طيور النظام

27 مارس 2015
قررت المنظومة الحاكمة تشويه كل معارضيها (الأناضول)
+ الخط -
"لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي"، كتبها وحيد حامد وردّدها بطل فيلمه "طيور الظلام" باعتبارها نموذجاً لعقلية المواطن الذي تربّى في كنف جماعة دينية تقوم على السمع والطاعة.

لم تكن الجملة، أو بالأحرى الفيلم، إلا إحدى المحاولات المستميتة من كتاب كثيرين، لتشويه صورة التيار الإسلامي، ليس في مصر وحدها وإنما في العالم كله، ولا شك أن انتشار تلك الأفلام وتكرار عرضها كان جزءاً من تلك الخطة المحبوكة لوصم هذا التيار السياسي بالانغلاق والجمود.

ولا يمكن أبداً أن ننفي أن بعضاً من تلك الصفات تنطبق على هذا التيار، بغض النظر عن التباين بين فصائله وتنويعاته، ولا يملك أحد أن يتجاهل الكثير من الوقائع التي تثبت جمود وانغلاق بعض عناصر التيار الديني الذي قرر الاشتغال بالسياسة، وبعض تصرفاته التي تتجاوز مرحلة الطيبة إلى مرحلة السذاجة.

بات الإرهاب يصم الإسلاميين، فقط لأنهم قرروا معارضة الأنظمة الفاسدة التي تحكم بلادهم، وباتت أوصاف "طيور الظلام" و"تجار الدين" تطاردهم في كل مكان، وبات وصف "الجهاديين" المرتبط بفريضة إسلامية عظيمة، تهمة تطارد من يوصف بها.

نجحت الأنظمة الأمنية والعسكرية العربية، من خلال كتابها وإعلامييها وفنانينها، في تثبيت توصيفات اخترعتها لمواجهة المعارضين، بات المتلقي العادي يتعامل مع الإسلاميين باعتبارهم مشروعات إرهابيين. لاحقاً قررت المنظومة الحاكمة تشويه كل معارضيها وتحويلهم إلى أعداء للمجتمع، لم تكتف بتجريم الإسلاميين وإنما ضمت كل المعارضين.

ارتبك بعض المنفذين قليلاً، وحيد حامد، كمثال، والذي خصص عمره وكل كتاباته في نقد الإسلاميين وادعاء معارضة الأنظمة، أصبح مطبلاً لكل الأنظمة الفاشية.

عبد الرحمن الأبنودي الذي كتب "يا عم الظابط إنت كداب. واللي بعتك كداب. مش بالذل حشوفكم غير. أو أسترجى منكم خير. إنتو كلاب الحاكم وإحنا الطير. إنتو التوقيف وإحنا السير"، صاحب هذا الهجوم الشامل بات من "جماعة" الحاكم ضد الطير.

لما تنحى مبارك، كنت وزملاء في قلب ميدان التحرير، تذكرنا أسماء كبار رحلوا منهم المخرج يوسف شاهين والفنان أحمد زكي، وتحدثنا طويلاً عن أعمالهم المقاومة للأنظمة، فجأة اقتحم رجل بسيط في الستين من عمره حوارنا الصاخب قائلاً: ربما لو أنهما حيّان لدعما مبارك ضد الثوار.

صدمتنا كلمات الرجل، ثم بدأنا النقاش، مع الوقت أصبحنا نتذكرها، كان للرجل البسيط منطقٌ، فالمشاهير لا يمكنهم التخلي عن الأنظمة، والأنظمة لن تتركهم يبتعدون عنها، حتى ما يقال إنه معارضة، فالأغلب أنه دور مرسوم بعناية ضمن الديكور السياسي المصنوع.
المساهمون