عائلة التفاح: مُلكية الرتابة

06 مايو 2015
من العرض (تصوير: سارا كرولويتش)
+ الخط -

يتداخل الكلام عن الحرب مع تحضير العشاء، الأحاديث العائلية والملاطفة مع فقدان الذاكرة والنكات، تذوق طعام جديد مع الاعترافات وأخبار الإرهاب في سهرة واحدة. هذا ما يحدث يومياً في جلساتنا العائلية والحميمة المتكررة، ومن الممكن لهذه المواضيع كلّها أن تكون أحاديث عابرة.

ليس مهماً الوصول إلى نتائج وقناعات راسخة في المواضيع التي تتحدث عنها أي عائلة، ما يهم هو القدرة على التكلم والتواصل. هذا ما يطرحه الكاتب والمخرج الأميركي ريتشارد نيلسون في "عائلة التفاح" العرض الذي قُدّم على "مسرح شاوبونه" ضمن فعاليات "المهرجان الدولي للدراما الجديدة".

تمتد مسرحية "عائلة التفاح" عشر ساعات تقريباً، فهي أربع مسرحيات متتالية: "عن ذاك الأمل والتغيير"، "لطيف وحزين"، "أعتذر"، "الغناء المعتاد". الشخصيات في العروض الأربعة هي نفسها، تجتمع في البيت نفسه، ولكن في أزمنة مختلفة.

يربط المخرج كل مسرحية بحدث تاريخي وسياسي؛ فتلتئم العائلة في العرض الأول عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي عام 2010، وفي الذكرى العاشرة لأحداث 11 أيلول في العرض الثاني، وعند انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2012 في الثالث، وفي الذكرى الخمسين لاغتيال كندي في الرابع.

الشخصيات لعائلة مكوّنة من ثلاث أخوات وأخ، وصديق إحدى الأخوات والعم الذي يعاني من ضعف في الذاكرة. بربارة وماريان أختان تسكنان في بيت واحد، وتقوم بقية الشخصيات بزيارتهن من وقت إلى آخر. تجتمع العائلة في سهرة عادية، ولكن نيلسون يحدد ما سنشاهده في مسرحياته من خلال ربط الحياة اليومية المعتادة بأحداث أو ذكريات سنوية مرتبطة بالشأن العام والقضايا الكبرى.

يمرّ الحديث بشكل عفوي عن الفترة الزمنية التي يجري فيها العرض، فالحديث عن انتخابات أوباما هو مجرد حديث عابر في السهرة العائلية. هناك سنة بين كل مسرحية وأخرى، ولكن لا يقابل تسلسل الأحداث التاريخية تسلسلاً في أحاديث "عائلة التفاح".

من الممكن أن يكون حديثهم عشية انتخابات الكونغرس هو نفسه الحديث الذي دار السنة الفائتة، مزيج من التذكّر، والنميمة، والنقاشات السياسية، والنكات، والاعترافات العصابية، والمراعاة، ولا يصل أي حديث إلى مبتغاه، لتبدو هذه اللقاءات هذراً. المبتغى الوحيد هو رغبة أفراد العائلة بالتواصل والتواجد وعدم الانقطاع عن بعضهم بعضاً.

تعاني الشخصيات لتجد ما تتكلم عنه، وتشتكي من عدم قدرتها على البدء بحديث جدير بالاجتماع العائلي. يبدو الجميع كشخصيات مستلبة من قدرتها على القيام بأي فعل، كل ما تملكه هو أفعالها اليومية البسيطة والرتيبة ومحاولاتها لتلطيف الحياة قدر المستطاع. وعلى خلاف شخصيات تشيخوف تعي شخصيات نيلسون شحّ الحياة من حولها ولا يفاجئها انحسار الخيارات أمامها، فتمضي وقتها بمحاولات التمسك بعلاقاتها وزرع حياة ما في الرتابة.

يحضر الكلام كعنصر رئيسي في المسرحيات الأربع، وتقتصر الأفعال على تفاصيل يومية كتحضير الطاولة لتناول الطعام أو خروج إحدى الشخصيات للتدخين. وحده الحيوان المنزلي هو من يقوم بفعل ما عندما يكسر أدوات المطبخ ليقطع هذر الشخصيات.

وأمام انحسار الأفعال، تغيب المفاجأة عن حياة هذه العائلة، ولكنهم لا يشتكون بل تسعى الشخصيات مع بداية كل مسرحية إلى تحضير مفاجأة ما. فيدخل الأخ خلسة ليفاجئ أخته الكبرى، ولكنها تفزع عندما تراه وتوبخه، أو يفسد العم مفاجأة أخرى بسبب ضعف ذاكرته. النوايا طيبة دائماً، ولكن الأفعال ناقصة.

ينقل ريتشارد نيلسون لنا ماذا حدث ويحدث في البيوت الأميركية خلال هذه المفاصل السياسية الهامة. نعرف جميعاً ردود أفعال السياسيين، ونتائج الانتخابات، وما تنقله الميديا، ولكننا لا نعرف فعلاً ما يحدث داخل بيوت العائلات الأميركية وأسئلتها عن القضايا الكبرى ضمن حميمتها اليومية.

يتساءل ريتشارد إن كانوا قد انتخبوا أوباما ليرتاح ضميرهم فقط، وتتساءل بربارة لماذا قدمت الحكومة الأميركية المساعدات لضحايا 11 أيلول دون سواهم من الكوارث الأميركية، كضحايا أوكلاهاما. لا إجابات محددة عن هذه المواضيع، ومن الممكن للاستطرادت أن تقود الحديث إلى الحديث عن أوسكار وايلد أو انفصال ريتشارد عن زوجته.

تُطرح حميمية الشخصيات وعلاقاتها ويومياتها بتلقائية مميزة في المسرحيات الأربع، ويلتف الجمهور حول الخشبة من ثلاث جهات، لتصبح مشاهدة المسرحية تلصصاً على حميمية العائلة. ورغم عدم وجود أحداث درامية في حياة "عائلة التفاح" إلا أن نيلسون يقدّم مجموعة من الأفراد الذين يمضون حياتهم كما هي الحياة.

تتحلى المسرحيات الأربع بحرفية عالية في نقل هذه الحياة تماماً كما نعيشها نحن. وبالإضافة إلى سلاسة النص وقدرته على الاستطراد الطبيعي، يقوم الممثلون الستة بعيش أدوراهم وكأنهم الشخصيات نفسها أو كأنهم ما نعيشه نحن.

الشخصية الغائبة هي آدم زوج مريان، الموجود في غرفة أخرى من غرف المنزل، ولكنه ميت. ترك آدم وصية يصف فيها كيف ستجري مراسم دفنه. تنتهي المسرحية الرابعة والأخيرة عندما تتمرن الأخوات على غناء القداس.

تلتفت باربارة إلى الجمهور وتخبرنا أن ما شاهدناه في هذه المسرحيات طوال الساعات العشر الماضية هو حياتهم العادية. هذه الحياة، على حد تعبيرها، هي لماذا تعيش هذه الشخصيات، ثم تستدرك إن هذه الحياة هي كيف تعيش هذه الشخصيات بالذات.

دلالات
المساهمون