احتضنت "المكسيك" النسخة الثالثة عشرة من بطولات كأس العالم خلال الفترة ما بين 31 مايو وحتى 29 يونيو من عام 1986، لتُصبح الدولة الأولى التي تستضيف بطولتين من كأس العالم، وكغيرها من البطولات السابقة لم تخلُ البطولة الثالثة عشرة من المواقف الطريفة، لعل أبرزها الهدف التاريخي الذي سجله نجم المنتخب الأرجنتيني السابق، دييجو أرماندو مارادونا، بيده في مرمى حارس المنتخب الإنجليزي الشهير بيتر شيلتون، والذي احتسبه الحكم التونسي علي بن ناصر رغم اعتراضات لاعبي المنتخب الانجليزي.
اعتذار كولومبيا واختيار المكسيك
منح الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" شرف استضافة نهائيات كأس العالم المقررة في عام 1986 إلى "كولومبيا" في حزيران/يونيو من عام 1974، إلا أن متطلباته الفائقة وشروطه التعجيزية أجبرتها على الاعتذار عن التنظيم في 5 نوفمبر من عام 1982.
وأسند الاتحاد الدولي في اجتماعه السنوي بالعاصمة السويدية " ستوكهولم" بتاريخ 9 يونيو 1974 مهمة استضافة بطولة كأس العالم نسخة عام 1986 إلى دولة كولومبيا، لكن الجولات المكوكية التي قام بها مندوبو "الفيفا" إلى كولومبيا قد أثبتت عدم جاهزية هذه الدولة لاستضافة (24) دولة؛ لذلك أوصت اللجنة المكلفة من "الفيفا" آنذاك بسحب تنظيم البطولة من كولومبيا، وبالفعل اعتذرت "كولومبيا" رسمياً عن تنظيم البطولة بتاريخ 5 نوفمبر 1982.
وتقدمت دول المكسيك وكندا والولايات المتحدة الأمريكية بطلب استضافة البطولة، وفي 20 مايو 1983 بمدينة زيوريخ أجري التصويت على الدولة التي ستنظم البطولة عن طريق اللجنة التنفيذية للفيفا لأوّل مرة في تاريخ بطولات كأس العالم، وتم اختيار المكسيك لتنال شرف تنظيم مونديال 1986، وتصبح بذلك أوّل دولة تنظم بطولة كأس العالم مرّتين بعد سابق تنظيمها لبطولة عام 1970.
وبدا قرار "الفيفا" مفاجئاً، لا سيّما في ظل الإمكانيات الكبيرة في الولايات المتحدة والقدرات الكبيرة للبرازيل، فضلاً عن أن المكسيك قد سبق لها تنظيم البطولة، ولكن الاتحاد الدولي أصرّ على قراره وبالفعل فقد كان صائباً؛ وذلك نظراً للنجاح اللافت الذي حققته هذه البطولة وبالذات على الجانب التنظيمي.
يا فرحة ما تمت زلزال عنيف يُهدد البطولة
بعد اعتذار "كولومبيا" عن استضافة البطولة، وبعد أن نجحت "المكسيك" في إقناع الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بقدرتها على تنظيم كأس العالم للمرة الثانية في تاريخها؛ كادت الأخيرة أن تعتذر هي الأخرى عن تنظيم البطولة قبل إقامتها بحوالي عام؛ وذلك على خلفية زلزال مدمر ضرب البلاد في سبتمبر 1985.
وكما حصل في تشيلي قبيل عامين من مونديال 1962 حين اهتزت على وقع "زلزال" كاد أن يُهدد إقامة البطولة في موعدها؛ ضرب زلزال شديد "المكسيك" في سبتمبر عام 1985، أي قبل ثمانية أشهر من انطلاق بطولة كأس العالم، لتحوم الشكوك حول قدرة البلد على تنظيم بطولة كأس العالم.
إلا أن المسؤولين في المكسيك، سُرعان ما أرسلوا تقاريراً إلى الاتحاد الدولي أكّدوا فيها عدم إصابة البنى التحتية من جراء الزلزال وبالتالي فلا خطر على الجمهور الذي سيتابع المباريات في الملاعب، وعلى غير المتوقع فقد بلغت البطولة المثيرة ذروتها بعد تنظيم رائع فاق كل التكهنات.
فرحة الاقتراب من المونديال تتحول إلى صدمة
في العاشر من سبتمبر من عام 1985، عاش عُشاق كرة القدم في دولة اسكتلندا على وقع الصدمة، وذلك بعد وفاة المدير الفني للمنتخب الأسكتلندي، جوك شتاين، فور انتهاء مباراة منتخب بلاده أمام ويلز (1-1) التي أقيمت على ملعب "نينيان بارك" بالعاصمة الويلزية "كارديف"؛ إثر تعرضه لأزمة قلبية.
وأصابت فرحة الصعود إلى ملحق التصفيات لمواجهة أستراليا، المدير الفني للمنتخب الأسكتلندي، جوك شتاين، بأزمة قلبية تُوفي على إثرها في غرفة ملابس الفريق، ليتولى السير أليكس فيرجسون قيادة المنتخب في الملحق.
واضطر "فيرجسون" للانضمام للطاقم الفني للمنتخب الأسكتلندي الذي كان يسعى للتأهل إلى نهائيات كأس العالم المكسيك 1986؛ بعد أن كان قد رفض طلب "شتاين" بالانضمام إلى الطاقم قبل عام، وقاد مدرب مانشستر يونايتد الإنجليزي السابق، بلاده للتأهل لكأس العالم لأوّل مرّة، غير أن مسيرة الكتيبة الأسكتلندية توقفت في الكأس العالمية عند مرحلة المجموعات.
أسرع حالة طرد في كأس العالم
شهدت بطولة كأس العالم 1986 أسرع حالة طرد في تاريخ بطولة كأس العالم على الإطلاق، وكانت من نصيب مدافع منتخب الأوروجواي خوسيه باتيستا والذي تلقى البطاقة الحمراء المباشرة من الحكم الفرنسي جويل كوينو بعد مرور 56 ثانية فقط من زمن مباراة منتخب بلاده أمام منتخب اسكتلندا بعد تدخل عنيف ضد جوردون ستراكان لاعب اسكتلندا.
وأشهر حكم المباراة الفرنسي، جويل كوينيو، البطاقة الحمراء في وجه "باتيستا" في الثانية 56 من بداية مباراة منتخب بلاده أمام منتخب اسكتلندا، والتي أقيمت ضمن الجولة الأخيرة من دور المجموعات للبطولة العالمية.
هدف "مارادونا" الشهير
خطف نجم المنتخب الأرجنتيني السابق، دييجو أرماندو مارادونا، الأضواء في بطولة كأس العالم 1986، إذ فرض نفسه نجماً عليها من خلال سيطرته عليها بطريقة لم تشهدها النهائيات من قبل، إذا ما استثنينا البطولات التي شهدت تألق الجوهرة السوداء "بيليه".
وأحرز "مارادونا" 5 أهداف من أصل أهداف الأرجنتين الـ 14 في البطولة، فيما ساهم في صنع خمسة أخرى من إجمالي أهداف منتخب بلاده، ولعل أبرز تلك الأهداف التي أحرزها "الهدف الشهير" الذي أحرزه بيده في مرمى حارس المنتخب الإنجليزي الشهير بيتر شيلتون، والذي احتسبه الحكم التونسي علي بن ناصر رغم اعتراضات لاعبي المنتخب الانجليزي.
ورغم مرور أكثر من ربع قرن على تلك المباراة إلا أن الحكم التونسي علي بن ناصر لا يزال يتذكر أدق تفاصيل اللقطة الشهيرة التي جاء منها هدف مارادونا، إذ أكّد في تصريحات صحافية بأنه كان يشك في صحة هذا الهدف التاريخي.
وأشار الحكم التونسي في تصريحات صحافية إلى أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "آنذاك" لم يكن قد استحدث منصب مساعد الحكم كما هو الحال في كرة القدم اليوم، ففي الماضي كان الحكام جميعاً حكاماً رئيسيين ويتبادلون الأدوار فيكون أحدهم حكماً رئيسياً في مباراة ثم يكون حاملاً للراية في مباراة أخرى وهكذا، كما كانت التعليمات المعطاة للحكام بأن يستعينوا بقرار حاملي الراية إذا كانوا في وضعية أفضل لرؤية هدف أو لعبة مشتركة، وهو الأمر الذي أجبره على احتساب الهدف.
ومضى "بن ناصر" قائلاً: "لو عدتم لشريط المباراة ستجدوني أنظر إلى زميلي حامل الراية بينما كنت أعود إلى منتصف الملعب لإعلان الهدف، كنت انظر إليه لعله يغير رأيه ويعلن بطلان الهدف؛ لأنه كان في وضعية أفضل مني لرؤية اللعبة المشتركة، كان عندي شك لكنه كان شكاً وليس يقيناً".