ضوضاء الإعلام... الكمية تغرق النوعية

22 يونيو 2020
+ الخط -
يشكل سيل المواد الصحافية والفنية المنبعث من شتى الوسائل الإعلامية حالة من التيه لدى المتلقي الذي لم يعد باستطاعته إدراك هدف إحداها لتظهر أخرى ترسل معلومات مشابهة تختلف بالشكل واللون، الأمر الذي يسبب أحياناً عائقاً أمام انتشار رسالة مهمة تتضمن معلومات مفيدة أو جديدة كلفت الكثير من الجهد والمال لإنتاجها.

شهد سوق الإعلام رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة، ولأن العمل الإعلامي محدد بخصوصيات الولاء السياسي والتوجه الفكري وضرورة الانعزالية في المنصات التي تتصدى لأنظمة حاكمة، فإن كل تلك العوامل قللت من جودة الرسالة الإعلامية، بسبب استيعابها موارد بشرية معينة بناء على الرأي دون الخبرة ما يسبب ضياع الكثير من الجهد.

كيف يواجه المتلقي الرسائل الإعلامية
يبحث كثيرون عن تابعية منصة ما ونجاح أخرى أو فشلها والأسباب كثيرة، لابد أن نتفق أن أغلب وسائل الإعلام هي "مؤسسات رأي"، تنشأ لأهداف سياسية وتغلق أحياناً لانتفاء الغرض منها سواء نجحت أو لم تنجح، ولكن تكرار حدوث هذا الأمر يخلق فوضى متعددة الأشكال، بيد أن تعدد الأصوات يربك المتلقي ويجعله في دائرة الحيرة، فضلاً عن طوفان المعلومات الذي يغرق رسائل إعلامية مهمة، بين الكم الهائل من الفنون الصحافية التي تصاغ كل دقيقة وتبث في الفضاء الإلكتروني.


للتمعن قليلاً في نجاح منبر إعلامي وتفوقه على آخر يتوجه إلى الجمهور ذاته مستخدماً نفس الوسائل، لابد أن ندرك أن السر في الإدارة والتخطيط الصحيح قبل أي شيء آخر.

يعتبر عامل "الإدارة الإعلامية" و"الاستمرارية الصاعدة" هما الأساس في نجاح أي وسيلة إعلام، فهي التي ترسم الخطة الإستراتيجية وتحدد ملامح انطباع المتلقي وفق دراسات وتحليل موضوعي، تصاغ على أساسه القيم المعنوية من المحبب والمكروه الذي يجعل المرسل في صدام مع المتلقي.

الصحافي صانع القَطْرة
يقول ابن حزم الأندلسي، قطرة الماء تثقب الحجر، لا بالعنف ولكن بتواصل السقوط، يمكن اعتبار هذه المقولة قاعدة أساسية ينطبق عليها عمل مؤسسات الرأي الناجحة التي تخطط للتأثير الإيجابي في الرأي العام.

إن تكوين الانطباع وتغيير وجهة النظر عمليتان معقدتان تتطلبان التأني وآلاف القطرات الموجهة التي تصيب الصخرة في الوسط لتحقق التأثير، فضلاً عن أن كل قطرة تتطلب جهداً وعملاً ومالاً..

لذا فإن مخاطبة الجمهور بمادة صحافية والوصول إلى "زر" تغيير الرأي لدى المتلقي عملية معقدة تتطلب تفكيراً منطقياً متعدد الاتجاهات وصريحاً وجريئاً، وصناعة الرسالة تتضمن دراسة حالة الجمهور وفحصه للتأكد من عدم سقوط القطرة في مكان لا تؤثر في الصخرة، ويكون العمل ضياع الجهد والمال في صناعة الضوضاء.

اعتماد الجمهور تلقي المعلومات من الوسيلة الإعلامية ووثوقه بها كمصدر هو عامل النجاح الأول والأخير، وهو الطريق إلى صناعة الرأي، لاسيما مع ضرورة الاستمرار لسنوات طويلة ليألف الجمهور وجوهها وكلماتها معه في الأفراح والأحزان، ولكن ما يحدث منذ الانفتاح الإعلامي في الشرق الأوسط هو تحول وسائل إعلامية كثيرة من مؤسسات تصنع الرأي إلى منابر تقول الرأي غير مكترثة بالمتلقي، أو مؤسسات تظهر ويصرف عليها أموال طائلة وتنتهي معروضة للبيع كأنها مطعم أو صالة أعراس.

أخيراً المتلقي هو الضحية التي تتصارع جميع وسائل الإعلام للوصول إلى انتباهه، فكل الأموال التي تنفق في التأسيس والمرتبات والإنتاج والتسويق من أجل أن تشاهد عيونك تلك الرسائل علك تبتسم أو تحزن وتغضب لكن كثرتها ربما تجعلك تستسلم.

أختتم سطوري التي أيضاً تبتغي انتباهكم برأي أكاديمي لأستاذ مادة السمينار الإعلامي في الجامعة اللبنانية، الدكتور علي رمال، قائلاً: "الدولة" هي الفاعل الأول والأخير في الإعلام لأنها مصدر التشريعات والقوانين التي تنظم عمل المؤسسات والحارس لميثاق الشرف الإعلامي.
4B8797AE-C8F4-4D3B-B3F2-36B089F6B293
يحيى سالم الخفاف

صحافي وباحث عراقي.. متخصص في التلفزيون والإعلام الحديث، وحاصل على شهادة البكالوريوس والماجستير في الإعلام.