طموحات قائد الجيش تقلق المعارضة الجزائرية

25 يوليو 2016
تخشى المعارضة تدخّل الجيش في العملية الانتخابية (بشير رمزي/الاناضول)
+ الخط -


لا يغيب الجيش عن البيانات الأخيرة لأحزاب المعارضة، مع تجدد المطالبات بإبعاد المؤسسة العسكرية عن أي تجاذبات سياسية تشهدها البلاد، خصوصاً مع اقتراب ثلاثة استحقاقات سياسية مهمة، الانتخابات البرلمانية منتصف السنة المقبلة، والانتخابات المحلية نهاية 2016، والاستعدادات السياسية للانتخابات الرئاسية عام 2019 وما يلفها من جدل حول ترشيح قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح نفسه أو دعمه لطرف على حساب آخر.
وجاءت آخر المطالبات في هذا السياق، من حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، التي دعت بعد نقاشات لمجلس الشورى فيها السبت الماضي، إلى إبعاد الجيش عن كل التجاذبات السياسية التي تضرب حالة الإجماع الوطني حوله، مثمّنة جهود المؤسسات الأمنية في حماية الحدود والأمن القومي. وليست حركة "مجتمع السلم" وحدها من تطالب بإبعاد المؤسسة العسكرية عن كل التجاذبات السياسية، لكن أحزاباً وقوى سياسية كثيرة بما فيها تلك الموالية للسلطة، ما زالت تُعبّر عن مخاوف جدية من أن يؤدي استغلال أجنحة في السلطة للمؤسسة العسكرية إلى ضرب حالة الإجماع الوطني حول الجيش.
فمع اعتراف كل القوى السياسية في الجزائر بدور الجيش والمؤسسات الأمنية في حماية الحدود والأمن القومي الجزائري، ومستوى الاحترام الذي تحظى به المؤسسة العسكرية، إلا أن ذلك لم يعفها من أن تكون في كل مرحلة سياسية موضع جدل سياسي وإعلامي، ليس بشأن مواقفها، فغالباً ما تتجاوز المؤسسة العسكرية والمتحدثين باسمها أي تعبير عن مواقف أو توجّهات سياسية أو انحياز لطرف على حساب آخر، لكن البيانات والتصريحات الأخيرة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، إضافة إلى ما يجري تداوله على أكثر من مستوى سياسي، شكّلت عوامل دفعت قوى المعارضة إلى التعبير عن مخاوفها بشأن انخراط قيادة الجيش أو استدراجها إلى المشهد السياسي، عبر اعتبار مواقفها الداعمة للسلطة السياسية موقفاً وتدخّلاً في الشأن السياسي.


وقبل إقرار البرلمان الجزائري لمسودة الدستور الجديد في السابع من فبراير/شباط الماضي، كان قايد صالح، قد أعلن عن دعمه لمبادرة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بشأن التعديل الدستوري. واعتبر خلال مؤتمر شاركت فيه كوادر وكبار قيادات الجيش، التعديل الدستوري "بمثابة اللبنة القوية في بناء المسار الديمقراطي في بلادنا، والرؤية المستقبلية الصائبة الرامية لتثبيت مقوّمات الوحدة الوطنية". وهو موقف يجعل الجيش طرفاً في معادلة دعم أو رفض المبادرة الدستورية.
ليس هذا فقط، فكثير من تصريحات قائد أركان الجيش والتي تتهم أطرافاً بمحاولة استجلاب الفتنة والربيع العربي إلى الجزائر، أو من يصفهم بأعداء الجزائر في الداخل والخارج، تشير بوضوح إلى قوى المعارضة والأحزاب السياسية التي تعترض على سياسات بوتفليقة وحكوماته.
ففي أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل/نيسان 2014، وجّه قائد الجيش تحذيرات إلى أحزاب المعارضة التي اعترضت سير ونتائج تلك الانتخابات، وقال في لقاء مع جنود وضباط الجيش جنوبي الجزائر، إن الجيش لن يتسامح مع إثارة الفوضى في البلاد من قِبل أطراف شككت في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 17 إبريل الماضي. وفي يونيو/حزيران 2015، وجّه قائد أركان الجيش رسالة تهنئة إلى الأمين العام الجديد لحزب "جبهة التحرير الوطني" عمار سعداني بعد فوزه بقيادة الحزب، وهي الرسالة التي أثارت حينها جدلاً كبيراً، واعتُبرت إعلان موالاة من قِبل قائد الجيش لحزب سياسي يحوز على الأغلبية في البرلمان والحكومة، على الرغم من ضرورات الحياد السياسي والابتعاد عن كل الأحزاب السياسية في البلاد.
وبالتالي يأتي موقف حركة "مجتمع السلم" المعارضة كتوصيف لواقع أكثر منه تعبيراً عن مخاوف. وكانت "تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي"، سبقت "مجتمع السلم" بالإعلان في بيان سابق عن رفضها "استعمال المؤسسة العسكرية كغطاء لفشل السلطة في تسيير الشأن العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، وقمع الحريات الفردية والجماعية، وتعطيل عملية الانتقال الديمقراطي"، وأكدت أن "الجيش مؤسسة دستورية مهمتها حماية السيادة الوطنية، ووحدة البلاد، وليس إدخالها في تجاذبات سياسية بين الجزائريين". وجاء هذا البيان رداً على منشور صدر في مجلة الجيش رد على مطالبة المعارضة بانتخابات رئاسية مسبقة جاء فيه: "حري بهؤلاء الالتزام واحترام مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي وتماسكه ووحدته وعدم الزج به في الشأن السياسي الذي هو ليس من مهامه على الإطلاق وعدم استغلال تمسكه بمهامه الدستورية للطعن في شرعية مؤسسات الدولة".
ويرد القيادي في حركة "مجتمع السلم" ناصر الدين حمدادوش، مخاوف حركته إلى التطورات السياسية والجوانب التشريعية الجديدة المُنظمة للعملية الانتخابية، لافتاً إلى أن "هناك مخاوف جدية من تدخّل الجيش في الحياة السياسية وحسم المواعيد الانتخابية، فقد حصلت تسجيلات جماعية وتصويت جماعي وأثبتت عمليات فرز مكاتبهم أنها موجهة لمصلحة أحزاب السلطة ورجالها"، مضيفاً: "أعطيت لنا رسائل سلبية في قانون الانتخابات في المادة العاشرة التي تسمح لهم بإمكانية إعادة تسجيل الأسلاك النظامية في أماكن عملهم، على الرغم من كونهم مسجلين في أماكن إقامتهم وحقهم في التصويت بالوكالة لغيابهم لضرورات عملهم".