عالمنا حكاية تُحكى

01 نوفمبر 2015
فاسيم محمد/ بريطانيا
+ الخط -

في أقصوصة شعبية أن فريقاً من النمل، في سنوات مجاعة استمرت سبع سنوات، فتش عن شيء يلتقطه فلم يجد، وأخيراً اهتدت نملة إلى ثقب صغير في مخزن قمح هائل، فدخلت وأخذت حبة قمح وخرجت، فتبعتها نملة أخرى ودخلت، وأخذت حبة قمح وخرجت، وهكذا توالى دخول وخروج النمل.

بالنسبة إلى أحد خبراء التخطيط الدولي، لن يجد العرب في المقبل من الأيام ما وجده النمل في سنوات المجاعة التي تنبأ بها، وسيدورون ويدورون، ولن يجدوا حتى في بيوت النمل ما يسدّ جوعهم، ولا حفرة ماء خلفتها الأمطار تروي بعض ظمئهم، وسيكون عليهم أن يستجدوا حبة القمح وقطرة الماء، هم الذين تحوّلت بلادهم إلى صحراء مطلقة، من أسياد القمح والشعير آنذاك، أي من دولة الصهاينة التي حوّلوا إليها في سنوات عمى الألوان، وعمى الكرامة، حسب تعبير فلاح من جنوب لبنان، مياه أنهارهم، بعد أن هدموا سدود الري، واقتلعوا فلاحيهم من أراضيهم، وقعدوا ينتظرون أن تشرق عليهم شمس مجدهم العظيم، تماماً مثلما فعلت قبيلة "الزولو" في جنوب أفريقيا التي حطّمت محاريثها وقتلت أبقارها استجابة لنبوءة أطلقها إنجليز، ارتدوا أقنعة الأسلاف، مفادها أنها "إن فعلت هذا وجلست أمام أكواخها تنتظر الصباح، فستشرق عليها شمس مجد الزولو"، فكان أن قصمت هذه النبوءة ظهر أقوى القبائل الأفريقية ولم تقم لها قائمة بعد ذلك أبداً.

كانت رؤية الخبير قائمة على واقع يلمسه لمس اليد، ولم تكن مجرّد نبوءة سوداء متخيلة، فقد جاء بمعلومات عن الحرب القائمة على القطاع الزراعي العربي، وبخاصة زراعة القمح التي تدخل في باب التخطيط الاستراتيجي، وخلص إلى نتيجة سبق لكاتب عربي أن خلص إليها قبل ما يقارب مئة عام هي: "ويل لأمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تنسج"، وليس هناك ويلٌ أكثر من ويل شاهدنا بعض فصوله في السبعينيات حين رأينا عرباً جوعى ينبشون بيوت النمل بحثاً عن حفنة قمح، ورأيناهم يتقاتلون على الرغيف منذ وقت قريب.

ويضيف خبيرٌ آخر إلى هذه الصورة السوداء، من حيث لا يقصد، خطوطاً أشد قتامة، فيؤكد من دون أن يرف له جفن أن أزمة الغذاء العربي يلخصها ارتفاع الأسعار الدولي، وليست هناك حروب على المياه والسدود واقتصاد الاكتفاء الذاتي ولا توصيات خبيثة، وأن هذه الوضعية تقدّم فرصة "ذهبية" للفلاح العربي الذي يستطيع الآن استغلال ارتفاع الأسعار ويحقق أرباحاً خيالية، ويحسّن حياته ويرفع من مستواه.

صحيح أن الخبير الثاني جرى في مجرى آخر غير مجرى الأحداث الواقعية التي وصفها الخبير الأول إلا أنه لم يعاكسه، بل جعلنا نضيف إلى مقولة الكاتب العربي القديم سطراً، وهو ".. وويل لأمة تجهل أنها تجهل" ما يدور حولها وفيها، وتتسلى بأوهام من هذا النوع.



اقرأ أيضا: سذاجة خطِرة

دلالات
المساهمون