طرائد جنسية
غالباً ما تميل ضحايا التحرش في بلادنا العربية، المنكوبة في منظومتها الأخلاقية والإنسانية، إلى الصمت، والعض على الجرح بقهر وغضب وحزن، وتحمل التبعات النفسية السافرة لواقعة انتهاك الروح قبل الجسد. يحدث ذلك من باب الخجل ومدارة الفضيحة المدوية، ووصمة العار التي ستلاحق سلالتهن إلى يوم الدين. وأيضاً، حقناً لدماءٍ، سوف يسفكها قريب غيور ومندفع، دفاعاً عن شرف العائلة، وحيلولة دون رصاصة عديمة شرف، سوف تستقر في رأس الضحية المغتصبة، أو المتحرش بها، حتى لو لفظياً.
في أحيان كثيرة، تلوذ الضحية بالصمت الرهيب، تجنباً للوم والاتهام والتجريح في ظل ثقافة عربية جائرة، تعاني فصاماً حاداً، لا سبيل لإصالحه، مشحونة، من حيث المبدأ، بالعداء تجاه الأنوثة، باعتبارها عنواناً للخطيئة والعار والذل وكسر العين، والنيل من السمعة والكرامة والشرف.
مع ضرورة الإشارة، في هذا السياق، إلى أنه ليس ثمة فرق فعلي، على المستوى النفسي على الأقل، بين حالة من تتعرض للاغتصاب ومن يتم التحرش بها، لأن التحرش، ببساطة، هو شروع بالاغتصاب، لم يتمكن المتحرش/المغتصب من استكمال شروط تحققه، ليس بسبب من كرم أخلاقه، أو صحوة ضميره، بل بفعل معيقاتٍ لوجستيةٍ، لا أكثر، حالت دون تمكنه من إتمام فعلته المشينة، على الرغم من توفر القصد الجرمي، وهو أهم أركان الجريمة التي تستوجب إدانةً قانونية، تستدعي العقاب الرادع.
ولا نفشي سراً حين نقول إن أي سيدة في أي بلد عربي تعاني رعباً حقيقياً ومشروعاً، حال اضطرارها إلى استخدام مصعد في بنايةٍ ما، وكذلك تجد صعوبة وحرجا وضيقا شديدا، إذا ما وقفت على ناصية أي شارع، بانتظار سيارة تاكسي تقلها إلى وجهتها، وذلك مهما بلغت درجة احتشامها ورصانة شخصيتها، لأنها، ولشديد الأسف، سوف تعامل على الفور كمشروع طريدة جنسية يتسابق سائقو سيارات من فئة التافهين المتبطلين، بلا أدنى نخوة أو كرامة، إلى التحرش بها، ومضايقتها وانتهاك خصوصيتها.
وتثير الغيظ تلك الفكرة المجحفة التي يتبناها كثيرون، منهم نساءٌ مفترض أنهن تقدميات ومثقفات! وتنطوي على إدانة الضحية والحط من شأنها وتحميلها إثم الاعتداء، ضمن منطق شديد الاعوجاج، يضع المرأة دائماً في موقع الاعتذار عن أنوثتها، باعتبارها مصدر الشرور، وهذا، بالضبط، ما تعرضت له طالبتان جامعيتان أردنيتان، وتم توثيقه على اليوتيوب، وتناولته وسائل الإعلام في مدينة أردنية كبرى، تضم جامعة مختلطة عريقة، وتضم كلية فنون أيضا! كان ذنبهما الوحيد أنهما تحبان كرة القدم، وقد توهمتا أن في وسعهما التصرف بشكل طبيعي، فأقدمتا على الخروج بمظهر لائق تماماً غير مستفز، لا يكسر الأعراف، ولا يثير الغرائز، لحضور مباراة كأس العالم في مقهى كبير، فكن الوحيدتين بين مجموعة من الشبان، لتتكالب عليهن، في طريق العودة إلى السكن الجامعي، شتى أنواع الكلاب الضالة المتأهبة للنهش من مجاميع شبان تجرّدوا من أي ملمح آدمي، في حالة تواطؤ ذكوري وحشي عجيب.
ولولا رحمة الله، وتدخل أهل الخير وحضور سيارات الأمن العام في الوقت المناسب، لحدثت مأساة فعلية في الطريق العام، وعوضا عن مؤازرة الصبيتين اليافعتين المذعورتين، كما هو منطقي ومفترض، انهالت عليهما، بكل قسوة، شتى أشكال التعنيف واللوم والمساءلة.
ولا تغفل حادثة التحرش، الأشد بشاعة وشهرة في ميدان التحرير في القاهرة، حين استبيحت كرامة سيدة مصرية فاضلة على الملأ.
ومع الإقرار بصعوبة البوح، أحياناً، للأسباب المذكورة آنفاً، إلا أن الصمت عن هؤلاء المتحرشين الأوغاد هو غض طرف، وتشجيع لهم للمضي في العدوان من دون خوف من أي مساءلةٍ قانونية. فيتعدى الأمر القصص الفردية، ليصبح ظاهرة خطيرة، وسمة تؤكد مدى تخلف مجتمعاتنا، وقصورها عن ركب التمدن والحضارة.