عاطلون من العمل يحرسون سيارات الجزائر

24 يوليو 2015
يحتكر الرصيف بحجّة حراسة السيارات (العربي الجديد)
+ الخط -

تعرّض قبل فترة صحافي في وكالة الأنباء الجزائرية في ولاية تيبازة (غرب) إلى اعتداء جسدي على مرأى من أبنائه وزوجته في الشارع العام لمدينة تيبازة، على خلفيّة ركن سيارته أمام شخص اتخذ من الرصيف مكاناً لممارسة نشاطه. هو ركن السيارة هناك بعدما استأذن شرطي السير للتوجه إلى مكتب البريد. لكنه وفي غفلة من الشرطي، واجه رفضاً شديداً من شاب اتخذ من الرصيف والموقف المحاذي له مساحة خاصة له. و لما حاول الاستفسار عن أحقيته في منعه من التوقف بعد أخذ الإذن من الشرطي، واجهه الشاب بوابل من السباب والشتائم قبل أن يتطوّر الأمر إلى اعتداء جسدي.

هذه ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها مواطن للضرب من قبل محتكري الأرصفة ومواقف السيارات. ويتحدّث الناس عن حوادث يومية مشابهة، أبطالها محتكرو الأرصفة وحرّاس السيارات الذين اتخذوا من هذا العمل مهنة لهم.

وكانت أزمة مواقف السيارات قد أثارت في الجزائر جدالاً في المجالس البلدية والولائية حول ضرورة إيجاد بديل لهذا الوضع. لذلك، بادرت وزارة الداخلية قبل سنوات إلى إصدار بيان وزاري يرمي إلى إنشاء مواقف قانونية للسيارات وتنظيم مهنة حراسها، غير أن الأمور بقيت على حالها في عديد من مواقف العاصمة. وفي غياب الوثائق التي توضح هويّة مستغلي المواقف العشوائية، نجد أن الذين احترفوا ذلك‮ هم شبان أرادوا الخروج من قوقعة البطالة، وقد وجدوا فيه مصدراً للكسب السريع.‬‬

بعض هؤلاء الشبان يعملون بدوام كامل، ومعظمهم تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 عاماً. هم احتلوا كل المساحات الشاغرة وجعلوها "ملكيّة خاصة" وحوّلوها مواقف عشوائية، خصوصاً أمام الإدارات العمومية والمحلات التجارية والمقاهي. وراح هؤلاء الشبان يستغلون الازدحام ويحملون العصي وأدوات خرى ليّبينوا أنهم مستعدون للدفاع عن سيارات الناس. لكن الواقع يؤكد أن تلك العصي مخصصة لمن يتهرّب من الدفع.

أما أصحاب السيارات، فيجدون أنفسهم مضطرين تحت تهديد حارس الموقف، إلى دفع مبلغ مالي يختلف بحسب أهمية الموقع. وذلك حتى وإن كان الأمر يتعلق بركن السيارة لنصف ساعة فقط، في ظل غياب سلطة رقابية تضع حداً نهائياً لانتشار مواقف السيارات العشوائية.

ويشير عزيز، وهو مدرّس، إلى أن "دفع المال للحارس يكون بالرضا أو بالإكراه. وثمّة شك في أن تسلم سيارتك من السرقة أو الإتلاف في حال رفضت الدفع". أما محمود، فهو شاب يحرس سيارات في ساحة ميسوني في العاصمة. يقول إنه يتقاسم هذا العمل مع زملاء له من المنطقة، وهو في هذا العمل منذ خمس سنوات "ويؤمن لي دخلاً جيداً. وذلك أفضل من أن أكون عاطلاً من العمل أو حيطيست".

بالقرب من شاطئ العاصمة، تلفتك إحدى الشابات التي تعمل في حراسة السيارات أيضاً. ترتدي سترة خضراء وتحمل بيدها عصا وتوجّه السيارات وتساعد سائقيها على ركنها. وتأتي ظاهرة "حراس السيارات" هذه، على خلفيّة اقتصادية واجتماعية. ويتقاذف هؤلاء الحراس العشوائيون والسلطات المعنيّة التهم، فيما يرى كل طرف نفسه على صواب.

ولأن أياً من الحلول لم تتوفّر في خلال السنوات الماضية، تجذّرت الظاهرة. وقرّرت السلطات قوننة هذه المهنة غير الشرعية، عبر تحديد شروط لتأطير نشاط حراسة مواقف السيارات. ومن تلك الشروط، تحديد الفضاءات التي يمكن استغلالها كأماكن شرعية لركن السيارات.

من جهتها، ترى المصلحة الولائية للأمن العمومي في ولاية الجزائر، أن احتلال الرصيف أو الطريق من دون ترخيص لممارسة نشاط حراسة تلك المواقف وفي غياب إطار تنظيمي، "يعدّ انتهاكاً لأملاك الدولة" بحسب التشريع الجزائري، خصوصاً وأن مستغلي هذه الفضاءات لا يدفعون أية ضريبة. لكن محاربة هذه الظاهرة تبقى مهمة صعبة، لا سيّما عندما لا يتقدّم المواطن السائق بشكوى حين يقع ضحية هؤلاء الحراس.

تجدر الإشارة إلى أن عدداً من حراس السيارات يعبّرون عن رغبتهم في تطبيق التعليمات الوزارية التي تحدد إطاراً قانونياً لنشاطهم ورفع لافتات تحدد مواقع التوقف، بالإضافة إلى تزويدهم بوثائق تثبت شرعية نشاطهم وتجهيزهم ببذلات خاصة. ويقول سفيان، أحد هؤلاء، إن تنظيم البلديات لنشاطهم سيجعلهم يدفعون الضرائب، لكن ذلك سيقنع السائقين بمشروعية دفع بدلات لقاء ركن سياراتهم. بالتالي، يوضع حدّ للشجارات التي تنشب. لكن ضرورة ترك مفاتيح السيارة مع حراس المواقف العشوائية، يبقى موضوع خلاف حاد بين الزبائن وهؤلاء.‮

إقرأ أيضاً: "حيطيست".. جزائريون يعانون من البطالة المزمنة

دلالات