طيور في المطار.. الجرائم البيئية أسوأ حلول حماية الطائرات

31 يناير 2017
عداوة مستمرة (أندرو كاباليرو رينولندز/ فرانس برس)
+ الخط -

مع بداية العام الجاري لفتت الأنظار قضية انتشار الطيور بالقرب من مطار بيروت الدولي، خصوصاً بعد اتخاذ قرار بقنصها بدعوى خطرها على الطائرات. لكن، ما المطلوب فعلاً لحماية الطائرات والطيور معاً؟

بين الطيور والطائرات عداوة، لأسباب تتعلق بتوفير السلامة للإنسان. فالطائرات تتضرر من الطيور في حال شفطتها محركاتها في الأجواء وعلى الأرض. هي عداوة واضحة تجاه الطيور بالرغم من أنّ الأخيرة أعطت شكلها وتركيبتها للطائرات. فللطائرة شكل انسيابي كالطائر، وترفع عجلاتها بالطريقة التي تضمّ فيها الطيور أرجلها إلى بطنها، وللطائرة خفة وزن على شاكلة الطيور التي تتميز بعظام فارغة جوفاء مليئة بالهواء.

منذ الأيام الأولى للطيران شهدت الأجواء حوادث اصطدام بين الطيور والطائرات أدى بعضها إلى نتائج مميتة. الحوادث تسببت بها طيور كبيرة الحجم أو كثيرة العدد أو تطير على ارتفاع عالٍ يوازي خط ارتفاع الطائرات. لكن، هناك مطارات وفرت للطيور المأكل والمشرب والمسكن والمربض على أرض المطار وعلى جوانب المدرجات، مرتكبة بذلك أخطاء أدت أو كادت تؤدي إلى مجازر بحق الإنسان والطيور على حدّ سواء. أما في السماء فإنّ حلول المحركات النفاثة مكان المروحية وتزايد كثافة الطائرات على ارتفاعات مختلفة وتدخل تغير المناخ في نمط الهجرة، أدى كله إلى زيادة عدد الحوادث. فهل الحلول لذلك تعني أنّه يجب على الإنسان إبادة الطيور المتسببة بحوادث الطيران؟ طبعاً الجواب هو لا، طالما أنّ الحلّ الأول الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو معالجة سبب كلّ حادث وتجنبه في باقي المطارات والأجواء.

قوانين

الخطوات التي أقدمت عليها سلطات مطار بيروت في تكليف صيادين بقنص طيور النورس القريبة من المطار، تحيلنا إلى الواقع القانوني لمثل هذه الإجراءات. يبيّن قانون الصيد اللبناني في المادة الرابعة منه أنّ في إمكان وزير البيئة إصدار تعليمات بقتل طيور يظهر أنها مضرّة بالزراعة والبيئة وذلك بعد استشارة المجلس الأعلى للصيد البري.

أما إتفاقية "أيوا" العالمية المعنية بحماية الطيور الأورو- آسيوية المائية المهاجرة، والتي انضم إليها لبنان منذ سنوات فقد تطرقت إلى موضوع سلامة الطيران في الملحق الثالث والجدول الأول حيث قسمت الطيور إلى فئات، منها ما لا يمكن التفكير بقتله أو حتى إزعاجه أو المساس به، ومنها ما يمكن قتل بعضه في ظل حماية علمية، أي بعد استنفاد كل الطرق السلمية (أي غير القتل) وبوجود اختصاصيين علميين كي لا يجري التعرض لغير الهدف، ومن أجل التأكد من أنّ العدد المسموح بالقضاء عليه لن يجري تجاوزه.

في هذا الإطار، علينا استخدام الطرق "السلمية" أولاً والتي ثبت أنّ لها فعالية طويلة الأمد، والعزوف في المقابل عن استخدام الوسائل المكلفة جداً مقارنة بنتائجها، وتجنب تلك التي لم يثبت تأثيرها على طرد أو إبعاد أو تنفير الطيور. كذلك، علينا أن نستخدم الوسائل الناجعة بطرق متوفرة، ومن ذلك أن نستخدم المنفرات الصوتية التي تؤدي أصوات نفس أنواع الطيور المراد إبعادها.




بلا فائدة

وللوسائل غير المفيدة التي يتوجب العمل على تجنب استخدامها حديث آخر. فقد جرب البعض استعمال الوميض الضوئي أو الوميض الشمسي، لكنّ ذلك لم يدفع بطيور النورس إلى الهروب بعيداً. كذلك، استخدم آخرون الأضواء الكاشفة ليلاً، فلم يؤدِّ ذلك إلاّ إلى جلب أعداد أخرى من الطيور المهاجرة التي يعرف عنها أنها تنجذب إلى الضوء. وفي الأيام التي لا يكون فيها هجرة، أي لا يكون هنالك طيور يجذبها الضوء، فإنّ استعمال الأضواء المسلّطة في الليل لإخافة طيور النورس يدفع الأخيرة إلى الطيران العشوائي الذي يشكل تهديداً للطيران الليلي في بعض الدول التي تسمح للطائرات بالعمل ليلاً. أما البعض الآخر فقد استعمل أشعة الليزر، لكنّها لم تؤدِّ المطلوب، خصوصاً أنها تفقد خصائصها في النهار.

جاء البعض بفكرة وضع خيال المآتة أي الفزّاعة (خشبة تجعل لها ملابس بالية تستخدم عادة في المزارع لإبعاد الغربان عن الحقول) على أرض المطار. فما كان من الطيور إلاّ أن استوعبت بسرعة أنّها حيلة، والدليل على ذلك أنّ الطيور باتت تقف على خيال المآتة نفسه من دون أيّ اكتراث به.

وفي بعض المطارات وُضعت طائرات ورقية بشكل صقور، وقد ربطت بخيط إلى رأس ما يشبه قصبة طويلة ما يجعلها تتحرك مع نسيم الهواء، فتظنّ الطيور أنّ هناك صقراً يقترب منها فتهرب. لكنّ هذه الحيلة لم تنطلِ طويلاً على الطيور. ثم جاء من اقترح استخدام الشرائط الملونة، خصوصاً الفضية منها، وهي التي يستخدمها بعض المزارعين لطرد الطيور، فنسمة الهواء تحركها بسهولة وشعاع الشمس البسيط يعطيها لمعاناً قوياً ينفر الطيور. لكن، لم يثبت بعد أنّ أيّاً من المطارات استخدم هذه الوسيلة أو أعطى رأيه بها.

من جهة أخرى، وضع بعضهم رسماً لعيون في المطارات على الأعلام والطائرات والأبواب والمباني، فما كان من الطيور التي فوجئت للوهلة الأولى بهذه العيون وخافت منها إلاّ أن اعتادت عليها بسرعة. ولا تختلف المدافع الصوتية (مدافع البروبان) عن رسم العيون لأنّها تكتشف من قبل الطيور على أنها غير مؤذية فلا تعيرها اهتماماً. أما استعمال ماكينات الذبذبة الما فوق الصوتية أو تحت الصوتية فليس مقبولاً لأنّه لم يثبت بعد تأثيرها في طرد الطيور وإبعادها. كذلك، جرى إثبات أنّ المواد الكيميائية التي استخدمت لتنفير الطيور لم تكن فعالة كما يجب.



حلول

أمام هذه المقاومة التي تبديها الطيور تجاه الخدع البشرية لا بدّ من اللجوء إلى وسائل ثبتت فعاليتها مثل تسجيل أصوات النورس التي يطلقها عندما يكون مرتعباً من وجود عدو طبيعي له، ومن ثم إسماعه له فيسارع إلى الهرب. أما تكرار الصوت فسيجعل النورس غير مقتنع به وبالتالي لن يصدقه، تماماً كما لم يصدق أهل القرية ذلك الراعي الذي صاح: "الذئب الذئب" فهرع الناس لمساعدته في المرة الأولى فلم يجدوا شيئاً، وفي المرة الثانية ولم يجدوا شيئاً. لكنّه في المرة الثالثة عندما جاء الذئب الحقيقي وهاجم خرافه وصاح مستنجداً لم يأبه به أحد.

ونظراً إلى تطور العلم فقد أصبحت الطائرة من دون طيار (درون) المموهة في شكل صقر أو عقاب بحري تعرفه كل النوارس وتهرب منه خوفاً، خصوصاً تلك المجهزة بآلة تسجيل صوت عقاب البحر مع مكبر. باتت هذه الآلة هي الأكثر فعالية في طرد الطيور غير المرغوب فيها. لكنّ نقطة ضعفها تكمن في أنّ العقبان الحقيقية لا تتورع عن مهاجمتها إذا ما شاهدتها. ويمكن للطائرات الصغيرة التي تطير بجهاز التحكم عن بعد (ريموت كونترول) أن تؤدي التنفير نفسه، إذ يهبط بها صاحبها فوق النوارس التي تهلع وتترك المكان.

لكنّ أفضل الحلول يكمن في إنهاء أو إزالة الأسباب التي تؤدي إلى تجمع الطيور بالقرب من المطارات أو عند مدرجاتها. أول هذه الأسباب المطلوب إزالتها هي الفضلات العضوية من الصرف الصحي وفضلات المسالخ التي ترمى في مياه الأنهر فتصل إلى المصبّ البحري حيث تجد الطيور ضالتها ما يتسبب بالأذى للطائرات إذا كان المصبّ قريباً للمطار كما هو الحال في مطار بيروت. ثانيها النفايات قرب المطار التي يجري تجميعها في المكبّ قبل طمرها. وثالثها المياه العذبة في بعض الحفر بالقرب من المدرجات والتي يشكّلها هطول الأمطار. ورابعها العشب القصير الذي يشغل المساحات بين المدرجات.

لكلّ ذلك، فإنّ العلاج الدائم لمشكلة الطيور بالقرب من المطارات يكمن في منع إفراغ النفايات العضوية في الأنهر القريبة، وتغطية النفايات القريبة بالرمول والأتربة كي لا يبقى منها ما تراه الطيور أو يجذبها. وتمهيد التربة وتسويتها في المطار كي لا تتكون برك الأمطار التي تجلب النوارس البحرية بحكم حاجتها إلى المياه العذبة للشرب. أما الأعشاب فيجب السماح بنموها إلى ما فوق مستوى رؤوس النوارس وبذلك لا يستطيع أن يرى النورس أعداءه من حوله فيترك المكان الذي لا يوفر له الأمان.

وبما أنّ آخر الدواء هو الكيّ، فإنّ قتل الطيور يجب ألاّ يكون كاملاً، بمعنى أنّه يجب تخويف الطيور بالمفرقعات وقتل طائر واحد من بينها (شرط أن تكون كثيرة العدد وغير مهددة بالانقراض) مرة كلّ ثلاثة أو أربعة أيام لجعل النوارس تتيقن أنّ المفرقعات ليست لعبة أو حيلة لإبعادها عن المطار فحسب.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة

المساهمون