عبثية الحرب ومعاناة اليمنيين

14 مايو 2015
+ الخط -
في الحروب، أفضل الأوقات لانتزاع التنازلات من جميع الأطراف هو وقت اشتعال المعارك على الأرض، خصوصاً حين تكون هذه المعارك على غرار "لا غالب ولا مغلوب". لكن إن بدأت تلوح في الأفق تباشير نصرٍ ما لطرفٍ على آخر، فمعناه أن هنالك طرفاً ما قد يُنكّل باليمنيين ويستفرد بهم وقد يكون حائزاً على نصرٍ ديني هذه المرّة، من يدري؟!

إن لم تكن ما تدعمها السعودية ومن ورائها دول التحالف عبارة عن حرب اجتثاث للحوثيين، فإن لكل الحروب سقفاً معيناً، يُسلّم فيه جميع الأطراف بالحوار والحل السياسي باعتباره الحل الأخير. وهنا أؤكد أن ما يستطيع هادي انتزاعه الآن سياسياً من الحوثيين وهم في خضم المعارك، قد لن يصل إليه إن سيطروا على محافظات جديدة بعيدة جغرافياً عن الجنوب، كمأرب وغيرها، وقتها سيكون نصرهم ليس نصراً يمنياً بل إلهياً ودينياً بحتاً وستبدأ سطوة التيار الديني الذي انتصر على اليمنيين ومن ورائهم دول التحالف! على الميدان، يبدو أن كل الأطراف ما زالت تراهن على الحسم والانتصار، لذلك هم على الأقل لم يصلوا إلى هذه المرحلة التي تتحدث عن فرضية الحل السياسي وأهميته حتى اللحظة.

على هادي أن يُحدد خياراته بعيداً عن تأثير القرار الخارجي الذي قد تكون خياراته كارثية على المدى الطويل في ما يخص اليمنيين، لا سيما أن الداخل السعودي بوسائله الإعلامية ورجال الدين أيضاً يتحدثون عن معركة دينية بامتياز بُغية اجتثاث تيار الحوثيين "الروافض" ونواتهم التي نبتت في محافظة صعده قبل بضعة سنوات بالقرب من الحدود اليمنية السعودية، ويرون في ذلك تهديداً للسعودية بوصفهم لهذه الحركة كذراع إيرانية تهدف إلى تطويق الخليج من الجهة البعيدة عن إيران كما يقولون.
بفتح قنوات تواصل حقيقية مع الحوثيين، يستطيع هادي تقريب المسافات، على عكس ما ظهر به من حزم واستبسال في خطابه الأخير وهو يؤكد أن هناك عمليات عسكرية قادمة تتلو إعادة ترتيب الصفوف، والتلاحم بين القيادات العسكرية الموالية للشرعية وقيادات المقاومة في الجبهات المتعددة. تأتي هذه التصريحات الأخيرة لهادي بالتزامن مع انتهاء ما سُمّي بعملية عاصفة الحزم العسكرية لدول التحالف. انتهت هذه العاصفة، لكن الأهداف اليمنية - السعودية في هذه الحرب اتحدت مع بعضها البعض كتوأم سيامي لا بد من فصلهِ بطريقة حضارية إن أردنا الوصول إلى مرحلة مفاوضات حقيقية، لا سيما أن أهداف السعودية الاستراتيجية بضرب السلاح النوعي في اليمن قد آتت أُكلها وبدأت السعودية تُحضّر لعمل بري من شأنه أن يعمل على خلط الأوراق التي تعمل على التهيئة لحوار مناسب من شأنه إن يُنهي هذا الاقتتال الحاصل في اليمن.

ما أريد تأكيده هنا، هو أن هذه الحرب في اليمن عملت على تفاقم الوضع الإنساني بشكل مرعب في كافة المدن. أزمات الخدمات العامة ما زالت تتوالى، وانقطاع شبه تام في الكهرباء، والمياه، والغاز، والديزل والبترول من شأنه أن يعمل على تحويل اليمن إلى سجن حقيقي للمواطن اليمني الذي أُجبر على خوض هذه الحرب ولا يعرف متى ستكون نهايتها. فضلاً عن الحصار الجوي والبحري الذي تفرضه قوى التحالف في اليمن، والتي إن عملت على إيصال مساعدات إنسانية فهي بالتأكيد لن تصل لكافة اليمنيين.

في النهاية، استمرار الحرب خيار كارثي على كل اليمنيين، وما زلنا مؤملين النفس في حل سياسي قادم لما نحن فيه. الميدان لن يحسم شيئاً، كلنا خاسرون هناك، لا هادي والسعودية يستطيعون انتشال الحوثيين ولا الحوثيون وإيران يستطيعون حكم اليمن بانفراد. يا ترى، متى ستعي كل الأطراف هذه المعادلة؟!


(اليمن)
المساهمون