تختلفُ أوجه الحياة اليومية في المدن والبلدات السورية المنكوبة. على الرغم من أكوام الحجارة ورائحة دماء الشهداء التي تعبق في أحيائها، يبقى هناك فسحة أمل صغيرة، عادةً ما يصنعُها الأطفال. منهم سليم الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره. يُنادي على المارة بصوته الرفيع لبيع بضاعته. لا يفكّر هذا الصبي بالبراميل المتفجرة والصواريخ. ربما لا يخشاها أيضاً. يجولُ سليم في شوارع مدينة حلب (شمالي سورية)، جاراً عربته الصغيرة أمامه. وضع عليها كتباً ودواوين رياض الصالح الحسين، وأشرطة كاسيت لشادي جميل وأم كلثوم وغيرهما. تجد أيضاً "حنفية" مياه صدئة وثياب داخلية رجالية ونسائية، وبعض الخردوات.
ينتظرُ قدوم الزبائن ويتأمّل وجوه المارة التي أنهكتها الحرب. يقول لـ "العربي الجديد" إن "كثيراً من أصدقائه تركوا المدرسة لمساعدة أهلهم. "لكنّني فضلت العمل والدراسة في وقت واحد. أذهب إلى المدرسة صباحاً، وبعد استراحة غداء قصيرة، أنزل إلى الشارع وأدور في حارات البلدة". يبيعُ أي قطعة بمائة ليرة سورية (نحو ثلاثين سنتاً). يقول إن "الأرباح قليلة.
في نهاية كل يوم، أجمع ما بين 300 إلى 500 ليرة سورية فقط، وهو مبلغ بالكاد يكفي لشراء القليل من الخضرة والغذاء، لأن تجار الأزمات هم الذين يتحكمون بأسعار السوق".
لا يرغب سليم بمغادرة حلب والتوجّه إلى تركيا على غرار أحد أصدقائه. يقول: "لا أحد يستطيع حرماني من بلدي، حتى إذا قُصف منزلنا. داخل عربتي صندوق صغير، سأنام في داخله لو حصل شيء". كثيرة هي العربات الملونة في شوارع سورية. تبدو صورة مختلفة عن الدمار والقتل والمجازر المرتكبة على أيدي قوات النظام والمجموعات المتطرفة على حد سواء، التي أنهكت الأهالي. مع ذلك، يحاولون الاستمرار.
في الجهة الأخرى من ريف المدينة، وأمام أحد الجوامع، يقف أبو عبدو، وهو رجل خمسيني أسمر البشرة وبشوش الوجه. كثيراً ما يردّد أغنيات من تأليفه. يتغزّل بالباذنجان والخيار وغيرها من الخضرة والفاكهة التي تحويها عربته الصغيرة. هكذا يجذبُ الأهالي لشراء بضاعته. لدى مرورك أمام عربته الخشبية، تشمّ رائحة الريحان والأعشاب العطرية، لتنسى أنك في مدينة مدمرة.
قبل نحو عام ونصف العام، قصفت مروحية تابعة للنظام السوري محل الأحذية الذي كان يملكه في ريف حلب. فما كان منه إلا البحث عن عمل بسيط يؤمن له ولأسرته شيئاً من مستلزمات الحياة. يضعُ أبو عبدو إبريق الشاي أمامه، ويملأ كوبه بأربع ملاعق من السكر. يحركها جيداً قبل أن يقول: "عشنا أوضاعاً صعبة لم نتخيل يوماً أننا يمكن أن نعيشها. داخل كل منا آلاف القصص المأساوية. أغلقت جميع الأبواب في وجهنا. وزادت معاناتنا بعد تعرض منزلنا لقذيفة صاروخية أدت إلى تضرر سقف إحدى الغرف. وحتى اليوم، لم نستطع ترميمها. نخفف عن أنفسنا ونقول إن هذه الفتحة قد تخفف من حر الصيف".
يضيف "في الحرب، لا بد من استغلال كل ما هو متوفر. حوّلنا حديقة المنزل الريفي إلى بستان صغير، تزرعُ فيه زوجتي بعض الكوسا والباذنجان والبندورة وغيرها من الأعشاب كالنعناع والبقدونس. أما أنا، فأبيعها بالإضافة إلى أشياء أخرى أشتريها من التجار".
زبائن أبو عبدو فقراء مثله. الحرب ساوت بين الناس. في السياق، يقول الناشط حسان تقي الدين لـ "العربي الجديد" إن "غالبية العائلات في المدن الثائرة فقدت أعمالها بسبب الصراع الدائر منذ خمس سنوات، وكان ذلك نتيجة القصف المتواصل، أو عدم قدرة صاحب العمل على تأمين بضاعته. كما أن بعض المهن تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء المقطوعة منذ سنتين ونصف السنة".
هكذا، كان لا بدّ للأهالي المتضررين من البحث عن وسائل أخرى لتأمين المال، على أن تكون أكثر أمناً في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. من هنا، انتشرت ظاهرة البائعين المتجولين بشكل كبير. يُزاول الجميع المهن القديمة، حتى الأطفال والنساء والمسنون. من جهة أخرى، تتكفّل عدد من الجمعيات بالعائلات الأكثر فقراً، من خلال مساعدتهم على إدارة مشاريع صغيرة، على غرار عربات لبيع مختلف المنتجات، في محاولة لتأمين مصدر رزق دائم لهم. منها الجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين في دوما التي تأسست عام 1960، علماً أنها تنشط في الغوطة الشرقية.
في السياق، يُشير مدير العلاقات العامة زين الدين العطار إلى أهمية العمل من أجل الإنسان. "نحاول التوجه إلى شريحة واسعة لطالما عانت من التهميش والظلم في مجتمعنا، وخصوصاً تلك التي تضررت بسبب القصف، بالإضافة إلى الأشخاص المعوقين، ومحاولة إعادة دمجهم في المجتمع". ويرى أن الهيئات الإغاثية لا تلبي في أفضل الأحوال 15 في المائة من الاحتياجات. "لذلك قررنا إعادة إحياء المشاريع البسيطة، وإطلاق مشروع باب رزق حسن الذي شمل 20 عائلة". ويلفت إلى أن "هناك تحسناً واضحاً في الوضع المعيشي والنفسي للمتضررين، وانخفاض الطلب على المساعدات بنسبة 40 في المائة، إذ تلاقي تلك المشاريع إقبالاً كبيراً". يضيف: "يبقى الحصار الذي يعرقل عملنا".
إقرأ أيضاً: الإعاقة تهدد جيلاً كاملاً في سورية
ينتظرُ قدوم الزبائن ويتأمّل وجوه المارة التي أنهكتها الحرب. يقول لـ "العربي الجديد" إن "كثيراً من أصدقائه تركوا المدرسة لمساعدة أهلهم. "لكنّني فضلت العمل والدراسة في وقت واحد. أذهب إلى المدرسة صباحاً، وبعد استراحة غداء قصيرة، أنزل إلى الشارع وأدور في حارات البلدة". يبيعُ أي قطعة بمائة ليرة سورية (نحو ثلاثين سنتاً). يقول إن "الأرباح قليلة.
في نهاية كل يوم، أجمع ما بين 300 إلى 500 ليرة سورية فقط، وهو مبلغ بالكاد يكفي لشراء القليل من الخضرة والغذاء، لأن تجار الأزمات هم الذين يتحكمون بأسعار السوق".
لا يرغب سليم بمغادرة حلب والتوجّه إلى تركيا على غرار أحد أصدقائه. يقول: "لا أحد يستطيع حرماني من بلدي، حتى إذا قُصف منزلنا. داخل عربتي صندوق صغير، سأنام في داخله لو حصل شيء". كثيرة هي العربات الملونة في شوارع سورية. تبدو صورة مختلفة عن الدمار والقتل والمجازر المرتكبة على أيدي قوات النظام والمجموعات المتطرفة على حد سواء، التي أنهكت الأهالي. مع ذلك، يحاولون الاستمرار.
في الجهة الأخرى من ريف المدينة، وأمام أحد الجوامع، يقف أبو عبدو، وهو رجل خمسيني أسمر البشرة وبشوش الوجه. كثيراً ما يردّد أغنيات من تأليفه. يتغزّل بالباذنجان والخيار وغيرها من الخضرة والفاكهة التي تحويها عربته الصغيرة. هكذا يجذبُ الأهالي لشراء بضاعته. لدى مرورك أمام عربته الخشبية، تشمّ رائحة الريحان والأعشاب العطرية، لتنسى أنك في مدينة مدمرة.
قبل نحو عام ونصف العام، قصفت مروحية تابعة للنظام السوري محل الأحذية الذي كان يملكه في ريف حلب. فما كان منه إلا البحث عن عمل بسيط يؤمن له ولأسرته شيئاً من مستلزمات الحياة. يضعُ أبو عبدو إبريق الشاي أمامه، ويملأ كوبه بأربع ملاعق من السكر. يحركها جيداً قبل أن يقول: "عشنا أوضاعاً صعبة لم نتخيل يوماً أننا يمكن أن نعيشها. داخل كل منا آلاف القصص المأساوية. أغلقت جميع الأبواب في وجهنا. وزادت معاناتنا بعد تعرض منزلنا لقذيفة صاروخية أدت إلى تضرر سقف إحدى الغرف. وحتى اليوم، لم نستطع ترميمها. نخفف عن أنفسنا ونقول إن هذه الفتحة قد تخفف من حر الصيف".
يضيف "في الحرب، لا بد من استغلال كل ما هو متوفر. حوّلنا حديقة المنزل الريفي إلى بستان صغير، تزرعُ فيه زوجتي بعض الكوسا والباذنجان والبندورة وغيرها من الأعشاب كالنعناع والبقدونس. أما أنا، فأبيعها بالإضافة إلى أشياء أخرى أشتريها من التجار".
زبائن أبو عبدو فقراء مثله. الحرب ساوت بين الناس. في السياق، يقول الناشط حسان تقي الدين لـ "العربي الجديد" إن "غالبية العائلات في المدن الثائرة فقدت أعمالها بسبب الصراع الدائر منذ خمس سنوات، وكان ذلك نتيجة القصف المتواصل، أو عدم قدرة صاحب العمل على تأمين بضاعته. كما أن بعض المهن تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء المقطوعة منذ سنتين ونصف السنة".
هكذا، كان لا بدّ للأهالي المتضررين من البحث عن وسائل أخرى لتأمين المال، على أن تكون أكثر أمناً في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. من هنا، انتشرت ظاهرة البائعين المتجولين بشكل كبير. يُزاول الجميع المهن القديمة، حتى الأطفال والنساء والمسنون. من جهة أخرى، تتكفّل عدد من الجمعيات بالعائلات الأكثر فقراً، من خلال مساعدتهم على إدارة مشاريع صغيرة، على غرار عربات لبيع مختلف المنتجات، في محاولة لتأمين مصدر رزق دائم لهم. منها الجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين في دوما التي تأسست عام 1960، علماً أنها تنشط في الغوطة الشرقية.
في السياق، يُشير مدير العلاقات العامة زين الدين العطار إلى أهمية العمل من أجل الإنسان. "نحاول التوجه إلى شريحة واسعة لطالما عانت من التهميش والظلم في مجتمعنا، وخصوصاً تلك التي تضررت بسبب القصف، بالإضافة إلى الأشخاص المعوقين، ومحاولة إعادة دمجهم في المجتمع". ويرى أن الهيئات الإغاثية لا تلبي في أفضل الأحوال 15 في المائة من الاحتياجات. "لذلك قررنا إعادة إحياء المشاريع البسيطة، وإطلاق مشروع باب رزق حسن الذي شمل 20 عائلة". ويلفت إلى أن "هناك تحسناً واضحاً في الوضع المعيشي والنفسي للمتضررين، وانخفاض الطلب على المساعدات بنسبة 40 في المائة، إذ تلاقي تلك المشاريع إقبالاً كبيراً". يضيف: "يبقى الحصار الذي يعرقل عملنا".
إقرأ أيضاً: الإعاقة تهدد جيلاً كاملاً في سورية