بعث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، برسالتين منفصلتين لكل من منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بشأن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع بلاده.
ونشرت المواقع الإيرانية الرسالة الموجهة لغوتيريس، إذ طالب ظريف بتحميل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ما ارتكبته بحق الاتفاق النووي، معتبرا أن "واشنطن انتهكت الاتفاق والقرار الأممي 2231 بشكل وقح"، على حد تعبيره.
وجاء في رسالة ظريف أنه "على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتحمل مسؤولية تصرفه غير المسؤول والأحادي الجانب، وهو ما يضعف من الأساليب الدبلوماسية في حل الخلافات"، مؤكدا أن طهران من طرفها ملتزمة بالاتفاق النووي، وهو ما أكدته تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيرا إلى أنه كان قد أرسل ما يقارب 12 رسالة للاتحاد الأوروبي المعني بالإشراف على اللجنة المشتركة للاتفاق، وكلها تطرقت إلى عدم تطبيق واشنطن لما عليها من تعهدات، وشرح لغوتيريس ما تضمنته تلك الرسائل.
من روسيا إلى بروكسل
وكان ظريف قد أنهى اجتماعاته التي عقدها مع المعنيين في موسكو، ومنهم نظيره الروسي سيرغي لافروف، وتوجه إلى بروكسل، المحطة الثالثة في الجولة التي بدأها أمس الأحد من الصين، للتشاور حول الضمانات التي تستطيع الأطراف الباقية في الاتفاق النووي بعد انسحاب أميركا منحها لإيران بما يحفظ مصالحها.
وكتب ظريف، في تغريدة على "تويتر" بعد اجتماعات موسكو: "سنعرف قريبا كيف ستضمن دول 4+1 مصالح إيران في الاتفاق لتحافظ على حياة هذا الإنجاز الدبلوماسي الاستثنائي".
وفي تصريحات صحافية على هامش اجتماعاته الإثنين، ذكر ظريف أن الجلسات مع الأطراف الأوروبية الثلاثة على مستوى الخبراء قد بدأت في بروكسل بالفعل، بحضور مساعده عباس عراقجي، وأضاف أن "هذه الأطراف طرحت خيارات عدة للتعاون في قطاعات مختلفة"، موضحا أنه سيبحث ذلك في بروكسل غدا الثلاثاء.
واعتبر وزير الخارجية الإيراني أن المحادثات ما زالت في بدايتها، وأكد أنه طلب من موغريني تشكيل لجنة مشتركة جديدة للاتفاق دون أميركا، داعيا إلى عقد اجتماع بين أعضائها، قائلا إن "هذا منفصل عن المحادثات حول ضمانات الاتفاق"، وتوقع عقد اجتماعات تشمل إيران والأطراف الخمسة الموجودة في الاتفاق على مستوى وزراء الخارجية في وقت لاحق، مؤكدا ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي.
وعن الحوار مع الطرف الروسي، قال إنه كان "جزئيا ومؤثرا"، في إشارة إلى أن الجزء الصعب من هذه الجولة من المحادثات يخص الحوار مع الأوروبيين، إذ سيدور حول كيفية إيجاد آلية للتعامل الاقتصادي مع بلاده بوجود الضغط الأميركي، فالشركات الأوروبية والدولية متخوفة مما حصل.
وكان ظريف قد قال خلال لقائه لافروف إن انتهاك المعاهدات والاتفاقيات الدولية من قبل واشنطن أصبح عادة، مشيدا بالموقف الروسي الرامي إلى حفظ الاتفاق ودعم طهران، وهو ما يبعث على الأمل وما سيزيد من جلسات الحوار مع روسيا حول التفاصيل وكيفية تعاون الأطراف الخمسة الموجودة في الاتفاق.
من جهته، نقل وزير الخارجية الروسي أن موسكو تتفهم الموقف الإيراني، الذي يهدف إلى ضمان المصالح، مؤكدا أن "روسيا ستبقى في الاتفاق، وستفتح حوارا مع بقية أطرافه، والذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي، وقال إن "مصالحنا جميعا تكون في تحقق تعاون اقتصادي حر ومريح ودون تدخل أميركا".
اتصالات دبلوماسية
وفي السياق ذاته، ذكرت مواقع إيرانية أن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، اتصل بظريف، وبحثا معا المسائل المتعلقة بالاتفاق، قبيل وصول هذا الأخير إلى بروكسل، وأشارت إلى أن هاس أكد أن "ألمانيا بدأت تبحث مع الشركات المحلية والأوروبية سبل وضع آليات قد تساهم في الحفاظ على الاتفاق".
وعلى صعيد متصل، ذكر رئيس اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية والوزير الإيراني السابق، كمال خرازي، والموجود في فرنسا للمشاركة في مؤتمر حول السلام، إن "أمام الاتحاد الأوروبي خيارين، إما أن يستسلم لمطامع أميركا، أو يقف بوجهها ويثبت استقلاليته عنها".
ونقلت وكالة "فارس" عن خرازي قوله إن "الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحولا إلى جهات غير قادرة على اتخاذ القرارات"، معتبرا أن "انسحاب واشنطن من الاتفاق تجاهل كل القرارات الدولية".
وفي ما خص زيارة خرازي إلى فرنسا، كان جيسون اوزبورن، وهو أحد مستشاري ترامب السابقين، قد نشر صورا على "تويتر" لخرازي وقال إنه في باريس لعقد لقاء سري مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، لبحث مسائل الاتفاق، وهو ما نفته السفارة الإيرانية في فرنسا، فضلا عن مكتب لجنة العلاقات الخارجية.
لا تفاوض حول الصواريخ
ويركز بعض الساسة في الداخل الإيراني على مسألة عدم الثقة في الغرب، بينما يستمر ظريف بجولته، إذ قال رئيس السلطة القضائية، صادق آملي لاريجاني، إن "انسحاب ترامب من الاتفاق أفضل فرصة للتركيز على القدرات المحلية"، مؤكدا أن "أميركا غير أهل بالثقة".
وفي تصريحات نقلها موقع "تسنيم"، تابع لاريجاني أن "أميركا تسعى جاهدة إلى التخلص من النظام في إيران، كما تسعى مع الأطراف الأوروبية إلى إيجاد شرخ بين المسؤولين والشارع"، مشددا على أن بلاده لن تفاوض الآخرين حول قدراتها الدفاعية ولا الصاروخية، ورأى أن "هناك ضغطا على إيران لترضخ لهذه المعادلة، وهو ما لن يحصل"، بحسب قوله.
نجاد يثير بلبلة جديدة
إلى ذلك، أثار قول الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، إنه لم يكن موافقا على المفاوضات السرية التي جرت في عهده بين إيران وأميركا في سلطنة عمان بلبلة جديدة في إيران، وجرّ عليه انتقادات حادة.
ونشر موقع "تسنيم" اليوم حوارا مع السفير الإيراني السابق في مسقط، حسين نوش أبادي، والذي كشف عن تفاصيل تتعلق بذلك الحوار، نافيا صحة ما جاء على لسان نجاد، وتساءل "كيف يمكن قبول ادعاء من هذا القبيل طالما أنه كان مخالفا ولم يمنع حصول هذه المفاوضات التي قام بها مسؤولون في حكومته؟".
وأعطى نوش أبادي توضيحات حول تلك المفاوضات، التي دارت خلف أبواب مغلقة حول النووي الإيراني، فذكر أن "العلاقات بين طهران ومسقط جيدة، وسلطنة عمان تلعب دورا لإنهاء التوتر الإقليمي والدولي، والمشاورات بين الطرفين كانت وما زالت قائمة".
وأكد السفير الأسبق أن تلك المفاوضات أجريت في العامين الأخيرين من الدورة الرئاسية الثانية لأحمدي نجاد، والتي انتهت في 2013، ويمكن القول إن بدايتها كانت مع زيارة للمسؤول القنصلي والبرلماني في الخارجية الإيرانية في العام 2011، والذي دخل في حوار غير رسمي مع مستشار السلطان قابوس بن سعيد.
وتابع نوش أبادي أن أميركا كانت قد أوصلت عبر السلطنة رسالة إلى المسؤولين الإيرانيين في الداخل، فنقلت أنها راغبة في التفاوض حول النووي بضيافة ووساطة مسقط، وهي الرسالة التي كشف عنها وزير الخارجية السابق علي أكبر صالحي، ونشرت تفاصيلها بعد ذلك، مؤكدا أن "المرشد الأعلى علي خامنئي رفض العرض الأميركي المتعلق بفتح حوار مباشر كونه لا يمكن الثقة في واشنطن".
وتابع أن "المرشد وافق مع وضع شروط بعد عقد مشاورات"، إذ اشترط أن يكون الحوار حول النووي وحسب، وألا يتطرق للعلاقات السياسية بين الطرفين، كما طلب ألا تكون المحادثات بتمثيل رفيع، ولا على مستوى الوزراء، وأضاف أن حكومة أحمدي نجاد أوصلت رسالة للسلطنة في العام 2011، نقلت خلالها موافقة وشروط البلاد.
وفي السياق ذاته، رد الوكيل الأسبق في الخارجية الإيرانية، حسين شيخ الإسلام، على ما جاء على لسان نجاد، قائلا هو الآخر إن ما طرحه الرئيس السابق ينافي الحقيقة، بل أكد أن نجاد "كان على عجلة من أمره للبدء بهذا التفاوض"، بحسب ما نقل عنه موقع "تسنيم" أيضا.
وكان شيخ الإسلام حينها مساعدا لرئيس البرلمان، ومدير الدائرة الدولية في مجلس الشورى الإسلامي، وقال إنه كان على اطلاع بما يجري، وإن هذه المفاوضات لاقت دعم أحمدي نجاد نفسه، حتى إنه طلب من مسؤوليه في وزارة الخارجية حضورها، مؤكدا أن "بعض المسؤولين الحاليين في الخارجية الإيرانية كانوا ضمن الوفد الذي أرسله الرئيس السابق إلى مسقط".
كما ذكر الوكيل الأسبق في الخارجية الإيرانية أن مساعد أحمدي نجاد اسفنديار رحيم مشائي، المعتقل حاليا، كان قد عرّف نفسه على أنه ممثل الحكومة في الدائرة الخليجية، ووصل محضر المفاوضات إلى المعنيين، فأكد أنه واجه مشائي بما فعله، كونه عرف عن نفسه بمنصب لم يكن يشغله أساسا.
غير أن شيخ الإسلام أنهى حديثه بالقول إنه "لربما لم يكن نجاد موافقا في تلك المرحلة على المفاوضات السرية، لكن مشائي التقى بوزير الخارجية الألماني، وعبّر له عن الترحيب بعقد مباحثات مع أميركا، ما يعني أن حكومة الرئيس السابق لم تكن تمانع في ذلك".
وكان أحمدي نجاد قد نشر في مواقع موالية له أنه كان معترضا على عقد مفاوضات مع أميركا في عمان، وأنه طلب فرصة لستة أشهر لحل تبعات العقوبات الاقتصادية، إلا أن مسؤولين في البلاد رفضوا ذلك.
واعتبر أن التطور الذي أحرزه برنامج إيران النووي كان في زمن حكومته، منتقدا ما فعلته حكومة الاعتدال الحالية التي اتبعت الطرق الدبلوماسية ووصلت للاتفاق النووي، واصفا إياه بـ"الإنجاز الاستثنائي المزيف".
وكان الرئيس الحالي لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية ووزير الخارجية السابق، علي أكبر صالحي، قد أكد في وقت سابق أن أحمدي نجاد لم يكن رافضا المفاوضات بشدة، "لكنه أبدى تحفظا عليها بالفعل".