملون أيديولوجيات مختلفة".
ويضيف "كان ياغي شاباً رغم اقترابه من عمر السبعين، حين درّسني بدايات التسعينيات، ومستعدّاً للدفاع عن منهجه ورؤيته بكلّ عزيمته وثقته بنفسه. لقد كان امتداداً لمدرسة غسان كنفاني الذي مثّل من وجهة نظره النموذج الأعلى للأدب في بلاد الشام".
أصدر عبد الرحمن ياغي عشرات الدراسات، منها: "حياة القيروان وموقف ابن رشيق منها" (1961)، "رأي في المقامات، مقامات البداية" (1969)، "في الجهود الروائية من سليم البستاني إلى نجيب محفوظ" (1981)، و"مقدمة في دراسة الأدب الحديث" (1975)، و"ابن رشيق القيرواني، الشاعر وشعره" (1993)، و"نقد تطبيقي" (2000)، و"جولات في النقد الأدبي" (2005). كما صدر له عملان مترجمان هما: "رائد الثقافة العامة" لـ كورنيليوس هيرشبرغ (1963)، و"فلسفة وايتهيد في الحضارة" لـ أ. هـ. جونسون (1965).