وفي هذا السياق، أوضح وزير عراقي بارز مقرّب من رئيس حكومة تصريف الأعمال حيدر العبادي، أنّ انتخاب مرشح "الاتحاد الكردستاني" برهم صالح كان بضغط إيراني ويمثل إقصاءً لمرشح مسعود البارزاني، فؤاد حسين، رغم تعهّدات سابقة له من كتل تحالف "البناء"، المدعوم إيرانياً، بانتخابه، ولكن تمّ التراجع عن هذه التعهدات قبل دخول البرلمان لجلسة التصويت. ولذلك استخدمت أربيل في تصريحاتها المتشنّجة عقب جلسة التصويت لبرهم صالح عبارة "الغدر"، بحسب الوزير، الذي بيّن في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ انسحاب الحزب "الديمقراطي الكردستاني" من الجلسة "كان باتصال هاتفي من مسعود البارزاني نفسه".
وبالنسبة لتكليف عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، أوضح الوزير أنّ ذلك نتج عن "اتفاق بين تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وبمباركة النجف وقبول إيران"، مشيراً إلى أنّ النجف دعمت تكليف عبدالمهدي "لسبب رئيس واحد، وهو أنه شخصية لها علاقات جيّدة مع إيران، كما أنّها غير متقاطعة مع الأميركيين، وهو ما تريده إيران على أقلّ تقدير، أي رئيس حكومة لا يختلف معها".
وأكّد الوزير أنّ الحكومة المقبلة "ستكون حكومة خدمية موجهة للداخل"، خاتماً بالقول: "بالنسبة للأميركيين لا بديل إلا التعامل مع عبدالمهدي، رغم أنّ واشنطن دعمت عدّة أشخاص غير حيدر العبادي، ليس من بينهم الرئيس المكلّف أخيراً، وذلك بعد تيقّنها بصعوبة تجديد الولاية للعبادي. ومن بين الأسماء قائد معركة تحرير الموصل عبد الوهاب الساعدي، والوزير السابق علي علاوي".
وفي إشارة إلى الدور الإيراني في الاستحقاقات الأخيرة، اعتبر عضو البرلمان السابق مشعان الجبوري، أنّ إيران "حقّقت نصراً آخر" في العراق. وقال الجبوري في تغريدة له على تويتر: "بعد فوز مرشحها محمد الحلبوسي برئاسة البرلمان، فإنّ إيران حقّقت نصراً آخر بفوز مرشّح حليفها التاريخي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برهم صالح بمنصب رئاسة الجمهورية".
ولا يبدو عقب انتهاء عهد "حزب الدعوة" في الإمساك بزمام الحكم في البلاد منذ 13 عاماً، أنّ الآتي سيكون مريحاً ومقبولاً على المستوى السياسي في إدارة الدولة، وكذلك على المستوى الشعبي بالنسبة لغالبية العراقيين العازفين عن منح الثقة لساسة البلاد. فالتوافق السياسي بشأن تشكيلة الحكومة المقبلة، سيبقى معتمداً على ترشيحات الأحزاب العراقية لأسماء تراها موالية، وتضمن حصصها من المكاسب وتحافظ على مصالحها.
ويؤكّد سياسيون ومراقبون أنّه سيتم اختيار الوزراء وفق نظام المحاصصة الطائفية، لكن بشكل مُقنّع من خلال تقديم أسماء شخصيات ذات اختصاصات معينة وتحمل شهادات عليا، وذلك لاعتبار الحكومة حكومة تكنوقراط. وهو ما يعني بطبيعة الحال العودة للمربع الأول من خلال استمرار الأحزاب في إدارة شؤون الوزارات الخدمية والسيادية طبقاً لنظام "المحاصصة" الحزبية والطائفية.
وبحسب القانون العراقي، فإنّ أمام رئيس الحكومة الجديد مدة 30 يوماً لتقديم وزرائه والبرامج الوزارية "مكتوبةً"، وعرض ذلك على مجلس النواب للتصويت. وإذا حازت تشكيلته على موافقة المجلس، يتم أداء قسم اليمين الدستوري في قاعة البرلمان من قبل رئيس الحكومة والوزراء الجدد. أمّا إذا أخفق عبدالمهدي وتجاوز التوقيت الدستوري المحدد، أو لم يحصل على ثقة البرلمان، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة.
إلى ذلك، قالت مصادر من مدينة النجف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المرجعية الدينية (المتمثّلة بعلي السيستاني) أمهلت عبدالمهدي فترة سنة ونصف السنة، في سبيل المضي بتحقيق تقدّم سياسي وتنفيذ برنامج حكومي خدمي". وأوضحت أنّ المرجعية "أكّدت على ضرورة تنفيذ برامج خدمية تنقذ العراقيين، ولا سيما المتضررين من تنظيم داعش من اليتامى والمنكوبين، بالإضافة إلى رعاية ملف البصرة وأزمة المياه فيها، والبدء بفتح ملفات الفاسدين في الحكومات السابقة"، مضيفةً أنه في حال عدم استطاعته (عبدالمهدي) تحقيق التقدّم في أي من هذه الملفات، خلال الفترة المحددة، "سيكون عليه أن يقدّم استقالته أمام مجلس النواب ويعتذر للعراقيين".
وفي الإطار ذاته، رأى النائب السابق في البرلمان العراقي، محمد الصيهود، أنّ "الخطوات التي تسير عليها الأحزاب في تشكيل الحكومة تعتبر جيّدة إلى الآن، لا سيما أنّها مضت باتجاه صحيح، سواء في ما يتعلّق باختيار رئيس مجلس النواب أو الجمهورية، ومن ثم اختيار رئيس الحكومة. مع العلم أنّ هذه الخطوات كانت بمعارضة من أحزاب كبيرة، ما زالت تتمسّك بالمحاصصة الطائفية والحزبية في إدارة البلد".
ولفت الصيهود في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "المرحلة الجديدة تستدعي أن تعطي فيها الأحزاب المشاركة في العملية السياسية مساحة واسعة لعبدالمهدي لاختيار وزرائه بعيداً عن المحاصصة، علماً أنّ هذا الأمر سيشكّل أزمةً قريباً، لأنّ كل الكتل السياسية الشيعية التي تخلّت عن منصب رئيس الوزراء تريد الآن الاحتفاظ بمناصب وزارية مهمة وفق الاستحقاقات الانتخابية". وتابع أنّ "العراق لن يستطيع التخلّص من مشكلة المحاصصة والتوافق السياسي بين الأحزاب على أساس المصالح، في هذه المرحلة على الأقل"، مشدداً على أنّ "البلاد بحاجة إلى الدفع بشخصيات كفوءة ونزيهة وبعيدة عن التحزّب، والمهمة الملقاة على عاتق عبدالمهدي ستكون صعبة، في ظلّ الضغوط السياسية التي بدأت الأحزاب بممارستها".
من جانبه، بيّن عضو ائتلاف "دولة القانون" التابع لنوري المالكي، سعد المطلبي، أنّه "من غير المنطقي رمي الفشل الذي لحق بالحكومات السابقة على حزب الدعوة وحده، لأنه لم يكن حاكماً بمفرده، إنما كان حزباً ضمن مجموعة أحزاب تشارك في الحكم". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "عبدالمهدي عقد اتفاقاً مع الأحزاب السياسية بشأن اختيار التشكيلة الوزارية، وخلال الأيام المقبلة ستتضح حقيقة هذا الاتفاق"، مضيفاً "نحن في ائتلاف دولة القانون تركنا الحرية الكاملة لرئيس الحكومة الجديد في اختيار وزرائه، ولكننا سنقدّم مجموعة أسماء له، ويبقى الاختيار من صلاحيته، فيمكنه الاختيار من الأسماء أو رفضها جميعاً".
بدوره، رأى عضو حزب "القرار"، طامي أحمد، أنّ "ما بُني على باطل فهو باطل"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الأحداث السياسية التي مرّت على البلاد في الأشهر الأخيرة، مليئة بالخروقات والتجاوزات على الدستور والفساد وتزوير وسرقة أصوات انتخابية، وبالتالي فإنّ مخرجات هذه المهزلة حتماً ستكون في صالح الأحزاب التي صنعت الفساد وتعمل به لحدّ الآن". وتابع قائلاً "الكلّ يعلم كيف تمّت عملية اختيار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عبر شراء أصوات النواب وتمرير صفقات مشبوهة، وهي الطريقة نفسها التي تمّ عبرها اختيار رئيس الجمهورية، مع الحصول على رضا أجنبي على تسمية الأخير وانتخابه".
ولفت أحمد إلى أنّ "عادل عبدالمهدي لن يتمكّن من تشكيل الحكومة بإرادته، إنما سيكون أثر الأحزاب واضحاً على كلّ تحركاته اختياراته، وستعود المحاصصة الطائفية والحزبية مجدداً، ومن المستحيل اختيار وزراء وفق المعايير المهنية ووفق ما يحتاجه العراقيون".
وتعليقاً على التطورات السياسية نفسها، أوضح المحلّل السياسي العراقي واثق الهاشمي، أنّ "عبدالمهدي سيشكّل الحكومة ولن يتجاوز الدستور، لأنه مرشّح تسوية ولا خلاف على تنصيبه، ولكنه لن يتمكن من تحقيق أحلام العراقيين"، مبيناً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "التوافق السياسي بين الأحزاب ما زال هو السائد، فضلاً عن غياب مفهوم المعارضة الذي كانت تهدّد به أحزاب سياسية، فالجميع يريد أن يحكم وينول مكاسب ومغانم، وما زال النفوذ الخارجي والتأثير على القرار العراقي قوياً".
وكشف الهاشمي أنّ "عبدالمهدي لم يصبح رئيساً للوزراء إلا بعد أن وافق على إملاءات وشروط من قبل أحزاب شيعية وكردية وسنية، وبالتالي لن يستطيع أن يختار وزراءه بحرية، الأمر الذي سيدخله في نفق عدم الصلاحية، وسيكون أقلّ من أن يتمكّن من إقالة مسؤول سيئ"، موضحاً أنّ "المعارضة التي هدّدت بها أحزاب عراقية، باتت اليوم أقرب إلى الحلم، وبالتالي فإنّ الحكومة التي لا معارضة سياسية فيها تكون فاشلة ومؤذية للمواطنين".