13 نوفمبر 2024
عاش الاستفتاء.. مات الاستفتاء
في لحظة مفصلية فارقة "عاش الاستفتاء، مات الاستفتاء"، وفي تلك اللحظة تركزت كل العيون على ما تنقله الشاشات ووسائل التواصل، باستثناء أنظار مجاميع خبراء ورجال مافيات ومدراء شركات قضوا ليلهم ونهارهم يبحثون في "غوغل" عن موقع بورصة نيويورك لقراءة أسعار النفط. في تلك اللحظة، أعلنت بغداد تكليفها شركة برتيش بتروليوم البريطانية بتطوير حقول كركوك النفطية التي يبلغ مخزونها الاحتياطي أكثر من 53 مليار برميل، وقد تذكرت في يقظة متأخرة أن "الثروة النفطية ملك للشعب العراقي بقومياته وطوائفه كافة"، وأن "من حقها أن تطور حقولها النفطية في أي محافظة عراقية"، وأنذرت "جميع الدول والشركات النفطية العالمية من التعاقد أو الاتفاق مع أية جهة داخل العراق، من دون الرجوع إليها"، وكأنها لم تكن الصامتة المتواطئة لحفنة سنين، كلفت الخزينة العامة مئات ملايين الدولارات استقرت في حسابات شخصية وعائلية، بحسب الاعتراف المتأخر لبغداد نفسها، ورد الأكراد، في اللحظة نفسها، بمناكفةٍ أكثر حدة، وكانوا أتقنوا المناكفة بالسلاح وبغيره، وأعلنوا عن تفعيل اتفاق مع شركة "روسنيفت" الروسية، لتطوير حقول نفطية وتقاسم إنتاجها، والسعي إلى التنقيب عن الغاز مستقبلا!
أعادت واقعة "الاستفتاء" التي عاشت وماتت في آن تموضع دول وشخصيات ورموز بين ليلة وضحاها، على نحو لم يكن قائما إلى ما قبل أيام، الدور الحازم والهادئ معا الذي لعبه رئيس الحكومة، حيدر العبادي وجيشه، حقق لكركوك والمناطق التي سماها الدستور الهجين "متنازعا عليها" عودة سريعة إلى حضن العراق الموحد بسلامة وأمان، وتوفرت، من خلال ذلك، له شخصيا فرصة التحول الى رجل دولة، إذا ما أحسن استغلالها، سوف يضمن لنفسه دورة رئاسية أخرى. إيران بذلت جهدا مضاعفا في ترتيب صفقة التسوية بين حكومة العبادي وأسرة جلال الطالباني، وظهر رجلها القوي قاسم سليماني بصفة "المنقذ" الذي أمن لبلاده نفوذا أكبر، وضمن لها مساحة حركة أوسع، في واحد من أهم معابرها الأمنية وأخطرها، تركيا الحاضرة في الميدان، وقد تملكتها الخشية من انتقال عدوى "الاستفتاء" إلى أكرادها الذين يشكلون 20% من مواطنيها، سارعت إلى التوافق مع بغداد بعد سنةٍ من المناكفات معها. وعيونها أيضا على كركوك التي تشكل هاجسا عندها، لوجود التركمان فيها، وقد أملت أن تحظى المدينة بإعادة تأسيس بيئتها الديمغرافية، بما يتماشى مع عمقها التاريخي. تراجعت السعودية عن دعمها المشروع الانفصالي الذي كانت تريد منه أن يحقق اختراقا لما تسميه "الهلال الشيعي"، والإمارات غشيتها نوبة صمت، بعدما كانت روّجت، هي الأخرى، الانفصال، وقد أظهر الكلام المباشر عبر الهاتف بين ملك السعودية ورئيس الوزراء العبادي تطمينا لبغداد إلى أن الأمور بين الطرفين يمكن أن تنقلب سمنا وعسلا بإرادة أميركية. ولذلك طار العبادي إلى الرياض على عجل، لإحياء حكاية "مجلس التنسيق المشترك"، حيث حضر حفل العرس شاهدا وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون.
تبقى إسرائيل، وهي الداعمة الأقوى لمسعود البارزاني ومشروعه الانفصالي، وقد فاجأتها سرعة احتواء بغداد الأحداث، وعلى نحو لم تكن تتوقعه، ودفعها شعورها بالإحباط إلى طلب العون من عواصم نافذة في الضغط على بغداد، لوقف تقدم قواتها نحو أربيل، وتقليل الخسارة الفادحة التي مني بها حليفها.
وفي تلك اللحظة المفصلية الفارقة، لحظة موت الاستفتاء، اختلطت أوراق الساعين إلى ترويج فكرة "إقليم سني"، يلتحق بالبارزاني، أو يحذو حذوه، وتراجعت حظوظ شخصيات سنية وكوادر بعثية كانت تنتظر أن تنضج طبخة "كردستان"، لتطرح مشروع "الإقليم السني العربي"، وأمسك سياسيون محترفون وناشطون عديدون العصا من الوسط، على قاعدة العمل بأضعف الإيمان.
وفي لحظة موت الاستفتاء تلك، ووسط تداعياتها المتناقضة، خسر الزعيم الكردي الشاطر رهانه في لعبته الماكرة التي كلفته كثيرا، وغلطة الشاطر بألف، إذ فقد الهالة الكاريزمية التي تعكز عليها عقودا، وأضاع كل علاقاته مع العالم، وبدا وضعه أشبه بوضع صدام حسين بعد فشل مغامرته في الكويت، واضطر إلى عرض تجميد نتائج الاستفتاء، وقبول عرض العبادي للحوار، كما قبل صدام، في حينه، العرض الأميركي للتفاوض، وكما أخر صدام حلم تحقيق الوحدة العربية عشرات السنين، فإن البارزاني فعل الشيء نفسه بالنسبة لحلم الاستقلال الكردي.
وفي خضم هذا كله، جرت مياه كثيرة تحت جسور عدة هنا وهناك، ولم تستقر مجرياتها بعد، و"شو بيبقى من الرواية؟"، مع الاعتذار من فيروز، فقد بقي الكثير.
أعادت واقعة "الاستفتاء" التي عاشت وماتت في آن تموضع دول وشخصيات ورموز بين ليلة وضحاها، على نحو لم يكن قائما إلى ما قبل أيام، الدور الحازم والهادئ معا الذي لعبه رئيس الحكومة، حيدر العبادي وجيشه، حقق لكركوك والمناطق التي سماها الدستور الهجين "متنازعا عليها" عودة سريعة إلى حضن العراق الموحد بسلامة وأمان، وتوفرت، من خلال ذلك، له شخصيا فرصة التحول الى رجل دولة، إذا ما أحسن استغلالها، سوف يضمن لنفسه دورة رئاسية أخرى. إيران بذلت جهدا مضاعفا في ترتيب صفقة التسوية بين حكومة العبادي وأسرة جلال الطالباني، وظهر رجلها القوي قاسم سليماني بصفة "المنقذ" الذي أمن لبلاده نفوذا أكبر، وضمن لها مساحة حركة أوسع، في واحد من أهم معابرها الأمنية وأخطرها، تركيا الحاضرة في الميدان، وقد تملكتها الخشية من انتقال عدوى "الاستفتاء" إلى أكرادها الذين يشكلون 20% من مواطنيها، سارعت إلى التوافق مع بغداد بعد سنةٍ من المناكفات معها. وعيونها أيضا على كركوك التي تشكل هاجسا عندها، لوجود التركمان فيها، وقد أملت أن تحظى المدينة بإعادة تأسيس بيئتها الديمغرافية، بما يتماشى مع عمقها التاريخي. تراجعت السعودية عن دعمها المشروع الانفصالي الذي كانت تريد منه أن يحقق اختراقا لما تسميه "الهلال الشيعي"، والإمارات غشيتها نوبة صمت، بعدما كانت روّجت، هي الأخرى، الانفصال، وقد أظهر الكلام المباشر عبر الهاتف بين ملك السعودية ورئيس الوزراء العبادي تطمينا لبغداد إلى أن الأمور بين الطرفين يمكن أن تنقلب سمنا وعسلا بإرادة أميركية. ولذلك طار العبادي إلى الرياض على عجل، لإحياء حكاية "مجلس التنسيق المشترك"، حيث حضر حفل العرس شاهدا وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون.
تبقى إسرائيل، وهي الداعمة الأقوى لمسعود البارزاني ومشروعه الانفصالي، وقد فاجأتها سرعة احتواء بغداد الأحداث، وعلى نحو لم تكن تتوقعه، ودفعها شعورها بالإحباط إلى طلب العون من عواصم نافذة في الضغط على بغداد، لوقف تقدم قواتها نحو أربيل، وتقليل الخسارة الفادحة التي مني بها حليفها.
وفي تلك اللحظة المفصلية الفارقة، لحظة موت الاستفتاء، اختلطت أوراق الساعين إلى ترويج فكرة "إقليم سني"، يلتحق بالبارزاني، أو يحذو حذوه، وتراجعت حظوظ شخصيات سنية وكوادر بعثية كانت تنتظر أن تنضج طبخة "كردستان"، لتطرح مشروع "الإقليم السني العربي"، وأمسك سياسيون محترفون وناشطون عديدون العصا من الوسط، على قاعدة العمل بأضعف الإيمان.
وفي لحظة موت الاستفتاء تلك، ووسط تداعياتها المتناقضة، خسر الزعيم الكردي الشاطر رهانه في لعبته الماكرة التي كلفته كثيرا، وغلطة الشاطر بألف، إذ فقد الهالة الكاريزمية التي تعكز عليها عقودا، وأضاع كل علاقاته مع العالم، وبدا وضعه أشبه بوضع صدام حسين بعد فشل مغامرته في الكويت، واضطر إلى عرض تجميد نتائج الاستفتاء، وقبول عرض العبادي للحوار، كما قبل صدام، في حينه، العرض الأميركي للتفاوض، وكما أخر صدام حلم تحقيق الوحدة العربية عشرات السنين، فإن البارزاني فعل الشيء نفسه بالنسبة لحلم الاستقلال الكردي.
وفي خضم هذا كله، جرت مياه كثيرة تحت جسور عدة هنا وهناك، ولم تستقر مجرياتها بعد، و"شو بيبقى من الرواية؟"، مع الاعتذار من فيروز، فقد بقي الكثير.