إلى جانب توقّف حركة السير على طرقات نواكشوط الرئيسية لفترات طويلة في ساعات الذروة والازدحام الشديد في أسواقها، يعاني سكان العاصمة الموريتانية من الطوابير.
يضطر سكان العاصمة الموريتانية إلى الوقوف يومياً في طوابير طويلة لساعات، من أجل إنهاء المعاملات أو شراء حاجياتهم المختلفة. فالإدارات الحكومية لم تعد وحدها المتهمة بتكريس ثقافة الطوابير في المجتمع الموريتاني، وأصبحنا نشاهدها أمام كل المصالح العامة والخاصة، لا سيما المستشفيات والمدارس ومحطات الوقود ومحلات بيع المواد المخفضة أسعارها وفي الأسواق عموماً.
وفي ظل تجاهل المسؤولين لمعاناة المصطفّين أمام مكاتب الإدارات وغياب النظام، يعرف الواقفون في الطوابير معاناة حقيقية بسبب الزحام والشجار والفوضى وطول فترة الانتظار التي تكون أحياناً تحت أشعة الشمس. وعلى الرغم من كل ما يعانيه المواطنون، إلا أنّ الموظفين بغالبيتهم لا يُبدون تعاطفاً معهم ويثورون في وجه كل من ينتقد روتين الإدارة وعدم مبالاة الموظف ويرفضون مواصلة عملهم غير آبهين بما يمكن أن يسببه الزحام من مشاكل.
عبد الله ولد المحفوظ (38 عاماً) عامل يرى أنّ "الظلم وعنجهية الموظف يتسببان في شجارات عنيفة تحوّل الطوابير إلى كتل بشرية متصارعة. وتتكرر هذه الحالة أمام كل الإدارات والمكاتب". يضيف أنّ "الموريتانيين تحملوا الكثير من أجل تحقيق حلم الحكومة الإلكترونية، من خلال تكبد معاناة ومتاعب وميزانية تجديد وثائقهم واستخراج كل أنواع البطاقات البيومترية. لكنّ ذلك الحلم الذي أملوا من خلاله القضاء على ثقافة الطابور، تبدّد بسبب الروتين والبيروقراطية".
من جهته، يرى محمد سعيد ولد الشيخ (22 عاماً)، وهو طالب، أنّ "الموظفين اعتادوا على نظام الطابور في غياب المراقبة والمحاسبة على أدائهم. بالتالي، أصبح الموظف ينتظر الاكتظاظ حتى يؤدّي عمله، كأنّه يشعر بالمسؤولية فقط حين يبدأ الناس في التذمّر ويعلو صوت الواقفين بالطابور". ويؤكد أنّ "حياة سكان العاصمة أصبحت عبارة عن طابور طويل يحمّل كل واحد مسؤوليته للآخر. ويزداد الأمر تعقيداً بسبب عشوائية الإدارة وعدم تقييم الأداء الوظيفي في المؤسسات والشركات وقياس مدى رضا المراجعين".
وتتجاهل السلطات معاناة السكان من الطوابير وصعوبة إنهاء معاملاتهم، ولا تحرّك ساكناً لتجنب كل المشاكل الناتجة عن ذلك، كأنّما الطوابير أصبحت قدراً محتّماً لا تجوز محاسبة المتسببين بها ولا معالجتها للتخفيف من العبء على المواطنين.
ويعيد المهتمون أسباب الطوابير المنتشرة في كل مكان إلى ارتفاع التعداد السكاني في نواكشوط واستقبالها ربع سكان البلاد، من دون أن يرافق ذلك أيّ توسّع عمراني وتخطيط يزيد من عدد المؤسسات والمرافق الإدارية بطريقة متكافئة بين المقاطعات، مع إعطاء الأولية للأحياء المكتظة بالسكان.
وقد أفاد آخر إحصاء أعدّه المكتب الموريتاني للإحصاء بأنّ نحو 27 في المائة من سكان موريتانيا يعيشون في نواكشوط، إذ يقيم نحو 955 ألف مواطن في العاصمة الفتية التي أنشئت في خمسينيات القرن الماضي والتي ما زالت تفتقر إلى منشآت خدمية كثيرة. ويقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين، لـ "العربي الجديد"، " إنّ الروتين والبيروقراطية وعدم تنظيم الإدارة كلها عوامل ساهمت في تكريس ثقافة الطابور. والطابور الذي كان وسيلة كلاسيكية قديمة لتنظيم البشر، أصبح بسبب هذه العوامل وسيلة لإعاقة العمل الإداري وتعطيل مصالح الناس". يضيف أنّ "الطابور خط بشري يُظهر مدى التزام الناس بالنظام ويؤكد مبدأ العدل بينهم وتساويهم في الحقوق. لكنّ انتشاره في كل مناحي الحياة المدنية أمر يستدعي الاهتمام ومحاسبة المسؤولين عنه".
ويؤكد ولد الزين أنّ "المواطنين يقضون أوقاتاً عصيبة في الزحام وتحت أشعة الشمس ويتصارعون من أجل الوصول إلى الصفوف الأولى في الطوابير الطويلة. وأحياناً يغادرون من دون أن يتمكنوا من إنهاء مصالحهم". ويدعو السلطات "إلى محاربة ظاهرة الطابور وإقرار ضوابط تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية ليحصل المواطنون على بعض الشهادات والوثائق من الإنترنت، من دون حاجة إلى زيارة المرافق العمومية". كذلك يدعو "الإدارات الحيوية إلى تحديث أنظمتها واستحداث خدمة الإجابة على الاستسفارات عبر الهاتف حتى لا تجبر المواطن على الذهاب بنفسه إلى مقرّ الإدارة والوقوف في زحام الطابور من أجل الحصول على معلومات بسيطة". ويستغرب ولد الزين "سرعة تنفيذ الإجراءات الجبائية وخدمة المواطنين في إدارات الضرائب، بينما تتعثر السلطات في تطبيق الأنظمة وخدمة المواطن وتسهيل الإجراءات عليه في إدارات أخرى".