ليس صعباً أن تكون بطلاً عندما تُكتَبُ لك قصّة ملحميّة تتواطأ أحداثها، لتجعل منك بطلاً خارقاً قادراً على تخطّي المستحيل، أو عندما تستعيض عن بشاعة مرآتك بحلاوة صورة مخرجٍ، يعرف كيف يخفي بضوء عدسته ظلال شياطينك الداخلية، ويظهّر الأجمل والأقوى فيك. البطولة ممكنة في المسلسلات، ولكن أن تكون بطلاً في الحياة، فيعني أن تقرّر أن تعيش، عندما يقتلك كلّ ما فيك، وأن تخوض حرباً دائمةً يكون العدو والضحية فيها شخصا واحدا هو أنتَ وحدَك. هذا وجهٌ من وجوه الصراع الذي يعيشه الكاتب اللبناني، طارق سويد، في معاناته مع الكآبة المزمنة. صراعٌ ينقل بعضاً منه إلى قصص أبطال يخلقهم على الورق، محاولاً أن يمسَح جراحه بكل ورقة جديدة يكتبها ليصبح هو "البطل" في قصة حياته الشخصية.
طارق سويد الذي عرفته الشاشة منذ سنوات كاتباً وممثلاً ومقدّم برامج، يعترف في حوار خاص أجرته معه "العربي الجديد"، بأن "الكتابة أنقذته"، ويقول "لا يمكنني أن أصف القدرة العلاجية التي تتمتّع بها الكتابة. بالنسبة لي شخصياً، يمكنني القول إنها غيّرت مسار حياتي، ورسمت خارطة خلاصي، لأني تداويت تدرجياً من خلال القصص التي كتبتها، وعبّرت من خلالها عما كنت أعجز شخصياً عن قوله. كنت منكبّاً على تكوين هويّات الشخصيات ورسم مسار الأحداث ومصائر الأبطال من دون أن أدرك أنّني كنت أعالِج درامياً، وأُعالَج نفسياً في الوقت نفسه". موضوع معاناته مع الكآبة المزمنة، باح به طارق سويد في مقابلة تلفزيونية شجاعة ومؤثّرة ضمن برنامج "أنا هيك" مع الإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان، الذي استطاع أن يستخرج من أعماق ضيفه كنوزاً في العبَر الحياتية، بمقاربة سيكولوجية بارعة ومضمون يرتقي من المهنية الى الإنسانية.
ولكن الهدف من المقابلة بحسب سويد نفسه "لم يكن أن أظهر بصورة الضحية لأكسب تعاطف الناس، بل على العكس تماماً تطلّب الموضوع مني شجاعةً لكي أتمكّن من مشاركة قصتي الشخصية بعدما أصبحت في مرحلة أستطيع أن أقول فيها أنا بطل لأنني تغلّبت على عذابي، وأن أوصل رسالةً الى كل الموجوعين الصامتين، بأن النجاح ممكن وأنَّ الانتصار ممكن، فلا تستسلموا".
لا ينفي سويد أن هذه الشجاعة مستمدّة من روح الثورة التي اشتعلت في نفوس اللبنانيين في 17 تشرين، وقد ألهمتها شجاعة الآخرين ممن سبقوه في تشارك قصصهم الموجعة لتمكين الناس وتبادل الخبرات. ويؤكّد: "الثورة الحقيقية لا بدّ أن تبدأ أوّلاً من الذات. هي نهج داخلي يتظهّر لاحقاً بشكل خارجي. ونحن ثوّار على نفوسنا قبل أن نكون ثوّاراً في الساحات والميادين".
وعما اذا كانت الثورة تلهم أيضاً الكتابة، يكشف عن فكرة مسرحية تراوده، يستعين فيها بالأبطال الخارقين والشخصيّات الكرتونية التي يستحضرها بهدف إنقاذ البلد، بعدما أصبحت حالته مستعصية، معتبراً أن الفكرة ما زالت في مراحلها الأولى، وهو متشوّق لبلورتها ضمن إطار الكوميديا السوداء. ويعترف: "بالطبع أرغب بأن أكتب عملاً درامياً من وحي الثورة. هي تشعل الكثير من الأفكار التي يمكن تحويلها الى مادة درامية جذّابة ومشوّقة، ولكن بصراحة، الموضوع بحاجة لثقة من المنتجين لكي يتمكّن المشروع من إبصار النور، وألا يبقى حبراً على ورق".
ويستشهد بالثقة التي منحته إياها المنتجة مي أبي رعد للشروع بكتابة مسلسل "بالقلب" الذي عُرضت منه حلقات قليلة على الشاشة قبل أن يعلّق عرضه بسبب الأحداث الأخيرة في لبنان، ويقول: "كتبت هذا المسلسل بروحي وعندما ستشاهدونه كاملاً سيظهر كم هو مختلف عن كل أعمالي السابقة. عملت كثيراً على نفسي، وخضعت لورشات عمل، وعندما عدت بمسلسل (بالقلب) كنت مصرّاً على أن يكون حديث الناس من الحلقة الأولى". ويرى ان تولّيه المعالجة الدرامية في الجزء الثاني من مسلسلي "العودة" و"عروس بيروت" بجزئه الثاني، كان تحدّياً شائقاً بالنسبة له. ويشير في ذلك: "سعيد جداً أنني ككاتب لبناني أثبت نفسي، واكتسب قلمي ثقةً تخوّلني العمل على مسلسلات ذات بعد عربي. أنا فخور بذلك بشكل خاص، لأنني لست شخصاً يطرق أبواب المنتجين والمحطات، وإنَّما أركّز على تطوير موهبتي ومهاراتي الكتابية، بدلاً من الانشغال بتطوير شبكة علاقاتي الاجتماعية والمهنية".
وعن أكثر بطلة استطاعت أنْ تجسّد شخصية كتبها بطريقة واقعية بارعة، يقول: " كارمن لبّس في مسلسل (بالقلب)، فقد قدّمت دور المرأة التي تربّي ابنة أخيها، والتي لم تتزوج، فقد تركها حبيبها بعد عشرين عاماً مما كانا معاً، وذلك بعدما أصبحت بعمر لا يسمح لها بالإنجاب. وقد قدّمت الشخصية بطريقة مذهلة. وفي الرجال، غبريال يمين في مسلسل (بالقلب) حيث قدم أداءً رائعاً. وهناك أيضاً نادين الراسي في (أماليا)، وعمّار شلق في (وجع الروح)، وفي (كفى) أحب ريتا حايك وماغي بو غصن ورندا كعدي".
ويضيف: "عادةً الكاتب لا يعترف بالممثلة المفضّلة لديه ولكن أنا لدي ضعف خاص إزاء رندا كعدي. تسحرني هذه الممثلة وأعشق أن أكتب شخصيّات جديدة لها، وفي كلّ مرّة تتفوّق على نفسها وعلى كل توقّعاتنا". وعن المخرج المفضّل لديه، يبوح: "صراحة أحب كثيراً سمير حبشي لأنه يعرف أن يصوّر الواقعية التي أحبّها. هناك مخرجون ماهرون جداً قد يقدّمون صورة مبهرة. ولكن أنا شخصياً أفضّل أن أشعر أن الشخصيات هي من لحم ودم، وأحب تقديمها بصورة فيها الكثير من الواقعية. وسمير حبشي هو من المخرجين الذين يجيدون تقديم نصي بطريقة واقعية جداً ويحترمون نصي كثيراً وهذا يعني لي الكثير".
وعن الأبطال العرب الذين يرغب بأن يجسّدوا شخصيّات من كتابته يقول: "هناك الكثير من الممثلين والممثلات الرائعين في لبنان والعالم العربي، ومن الصعب جداً حصر الاختيار بأسماء قليلة، ولكن من الأسماء التي تحضرني الآن، وأنا معجب جداً بها سلافة معمار وبسّام كوسا ودانا مرديني. وعلى صعيد لبنان أرغب كثيراً بأن أكتب شخصية لديامان بو عبّود، إذْ إنّ إحساسها في التمثيل يسحرني. هي بارعة جداً، كما أحبّ أن أكتب لطلال الجردي كثيراً، فقد قدّم أدوار جميلة على الشاشة في السنوات الأخيرة، ولكن لم يظهر بعد قدراته كاملة. فلو عدنا إلى طلال وما يقدّمه على خشبة المسرح، نفهم كم أن لهذا المسرحي قدرات هائلة لم تظهر بعد".