عام للنسيان في غزة: ترحيل الأزمات والمصالحة والإعمار

27 ديسمبر 2017
تعمّقت الأزمات الاقتصادية والإنسانية والمعيشية في غزة(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لم يختلف واقع قطاع غزة في 2017 عما سبقه من سنوات، فالحصار الإسرائيلي المستمر منذ 11 عاماً رافق الفلسطينيين هذا العام أيضاً، ولم ينجز من إعمار المنازل والمؤسسات المدمرة الكثير، وبقيت منازل ومرافق حيوية عديدة بانتظار إعادة بنائها بعد تدميرها في عدوان 2014.

ويستمر الحصار الإسرائيلي للعام الحادي عشر على التوالي، بدون بريق أمل يخففه أو ينهيه، في ظل تزايد المعاناة والمأساة المفروضة على مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع الساحلي المحاصر، والذي بات يضيق على سكانه أكثر فأكثر. وباتت نتائج الحصار الإسرائيلي ملموسة على كل المستويات، في ظل الانهيار المتتالي للأوضاع الاقتصادية ومعها الوضع الإنساني والمعيشي. وأصبح الحصول على الكهرباء والمياه النظيفة بانتظام أمنية صعبة المنال للسكان المدنيين.
وبدأت غزة عام 2017 بكثير من الآمال بتحسن واقعها المعيشي والاقتصادي وإنهاء حقبة الانقسام الداخلي، لكنها وإن مضت في خطوات المصالحة الوطنية، إلا أنّ المردود حتى الآن لم يكن كافياً لإقناع الفلسطينيين بجدية طرفيها، وقدرتهم على تجاوز الأزمات والعراقيل.


وتراهن غزة اليوم على أنّ يأتي عام 2018 بالتغيرات الحقيقية التي تنشل سكانها من المآسي، وتخرج القضية الفلسطينية من نفق الانقسام الداخلي الذي طال، وأن تفتح الأبواب المغلقة في وجوه سكانها، ويفتح منفذها البري على العالم الخارجي، معبر رفح، كما باقي المناطق.

وتنتظر غزة، في ظل ظروفها القاسية، تحركات تغير واقعها، وانجاز مصالحة تتعثر كثيراً في خطواتها، رغم عودة السلطة الفلسطينية ولو جزئياً للقطاع، ذلك أنّ الوسيط المصري الراعي لعملية المصالحة "يبدو وكأنه انسحب من المشهد".
وباتت الملفات الداخلية وحل القضايا العالقة أكثر إلحاحاً في ظل اشتداد الأزمات الداخلية، وتزايد الضغط الدولي على الفلسطينيين عموماً لتمرير صفقات تسوية هزيلة، تحرمهم من حقوقهم المشروعة وتنهي آمالهم بدولة مستقلة كاملة السيادة.

في عام 2017، فُرضت على قطاع غزة عقوبات قاسية من قبل السلطة الفلسطينية تمثلت في خفض رواتب أكثر من 60 ألف موظف يتبعون لها بنسب زادت عن 30 في المائة، وقلصت الكهرباء الواردة من الجانب الإسرائيلي للحد الأدنى، وباتت الكهرباء "ضيف شرف" على منازل الغزيين.

ولم تكن العقوبات "اعتباطية" كما نُظر إليها من أول مرة، إذ إنها كانت مدروسة بعناية، ودفعت إلى ركود اقتصادي كبير وإلى خلافات داخلية شديدة، وكان الهدف منها وفق أصحابها دفع "حماس" للمصالحة وتأليب الرأي العام الداخلي عليها، واشترطت السلطة لوقف إجراءاتها حلّ الحركة للجنة الإدارية الحكومية التي شكلتها لإدارة الوزارات والشأن العام في القطاع.

وعقب تدخل مصر، حلّت "حماس" لجنتها الإدارية، وأوقفت إجراءات كثيرة في القطاع كانت اتخذتها، وسلمت المعابر الحدودية للسلطة الفلسطينية، لكنّ العقوبات لا تزال مستمرة، ومعها تتواصل المعاناة والتدهور الاقتصادي، ولم يجب أحد من طرفي الانقسام والاتفاق عن أسئلة الغزيين بشأن رفع العقوبات.

أما المصالحة، فقد دخلت نفقاً مظلماً عقب تجاوزها عقبات فرضت على الطرفين، لكنها تعثرت عند ملفي الأمن والموظفين. ففي حين تقول "حماس" إنه جرى الاتفاق على دمج موظفيها بموظفي السلطة، تتهرب حكومة الوفاق الوطني من هذا الاستحقاق حتى الآن.

وبات ملاحظا في القطاع عودة تدريجية لنشاطات حركة "فتح" بعد سنوات من المنع والملاحقة، وأضحى قياديو الحركة "أحراراً" بعد ملاحقتهم ومنعهم من كثير من النشاطات، في خطوة تقول "حماس" إنها لم تتحقق لقيادييها وناشطيها في الضفة الغربية.

واستمر إغلاق مصر لمعبر رفح البري جنوب القطاع، وهو المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي، وتتذرع السلطات المصرية بالظروف الأمنية الصعبة في سيناء لإغلاقه، لكن ذلك لا يقنع الفصائل والسكان، رغم تحسن علاقة مصر بـ"حماس" وفرض الحركة معادلة أمنية جديدة ومشددة على الحدود بين الجانبين.

وأغلق المعبر 335 يوماً، فيما فتح عشرين يوماً فقط حتى الآن، ولم يتمكن كل العالقين في غزة والمرضى والطلبة وذوو الحالات الإنسانية من السفر، رغم تعهد مصر بفتحه على مصراعيه إذا ما استلمته السلطة الفلسطينية.

وبدأت السلطة الفلسطينية تمارس عملها منفردة في معبر رفح منذ أكثر من شهرين، لكن ذلك لم يحقق أحلام الغزيين بفتح المعبر وتسهيل حركة السفر من وإلى القطاع، مع تصاعد أعداد الراغبين في المغادرة.

وشاركت غزة بقوة في الفعاليات الجماهيرية والفصائلية ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ما صعدّ الاعتداءات الإسرائيلية عليها ورفع من وتيرة القصف الإسرائيلي الذي أطل على الغزيين مرات عديدة في 2017.

لكن الأسوأ، وفق التقديرات الإسرائيلية ذاتها، يتمثل في الجدار الأرضي لاكتشاف الأنفاق على طول حدود القطاع الذي أنجز منه نحو 90 في المائة، وهو ما ينذر بمواجهة مرتقبة قاسية، يبدو أنها تقترب يوماً بعد يوم.

أما المقاومة، فتعلن صراحة أنها تواصل تجهيز نفسها لصدّ أي عدوان إسرائيلي مرتقب على القطاع، ذلك أنّها ترى أنّ الاحتلال رغم انشغالاته الداخلية والدولية وخشيته من محيطه الملتهب، قد يذهب لحرب على غزة لتخفيف الأزمات والضغوط عليه.

لم يكن عام 2017 في قطاع غزة عادياً، فهو امتداد للأعوام الأحد عشر الماضية، التي وصلت فيها الحياة إلى مراحل الانهيار، ولا يبدو السكان متفائلين بتغيرات حقيقية تنهي معاناتهم رغم تمنياتهم ذلك، في ظل انتشار واسع للبطالة في صفوف الشباب والخريجين، وتعمق الأزمات الاقتصادية والإنسانية والمعيشية.

وفي المحصلة، فإنّ قطاع غزة معيشياً، يمارس "الحياة يوماً بيوم"، وسياسياً، يحيا على الهامش أو في مرحلة التهميش، وعسكرياً، معرّض في أي وقت لعدوان إسرائيلي جديد من دون سابق إنذار أو حدث، ولا يبدو الآتي أفضل، إذا لم تتحرك الأطراف المعنية بعدم الوصول للانهيار الكامل والشامل والحرب.