لم تمنع الاعتداءات الإرهابية على عدد من الجوامع والحسينيات في المدن والبلدات الشيعية في السعودية، من إحياء مراسم عاشوراء المتبعة في كل عام. غير أن موسم "عاشوراء" هذا العام بدا متوترا وسط حضور أمني مكثف، تعزز بشكل ملحوظ بعد الاعتداء الإرهابي الذي وقع مساء الجمعة الماضي (16 أكتوبر/ تشرين الأول)، عندما استطاع إرهابي ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، اجتياز نقاط التفتيش الأمنية والوصول إلى الحسينية الحيدرية بسيهات (شرقي المملكة)، فاتحا النار على الجموع المتوجهة إلى مقر إقامة الاحتفال الديني، ما أوقع خمسة شهداء، بينهم سيدة، قبل أن تتدخل القوات الأمنية وترديه قتيلا.
النكهة المحلية
مشهد القدور الكبيرة في الشوارع ليس غريبا، خلال أيام عاشوراء (1 ـ 10 محرم)، حيث تنتشر في الأحياء القديمة من مدن وقرى محافظة الأحساء والقطيف، وذلك لطهي الأطعمة وتوزيعها على الأهالي، الذين يكتفي جلهم بالاعتماد على ما يسمونه بـ"عيش الحسين". وقد جرت العادة أن تدشن بداية شهر محرم في الأحياء القديمة والجديدة، ما يعرف بالمضافات، وهي أشبه بمطابخ مفتوحة تحمل اسماً من أسماء أئمة الشيعة، يقوم الأهالي بتقديم وجبة الغداء فيها في كل يوم حتى نهاية موسم عاشوراء، مقدمين طبقا شهيرا، يعرف باسم "المحموص" القطيفي. وهو طبق يطبخ فقط في منطقة القطيف قبل أن ينتقل للبحرين في السنوات الأخيرة. ويميل لون الأرز المحموص إلى السواد بعد زيادة تحميص البصل، الأمر الذي يعطي طبق المحموص لونا داكنا مع لسعة لذيذة إلى جانب "الإيدام" المكوّن عادة من سمك الهامور أو الكنعد أو الدجاج أو قطع اللحم ذات التوابل العبقة. الملفت في هذه المطابخ المفتوحة والأطعمة التي توزع في عاشوراء، أنها تشكل حالة اجتماعية توثّق التواصل بين الناس، بمختلف شرائحهم، وكما يقول المثل الشعبي في مدينة سيهات: "إلّي يبجي (يبكي) أو ما يبجي ياكل عيش الحسين".
ضد "التطبير"
خلافا لما يُعتقد أن موسم عاشوراء فقط للبكاء على حادثة مقتل الحسين بن علي عام (61 هـ)، تُظهر برامج الأمسيات المقامة خلال عاشوراء في القطيف تنوعا كبيرا في إقامة فعاليات وأنشطة حوّلت "عاشوراء" من حكاية تستجلب الحزن إلى حدث اجتماعي يقترب من المهرجان الموسّع. فمن التوعية بسرطان الثدي في شهره (أكتوبر/ تشرين الأول)، إلى فتح مستشفيات ميدانية للتبرع بالدم، في محاربة صريحه لظاهرة "التطبير" والتي تعني ضرب الرأس بالسيف والتي نقلها البعض من العراق إلى إحدى قرى القطيف وأخذت رواجها عند مجموعة وصفت بالشاذة عن الثقافة الاجتماعية لأهل المنطقة، ما دفع الأهالي قبل أكثر من عقد إلى فتح باب التبرع بالدم (بنك الدم) باسم الحسين وبالتنسيق مع المستشفيات الحكومية والأهلية، وهو ما تحوّل إلى عادة ابتكرها الشيعة السعوديون وانتقلت مع الزوار السعوديين إلى العراق، حيث افتتحت هناك نقاط للتبرع بالدم في كربلاء والنجف، كما تروي إحدى المتطوعات في القطيف.
مواهب فنية
فكرة الفن في عاشوراء ليست جديدة، فقد بدأت مع التمثيل المسرحي السنوي الذي تجسده مجاميع تصور حادثة مقتل الحسين ورفاقه في عاشوراء وسبي آل بيت النبي من كربلاء إلى الشام، كما في العرض الذي يقام في ساحة قرية القديح (طريق الهدلة)، وتأتيه الحشود لمشاهدة العرض التقليدي. غير أن العقدين الأخيرين شهدا تطورا كبيرا في نوعية الفنون المقدمة، فمن معارض التصوير الضوئي التي يشارك فيها فنانون فوتوغرافيون سعوديون وتعرض صورا ملتقطة من الحياة العاشورائية في منطقة القطيف والأحساء، إلى المعارض التشكيلية والعروض المسرحية والأفلام السينمائية المستلهمة من أجواء محرم وقصة الحسين، دون أن ننسى معارض الكتب التي لا تقتصر على الكتب الشيعية التقليدية بل تلك التي تبيع كتب الأدب والفكر، من روايات ونقد وشعر وغيره، كما في ساحة القطيف، كل ذلك بجوار الرايات التي ترفع خلال شهر محرم وصفر لترمز لخصوصية الهوية الشيعية في السعودية.
متطوعون ورجال أمن
يلاحظ زوار المدن والبلدات الشيعية، الانتشار الكبير لما بات يعرف باللجان الأهلية، وهي عبارة عن لجان تضم شبانا وفتيات يقومون بتنظيم حركة السير والتفتيش الشخصي، على مداخل المساجد والحسينيات، لحماية المواطنين من دخول أي إرهابي محتمل، كما حدث في تفجير الدمام، وأخيرا في سيهات، حيث سقط من بين القتلى أحد المتطوعين، وهو الشاب أيمن العجمي لاعب فريق الخليج الرياضي، بعد أن هتف محذرا الرجال والنساء العابرين مطالبا إياهم بالتراجع والاحتماء خلف البيوت، قبل أن يجد نفسه أمام الإرهابي الذي وجّه له عدة طلقات أردته قتيلا.
اقرأ أيضاً: السعودية بين مواجهة الطائفية وحرية التعبير
النكهة المحلية
مشهد القدور الكبيرة في الشوارع ليس غريبا، خلال أيام عاشوراء (1 ـ 10 محرم)، حيث تنتشر في الأحياء القديمة من مدن وقرى محافظة الأحساء والقطيف، وذلك لطهي الأطعمة وتوزيعها على الأهالي، الذين يكتفي جلهم بالاعتماد على ما يسمونه بـ"عيش الحسين". وقد جرت العادة أن تدشن بداية شهر محرم في الأحياء القديمة والجديدة، ما يعرف بالمضافات، وهي أشبه بمطابخ مفتوحة تحمل اسماً من أسماء أئمة الشيعة، يقوم الأهالي بتقديم وجبة الغداء فيها في كل يوم حتى نهاية موسم عاشوراء، مقدمين طبقا شهيرا، يعرف باسم "المحموص" القطيفي. وهو طبق يطبخ فقط في منطقة القطيف قبل أن ينتقل للبحرين في السنوات الأخيرة. ويميل لون الأرز المحموص إلى السواد بعد زيادة تحميص البصل، الأمر الذي يعطي طبق المحموص لونا داكنا مع لسعة لذيذة إلى جانب "الإيدام" المكوّن عادة من سمك الهامور أو الكنعد أو الدجاج أو قطع اللحم ذات التوابل العبقة. الملفت في هذه المطابخ المفتوحة والأطعمة التي توزع في عاشوراء، أنها تشكل حالة اجتماعية توثّق التواصل بين الناس، بمختلف شرائحهم، وكما يقول المثل الشعبي في مدينة سيهات: "إلّي يبجي (يبكي) أو ما يبجي ياكل عيش الحسين".
ضد "التطبير"
خلافا لما يُعتقد أن موسم عاشوراء فقط للبكاء على حادثة مقتل الحسين بن علي عام (61 هـ)، تُظهر برامج الأمسيات المقامة خلال عاشوراء في القطيف تنوعا كبيرا في إقامة فعاليات وأنشطة حوّلت "عاشوراء" من حكاية تستجلب الحزن إلى حدث اجتماعي يقترب من المهرجان الموسّع. فمن التوعية بسرطان الثدي في شهره (أكتوبر/ تشرين الأول)، إلى فتح مستشفيات ميدانية للتبرع بالدم، في محاربة صريحه لظاهرة "التطبير" والتي تعني ضرب الرأس بالسيف والتي نقلها البعض من العراق إلى إحدى قرى القطيف وأخذت رواجها عند مجموعة وصفت بالشاذة عن الثقافة الاجتماعية لأهل المنطقة، ما دفع الأهالي قبل أكثر من عقد إلى فتح باب التبرع بالدم (بنك الدم) باسم الحسين وبالتنسيق مع المستشفيات الحكومية والأهلية، وهو ما تحوّل إلى عادة ابتكرها الشيعة السعوديون وانتقلت مع الزوار السعوديين إلى العراق، حيث افتتحت هناك نقاط للتبرع بالدم في كربلاء والنجف، كما تروي إحدى المتطوعات في القطيف.
مواهب فنية
فكرة الفن في عاشوراء ليست جديدة، فقد بدأت مع التمثيل المسرحي السنوي الذي تجسده مجاميع تصور حادثة مقتل الحسين ورفاقه في عاشوراء وسبي آل بيت النبي من كربلاء إلى الشام، كما في العرض الذي يقام في ساحة قرية القديح (طريق الهدلة)، وتأتيه الحشود لمشاهدة العرض التقليدي. غير أن العقدين الأخيرين شهدا تطورا كبيرا في نوعية الفنون المقدمة، فمن معارض التصوير الضوئي التي يشارك فيها فنانون فوتوغرافيون سعوديون وتعرض صورا ملتقطة من الحياة العاشورائية في منطقة القطيف والأحساء، إلى المعارض التشكيلية والعروض المسرحية والأفلام السينمائية المستلهمة من أجواء محرم وقصة الحسين، دون أن ننسى معارض الكتب التي لا تقتصر على الكتب الشيعية التقليدية بل تلك التي تبيع كتب الأدب والفكر، من روايات ونقد وشعر وغيره، كما في ساحة القطيف، كل ذلك بجوار الرايات التي ترفع خلال شهر محرم وصفر لترمز لخصوصية الهوية الشيعية في السعودية.
متطوعون ورجال أمن
يلاحظ زوار المدن والبلدات الشيعية، الانتشار الكبير لما بات يعرف باللجان الأهلية، وهي عبارة عن لجان تضم شبانا وفتيات يقومون بتنظيم حركة السير والتفتيش الشخصي، على مداخل المساجد والحسينيات، لحماية المواطنين من دخول أي إرهابي محتمل، كما حدث في تفجير الدمام، وأخيرا في سيهات، حيث سقط من بين القتلى أحد المتطوعين، وهو الشاب أيمن العجمي لاعب فريق الخليج الرياضي، بعد أن هتف محذرا الرجال والنساء العابرين مطالبا إياهم بالتراجع والاحتماء خلف البيوت، قبل أن يجد نفسه أمام الإرهابي الذي وجّه له عدة طلقات أردته قتيلا.
اقرأ أيضاً: السعودية بين مواجهة الطائفية وحرية التعبير