نحو أربعة آلاف و500 عائلة تترقّب ما سوف تخرج به الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء اللبناني التي تُعقد اليوم الإثنين. هل يُنصِف المجتمعون للمرّة الأخيرة قبل تحوّلهم إلى تصريف الأعمال، الأجراء والمستخدمين والمتعاقدين في المستشفيات الحكوميّة؟ ساعات قليلة ويحصل هؤلاء على جواب، إمّا يعيدهم إلى ممارسة مهامهم وإمّا يبقيهم في حالة احتجاج مرشّحة للتصعيد.
المستشفيات الحكوميّة هي المنشآت الطبيّة التي يلجأ إليها كلّ عاجز عن تحمّل الفاتورة الباهظة المترتّبة عليه في المستشفيات الخاصة التي تكثر في لبنان والتي يقصدها كثيرون، لا سيّما الذين يستفيدون من تأمين صحيّ خاص أو من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعيّ على سبيل المثال وغيره من الهيئات. ونرى كيف تشجّع وزارة الصحّة العامة الناس على اعتماد خدمات تلك المستشفيات الحكوميّة، من خلال إشراكها في حملات كثيرة تعدّها، فيستفيد المريض بالتالي إمّا من فحوصات مجانيّة وإمّا من تخفيضات على أخرى، إلى جانب خدمات أخرى.
وتلك المنشآت لم تكن لتؤدّي دورها لولا العاملون فيها جميعاً، من طواقم طبيّة وفنيّة وتقنيّة وإداريّة وغيرها. لكنّ هؤلاء يرفضون اليوم تقديم خدماتهم لقاصدي تلك المستشفيات. قد يسأل كثيرون عن السبب، ويستهجنون الأمر. السبب ليس أنّهم يضمرون الشرّ للناس الذين يشبهونهم، بحسب ما يؤكّدون، بل لأنّ حقوقهم مهدورة. هم يحرصون على تقديم الخدمات الأفضل لمن يلجأ إلى المنشآت حيث يعملون، غير أنّ تلك المنشآت نفسها تحرمهم ما لهم من مستحقّات وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أنّ المستشفيات الحكوميّة هي منشآت تابعة للدولة، غير أنّ العاملين فيها ليسوا موظّفين مثبّتين في ملاك الدولة أسوة بسواهم من العاملين في المنشآت الحكوميّة. وهم إن خضعوا لسلطة وصاية وزارة الصحّة العامة، غير أنّهم لا يستفيدون من تقديمات تعاونيّة موظّفي الدولة بل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعيّ، شأنهم شأن العاملين في مؤسّسات خاصة. كذلك، تأتي مرتّباتهم ضئيلة ولا يحصلون على تقديمات تُذكر، وفي حال اضطرّوا إلى مراجعة طبيب في المستشفى حيث يعملون، فإنّهم ملزمون بتسديد بدل المعاينة، مع الإشارة إلى احتمال رفض الضمان الاجتماعيّ تغطيتها. مجرّد مثال بسيط لعلّه يوضح الغبن الكبير اللاحق بهؤلاء، ويساعد في فهم السبب وراء تحركاتهم التي انطلقت قبل تسعة أشهر، من إضراب ونزول إلى الشارع ومطالبة بالحقوق المهدورة.
ولأنّ أحداً لا يتطلّع إلى هؤلاء وحقوقهم، كانت الهيئة التأسيسيّة لنقابة عاملي المستشفيات الحكوميّة في لبنان، التي تخوض المفاوضات مع سلطتَي الوصاية، وزارة الصحّة العامة ووزارة الماليّة، حول نقاط عدّة مرتبطة بقضيّتهم المحقّة، لا سيّما القانون رقم 46 المتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب التي أُقرّت في البلاد، في يوليو/تموز 2017. والهيئة انتظرت، اليوم الإثنين، لا سيّما وأنّ مجلس الوزراء يعقد خلاله جلسته الأخيرة قبل أن يتحوّل إلى تصريف الأعمال، آملة في أن تتحلحل الأمور العالقة.
لا يبدو أمين سرّ لجنة موظفي وأجراء مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعيّ، سامر نزّال، متفائلاً. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التواصل القائم مع وزارة المال يأتي في سياق الأخذ والردّ. والنتائج الأخيرة ما زالت تتجّه إلى ضرب الفئات المهمّشة". ويؤكّد نزّال وهو عضو في الهيئة التأسيسيّة لنقابة عاملي المستشفيات الحكوميّة في لبنان وقد شارك في المفاوضات السابقة، أنّ "إضرابنا يهدف إلى حفظ كرامة الجميع. ونحن لا نطالب إلا بتطبيق القانون". ويوضح أنّه "بعد موافقة وزارة الصحّة على ما قدّمناه، ما زلنا عالقين مع وزارة الماليّة حول إعداد جداول سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بنا. ولا نشعر بأنّ ثمّة نيّة لحلّ حقيقيّ". والعاملون في المستشفيات الحكوميّة ينتظرون أن يقرّ مجلس الوزراء الجداول - لكلّ وظيفة جدول يحكمها - في جلسته الأخيرة، وإلا سوف يضطرون إلى انتظار تشكيل الحكومة الجديدة. ويؤكد نزّال أنّ "تحرّكنا في الأيام الأخيرة استوجبته إضاعة الوقت. في كلّ مرّة كانت وزارة الماليّة تسلّمنا صيغة ما حتى نعدّ الجداول على أساسها، كانت ترفض ما نقدّمه إمّا بحجّة أنّ الرواتب عالية وإمّا بحجّة أنّها غير مطابقة للقانون، كأنّهم يختبرون القوانين بنا. وقد بدأنا نشعر بأنّنا مدينون للدولة بالمال".
من جهته، يشدّد المتحدث باسم الهيئة التأسيسيّة لنقابة عاملي المستشفيات الحكوميّة في لبنان، بسام العاكوم، على أنّ الإضراب المفتوح الذي ينفّذه العاملون في المستشفيات، منذ الثامن من مايو/أيّار، يهدف إلى إيجاد خاتمة عادلة لملفّهم. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التعاطي معنا يجري بسلبيّة. ثمّة محاولات دائمة لشدّنا إلى ما هو أدنى من الذي نستحقّه". يضيف: "بصراحة، ثمّة استخفاف بنا وبدورنا. ماذا يعني مستشفى حكومي؟! لا المسؤولون ولا أولادهم دخلوا إلى مستشفى حكومي في يوم. من جهة أخرى، بعد نحو أسبوعَين من الإضراب والإقفال، الرأي العام لم يهتمّ بقضيّتنا ولا حتى الإعلام أولاها الاهتمام الكافي".
ويلفت العاكوم إلى أنّ "لدينا زملاء في عدد من المستشفيات لم يتقاضوا رواتبهم منذ خمسة أشهر. ورواتبنا هي كلّ ما نحصل عليه، وهي ضئيلة. كذلك لا نستفيد من أيّ درجات ولا من بدل نقل ولا من مستحقات كثيرة. فقط، نحصل على مساعدة مدرسيّة زهيدة لأولادنا من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعيّ، بالإضافة إلى مساعدة مرضيّة. نحن نستحقّ الحصول على تقديمات مثل تلك التي تؤمّنها تعاونيّة موظّفي الدولة. فنحن في حالنا هذه، وبمجرّد بلوغنا الرابعة والستين من عمرنا، سوف نُرمى في الشارع، وسوف نضطرّ بعدها إلى البحث عن عمل لتأمين معيشتنا. فالتعويض الذي نحصل عليه من الضمان الاجتماعيّ لن يكون إلا ضئيلاً تبعاً لرواتبنا".
إلى ذلك، يوضح العاكوم أنّ الإضراب الذي ينفّذونه "لا يستهدف الناس الفقراء. مشكلتنا ليست معهم، فنحن منهم. لذا نحن نستقبل الحالات الحامية والحرجة في الطوارئ، وكذلك المرضى الذين يخضعون لغسيل كلى وعلاج كيميائيّ وعلاج بالأشعّة، والذين يتلقّون علاج الحصبة وداء الكلب والليشمانيا وما إليها. أمّا الحالات الباردة، فنحوّلها إلى وزارة الصحة العامة التي تحوّلها بدورها إلى المستشفيات الخاصة". ويبقى سؤال: المرضى الذين يجري تحويلهم، هل يدركون السبب الحقيقيّ الذي يدفع هؤلاء العاملين إلى رفض استقبالهم ومعالجتهم فيتعاطفون مع قضيّتهم، أم يجدون أنفسهم في موقع الضحيّة فيحمّلونهم ذنباً في حين أنّهم ضحايا بدورهم؟