عامر خياط: الفساد المالي أنهك الاقتصادات العربية

23 نوفمبر 2015
الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد عامر خياط(حسين بيضون)
+ الخط -
قال الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد الدكتور عامر خياط في مقابلة لـ "العربي الجديد": إن الفساد في الدول العربية جعلها بعيدة عن التطور، حيث زادت نسب الفقر والبطالة والهجرة، الأمر الذي أدى إلى ثورة الشعوب ضد الأنظمة الفاسدة في أكثر من دولة. وهنا نص المقابلة:

* كيف تقيمون واقع الفساد في الدول العربية؟
شهدت المنطقة العربية ظاهرة انتشار الفساد المالي والسياسي، حيث يقدر أن ما اجتزئ من الدخل القومي للنصف الثاني من القرن الماضي (1950-2000) ما يقارب تريليون دولار (أي بحدود ثلث مجمل الدخل القومي للدول العربية) كعمولات ورشى في صفقات مشبوهة. ولو تم استثمار هذه الأموال في خطة إنمائية عربية شاملة لتمكنّا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الثروة الحيوانية والزراعية في الدول الأكثر فقراً. أمام هذا الواقع، بدأت حملة دولية في مطلع التسعينات من القرن الماضي، لمناهضة الفساد، ونتجت منها سلسلة من التشريعات والإجراءات الرقابية المشددة.
اليوم لم يتبدل وضع الفساد، إذ يمكن ملاحظة انتشار الفساد المالي والسياسي، فعلى سبيل المثال، ازدادت الإيرادات في العقود الثلاثة الأخيرة في بعض الدول العربية بشكل متسارع وبوتيرة عالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والطاقة، أدى ذلك إلى تردي السياسات التنموية. كما أدت الزيادة الهائلة للمداخيل الريعية واستخدامها السيئ من قبل أصحاب السلطة إلى إهدار ثروات البلاد، الأمر الذي زادت معه نسب الفقر والبطالة وتدهورت الحالة المعيشية والصحية في مجتمعاتنا.

*إذا أردنا البحث عن الأمن في منطقة الشرق الأوسط، فإن النتيجة سلبية، وبالتالي المواطنون لا يشعرون بالأمان، الأمر الذي يدفعهم نحو خيارات كالهجرة، ما هو ردكم على ذلك؟
عندما ترسب السلطة في حماية أمن المواطن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تتحول إلى دولة فاشلة وغير قادرة على حماية الوطن من مخاطر خارجية وداخلية. هذه هي بداية مرحلة "المجتمع الفاشل" حيث يفقد المواطن حسه الضروري بالارتباط بالوطن والمجتمع. وهو الطريق الحتمي الذي سيؤدي إلى الهجرة، لذا نلاحظ أن الهجرة لم تعد خياراً أو بديلاً، بل باتت مطلباً إلى الحياة، ولذا فإن أعداد المهاجرين العرب تزداد يوماً بعد يوم.

*الفقر والبطالة، والهجرة، ثلاثية تلاحق الشباب العربي في ظل غياب التنمية، برأيكم ما هي أسباب غياب التنمية في دولنا؟
تتطلب إزالة الفقر والبطالة وخلق فرص عمل، إحداث تغيير شامل وإصلاح جذري في مجتمعاتنا، لذا لا نجد بديلا من التنمية المستدامة لإحداث مسعى التغيير الذي نريد. ولاستقامة العملية الإنمائية يتوجب درء الفساد الذي يسرق مبالغ طائلة من تخصيصاتها. وتتطلب مكافحته (الفساد) سقفا عالياً من الحرية يضمنها وجود حكم صالح ورشيد يلتزم بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمواطن ويؤسس لحالة من الانتظام العام في المجتمع.
إلا أن الإشكالية التي تعترض هذا المسار تتمثل بسيادة مفهوم "الريع"، في بلداننا. فالريع يناقض مبدأ العمل والإنتاج، وهما أساس السيرورة التنموية لبناء مجتمع متقدم ومتطور في مجمل قطاعاته الإنتاجية والخدمية.

ويتطلب ذلك ربط أي عمل بقيمة الإنجاز الذي يحققه. على هذا الأساس يتوجب التعامل مع "مردود الريع" على كونه مصدراً لرأس المال، ويجب توظيفه في العملية الإنمائية وليس في اكتنازه في صناديق سيادية يتم استثمارها في الخارج بما يحرم الوطن من فوائدها. هذا التوجه لا يشجع على إقامة ثقافة عمل ترتبط بالإنتاج والإنجاز، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر.

*كيف تمكن مواجهة الفساد في الدول العربية في ظل الخصوصية التي يتمتع بها كل نظام؟
الفساد هو الاستغلال غير المشروع لعنصري القوة في المجتمع، وهما سلطة المال والسلطة السياسية. على هذا النحو هو ظاهرة شاملة، وبالتالي ليس هنالك فساد موصوف بدولة ما. كذلك تتطلب مواجهة الفساد جهداً استثنائياً لإحداث وعي وتوسيع إدراك الناس بأهمية مكافحته، وحماية المصلحة العامة والمال العام. كما تحتم كشف التأثير السيئ للفساد على التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي. وبدون شك، فوجود آليات فاعلة في الرقابة والمحاسبة والمساءلة أمر ضروري لكشف حالات الفساد ومحاسبة مرتكبيه ومساءلتهم أمام القضاء. ومن هنا يأتي دور النخب المثقفة والإعلام في تعميم المعرفة وبناء منظومة مجتمعية لها إحداثيات مؤثرة في خلق سلوكيات غير مُقيدة بنصوص موروثة وتراثية متزمتة ومنقطعة.

*برأيكم هل الفساد أساس ثورة الشباب العربي، أم أن الثورة كشفت حجم الفساد في مجتمعنا العربي؟
تَحَرك الشباب العربي تم بفعل عاملين رئيسين، أولاهما رفض الفساد المتفشي نتيجة تزاوج المال والسلطة السياسية، والثاني من أجل استعادة كرامة الإنسان العربي التي هُضمت عبر سنين من الاستبداد والتسلط وغياب العدالة، وغياب نُظم اقتصادية وسياسية واجتماعية تتيح للمواطن ممارسة حقوقه وواجباته. الشباب العربي يواجه الإحباط وغياب فرص العمل والفقر وانسداد الرؤية لمجتمع الحداثة والتطور والتقدم. هكذا كان الأمر في تونس وفي مصر وليبيا وسورية، كما كان في العراق قبل الاحتلال وتفاقم بعده، وفي اليمن وبقية الأقطار العربية وإن بدا هذا المشهد كامناً، إنما قائماً.
الجماهير الواسعة التي خرجت في مصر وتونس وليبيا وسورية كانت مدفوعة بعامل الفعل العفوي ضد النُظم القائمة، وبالتالي فإن انتشار الفساد ساهم في احتجاج الشعوب وانطلاقهم بالثورات العربية للمطالبة بالتغيير.

اقرأ أيضاً:ضرغام محمد علي: المحاصصة المذهبيّة دمّرت الاقتصاد العراقي

*كيف يمكن بناء استراتيجية اقتصادية واجتماعية في الدول العربية، خاصة الدول التي تعاني من ارتفاع في الدين العام، وانتشار الفساد، وغياب الشفافية؟
إذا كان المقصود وضع خطة موحدة لاستراتيجية اقتصادية واجتماعية عربية، فهذا موضوع ومع الأسف الشديد، غير متاح في الوقت الحاضر، بسبب عمق الخلافات العربية-العربية. ولكن في المقابل، يمكن بناء استراتيجية اقتصادية واجتماعية تسعى لوضع خطة ومسار لكل دولة عربية على حدة، والهدف يكمن من خلال إحداث تغيير شامل، يؤدي إلى التقدم والتطور في مجتمعاتنا. ولا شك أن الطريق الوحيد لذلك، هو اعتماد سياسة تنموية مستدامة تستثمر الموارد المالية والبشرية المتاحة. من جهة أخرى، فإن الدين العام يشكل عائقاً كبيراً أمام عملية التنمية، ويقع أثره على الأجيال العربية المقبلة التي ستتحمل أعباء إيفائه نتيجة سوء تصرف الحكومات بموارد الوطن المالية والبشرية. في لبنان على سبيل المثال، يترتب على كل طفل يولد اليوم ديناً مقداره 15 ألف دولار. وفي الأردن يصل المبلغ إلى 5000 دولار، ما يعني أن ارتفاع الدين العام، يتطلب إيجاد خطط اقتصادية واضحة، حتى تتمكن هذه الدول من الحد من تأثيراته السلبية على الاقتصاد.

*برأيكم ما هي العلاقة بين الفساد وظهور التطرف والإرهاب في بعض المجتمعات العربية؟ وهل سوء توزيع الثروة وفساد الحكام له علاقة مباشرة مع ظهور الجماعات الإرهابية؟
بطبيعة الحال، الفساد، واستغلال سلطة عن طريق القوة وضرب الحق والقانون للحصول على استفادة مالية أو مصلحة سياسية، ينطوي عليه استخدام العنف والتسلط والظلم، هذا بدوره يؤدي إلى قيام نظم استبدادية تشكل البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف. كما أن مسببات التخلف، سوء توزيع الثروة الوطنية والفوارق في المداخيل وزيادة مستويات الفقر لها دور أساسي في ظهور الإرهاب.
من جهة أخرى، أعتقد أن العلة الأكبر تكمن في غياب الديمقراطية، مما يؤدي إلى ممارسة العنف والاستبداد من قبل السلطة ورديفها الجماعات الإرهابية. ويستخدم الطرفان مقولة أن شعوبنا غير مهيأة للديمقراطية وهو أمر مرفوض. إذ تبين استطلاعات "المؤشر العربي" لعام 2014 والذي يصدره "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن أغلبية الرأي العام العربي (73%) مع إقامة النظام الديمقراطي، كما أن 87% من المُستطلَعين من 15 دولة عربية قدموا تعريفا ذا محتوى للديمقراطية.

* أين أصبح قانون حق الحصول على المعلومات في لبنان، برأيكم في حال تطبيق هذا القانون، هل يتغير موقع لبنان على مؤشر مدركات الفساد؟
يعتبر قانون "حق المواطن في الحصول على المعلومات" إحدى آليات "الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد". وهو جزء من منظومة متكاملة لمكافحة الفساد تشمل أيضاً "قانون مكافحة الفساد وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد " وقانون "حماية الشهود والمبلغين" وغيرها من الإجراءات والقواعد المدرجة في هذه الاتفاقية. في لبنان كان هنالك محاولة لاستصدار سلسلة من هذه القوانين ومنها قانون حق المواطن للحصول على المعلومات، وواجب الحكومة في الكشف عنها (المعلومة)، لازالت مسوداتها قابعة في أدراج البرلمان بانتظار التشريع. وهنا لابد من القول إن التأخير في التشريع هو كالعدالة المتأخرة، ينتقص الحق ويهدد مبدأ الانتظام العام.
غياب هذا القانون، وغيره من أمثاله، يشكل مانعاً حقيقياً أمام مكافحة الفساد في لبنان وغيره من الدول. أما إذا كان وجود مثل هذا القانون سيؤدي إلى تغيير موقع لبنان على مؤشر مدركات الفساد، فأولاً هذا الأمر ليس تلقائياً. تطبيق القانون يتطلب وجود سلطة قضائية حاكمة ومستقلة ضامنة للعدالة وما يرتبط بها من حقوق وواجبات. ثانياً، أنا لا أعطي اهتماماً كبيراً للتراتبية الذي يأتي بها مؤشر مبني على "الإدراك" ولا يعتمد القياس الكمي للفساد. الذي يهمني هو أن نجد في دولنا العربية جهداً حثيثاً ومستداماً لمكافحة الفساد عن طريق تكثيف الإرادة السياسية واعتماد حزمة من قوانين وآليات رادعة وعقابية يؤدي تطبيقها للحد من تأثير الفساد على المجتمع.

اقرأ أيضاً:سعيد عيسى:الطبقة السياسية مسؤولة عن انتشار الفساد في لبنان
المساهمون