عاصفة سردية في إسطنبول

11 فبراير 2016

تستضيف اسطنبول قريبا مهرجاناً دولياً للقصة القصيرة (12/يناير/2016/Getty)

+ الخط -
يفتتح في إسطنبول، الأسبوع المقبل، مهرجان "زيتونبورنو" الدولي للقصة القصيرة، ويشارك فيه عدد من كتاب القصة القصيرة في العالم، من العرب يحضر هشام البستاني وكاتب هذه السطور، كما يشارك 30 كاتب قصة من تسع دول، منهم وبين أوكري (نيجيريا) وأليك بوبوف (بلغاريا) وآفاق مسعود (أذربيجان) ونيناد يولديسكي (مقدونيا) وفيليب مرسل بيجوفيتش (كرواتيا) وعشرات من كتاب وكاتبات القصة الأتراك. ويلاحظ المتأمل في المشهد الأدبي التركي حيوية سردية واضحة، تنعكس على مئات الإصدارات السردية، لجيل شاب، يحاول أن يقارب، بلغةٍ مختلفةٍ، فضاءات جديدة في الحياة التركية المعاصرة. ويلاحظ أن هناك مهرجانات ومؤتمرات كثيرة تناقش جماليات وتقنيات الروايات والقصص القصيرة الجديدة، المنقطعة عن تراث السرد التركي.
وعالمياً، ثمة صحوات سردية تجتاح المشاهد الإبداعية في العالم، أو استعادة لأمجاد السرد القديمة التي سادت، في أزمان سابقة. في العالم العربي، يندر أن تجد شاعراً لم يجرّب تجربة سردية، أو لا يفكر، ولا يحلم في خوض غمار روايةٍ. في عملية السرد ثمة اكتمال ما، مستوى مريح من التشفي، ارتواء جمالي، قدرة على التقاط ما لا ُيلتقط في الشعر، وما لا يؤثر، ويغيّر. يعود السرد إلى مجده، لا طارداً أو منقلباً على الشعر، أو الفنون الأخرى، وإنما مقنعاً إياها بالتآلف والتماهي، لصنع تشكيلاتٍ ثريةٍ، تتعايش فيها الفنون كلها من سينما وتشكيل وموسيقى وشعر. هروب الشعراء العرب إلى السرد، يطرح أسئلة كثيرة. لا علاقة بالطبع لها بالهيمنة والتخلي والخيانة، لكنها تمس قدسية قدرة الشعر الجمالية، على تحمل ثقل وتعقد تحولات العالم وانقلاباته. لا قصيدة الآن في وسعها الوقوف بصمود أمام جلافة ووحشية عالمٍ لا تتوقف حروبه، ولا يهدأ جنونه وجشعه. القصيدة فراشة، والعالم فيل. السرد قادر، السرد حصان عنيد وواسع وعميق، لا يستسلم بسهولةٍ أمام جرافة العالم المتوحشة، وهي تجرف الأرض والذكريات والبشر. للسرد أيضاً جرافته اللغوية، تخرج بجنون من جوف التفاصيل وبطن المخيلة، لتسد طرق الجرافات الشريرة. عالم آخر أو حكاية أخرى يخلقه السرد، أو يخلقها، ليس بالضرورة أن تكون الحكاية خيّرة وجميلة، وآمنة، بل هو البديل الجمالي الذي تخزق فيه العملية السردية عين الواقع السادر في شرّه، وانفلات معاييره، وموت ضميره.
في العالم العربي، لا نرى رغبة في استثمار إيجابي لصحوة السرد. لكن، بإمكاننا النظر بارتياح إلى تأسيس جوائز للرواية والقصة القصيرة، ذلك من مؤشرات الانتعاش السردي، وإن كانت هناك ملاحظات وتداعيات سلبية لثورة الجوائز، أهدافاً وتنظيماً.
في فعاليات معارض الكتب التي نراها كل شهر تقريباً، لا نستطيع أن نلاحظ اهتماماً أو حماسة أو مقاربة لجديد الإبداع السردي تحديداً، ولا أرى سبباً لذلك سوى الكسل وعدم الانتباه، وعدم وجود قناعة ومعرفة بقيمة الجديد في التجارب السردية العربية الشابة. حسناً، فعلت وتفعل أمانة عمّان الكبرى، حين تنظم سنوياً ملتقى عربياً للقصة. تنتعش القصة في عمّان، وخاصة التي تكتبها المرأة، كذلك يحدث في المغرب وتونس.
يحتاج العالم العربي إلى عواصف سردية، تشبه عاصفة إسطنبول المرتقبة. الترجمات العربية عن سرد العالم شبه معدومة. ثمة ترجمات متفرقة هنا وهناك، لكنها لا تعكس ظاهرة مطلوبة، ولا تسد قدراً قليلاً الفراغ الكبير في الترجمة. لم أسمع عن مهرجان دولي سردي عربي، يُدعى إليه مشاهير السرد في العالم. هذا الغياب في الترجمات والمهرجانات ينبىء عن فجوة كبيرة في مشهد الإبداع العربي. التواصل مع سرد العالم من مظاهر حضارتنا ووهجنا الذهني.
أن نكون متحضّرين، أن نكون في العالم، ومن العالم، يعني أن تكون لنا عواصفنا السردية الخاصة.
4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.