وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الخارجية أرسلت خطابات رسمية إلى نظيراتها في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والصين، لإطلاعها على الموقف الجديد، وعودة التفاوض على المسائل الفنية برعاية أميركية. وأكدت الوزارة، لهذه الدول، ضرورة وقف الخدمات المقدمة من الشركات العاملة فيها، لضمان التزام إثيوبيا والأطراف المتعاونة معها بمبدأ عدم إحداث ضررٍ جسيم لمصر، والعمل على التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح هذا البلد المائية.
وبحسب المصادر، فإنّ مصر تسعى لتعطيل الإنشاءات النهائية في السد بأي وسيلة، لحين إقرار الاتفاق الخاص بحجم المياه التي سيتم ضخّها من جسم السد مع بدء التشغيل، في ظلّ حصولها على معلومات موثوقة بأن حجم الإنجاز في المشروع ككل بات يلامس 70 في المائة. ويعني هذا الرقم أن وتيرة الإنشاءات زادت في الشهور الستة الأخيرة بمعدل غير مسبوق، تزامناً مع الفشل السياسي والفني في الوصول إلى اتفاق شامل.
ووفقاً للمعلومات المتوفرة لدى مصر، فإن نسبة الإنشاءات التي تنفذها شركات محلية وأجنبية في المشروع تجاوزت 80 في المائة، وأن العمل الكهروميكانيكي الذي تديره شركتان صينيتان وثالثة فرنسية اكتمل منه ما نسبته 29 في المائة. ومن المتوقع أن ينتهي تماماً بنهاية العام المقبل.
وبحسب بيانات سابقة للمسؤولين المحليين عن مشروع السد، فإن شركة "جيچوبا" الصينية مسؤولة عن الهيكل الصلب، وشركة "سينوهيدرو" تناط بها مهمة تجميع هياكل الصلب المستوردة وتكوين الوحدات الكهرومائية. أما شركة "جي أو هيدرو فرانس" فتقوم بتوريد وتشغيل المولدات والتوربينات، وهي حالياً بصدد تجميع أغلفة التوربينات استعداداً لبدء الإنتاج مبكراً.
ومقابل المحاولات المصرية، تتعمد الحكومة الإثيوبية إصدار بيانات تؤكد اهتمامها بسرعة إنهاء المشروع، وتقديم اعتبار الإنجاز على أي اعتبارات أخرى متعلقة بالمفاوضات مع مصر أو الاتفاقات الفنية. وتعود هذه السياسة إلى محاولة رئيس الوزراء آبي أحمد ووزير الطاقة سيليشي بيكيلي فرض الأمر الواقع على مصر من جهة، ومن جهة ثانية الرد على انتقادات داخلية واتهامات من شخصيات ودوائر عديدة داخل البرلمان وفي بعض الأقاليم، بأن التفاوض مع القاهرة يضعف القرار السيادي الإثيوبي، وذلك بحسب مصدر إعلامي إثيوبي يعمل في صحيفة محلية تابعة لتحالف "الجبهة الديمقراطية" الشعبية الحاكم.
وبحسب المصدر، فإنّ الخصوم المحليين لآبي أحمد، خصوصاً من قومية التيغراي التي كانت تحتكر رئاسة الحكومة في العقدين الماضيين، كانوا قد رددوا شائعات عن "تراخيه في التعامل مع مصر" وتعمّده إبطاء إنجاز مشروع السد. ولهذه الأسباب، أشار رئيس الوزراء الإثيوبي، في خطابه الأخير أمام البرلمان، إلى "المشاكل الإدارية التي عانى منها المشروع، وما كان من الممكن أن يترتب على استمرار الفساد المالي والإداري من تعطل إنجاز المشروع للأبد"، بحسب المصدر.
وأفاد نائب مدير مشروع السد، بيلاتشو كاسا، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، أول من أمس، بأنه قد تم إنجاز المكونات المختلفة للمشروع، مثل الخرسانة المسلحة، وسد السرج، ومبنى الطاقة، وأن عملية الإنشاء تتقدم من دون أي تباطؤ "كما كان من قبل".
وأضاف كاسا أنه تمّ بالفعل الانتهاء من لوح الوجه الخاص بسد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار السد الرئيسي. ولفت إلى أنه "للحفاظ على سلامة تدفق المياه، تم إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام، حيث سيضم السد ثلاثة مجار للمياه، بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بأكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج".
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أعلنت، في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، السفير حمدي سند لوزا، عقد اجتماعاً مع سفراء كل من ألمانيا وإيطاليا والصين، وهي الدول التي تعمل شركاتها في سد النهضة في إثيوبيا، أعرب خلاله عن "استياء مصر لمواصلة تلك الشركات العمل في السد، رغم عدم وجود دراسات حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية له على مصر، وكذلك رغم علمها بتعثر المفاوضات بسبب تشدد الجانب الإثيوبي".
وجاء ذلك تأكيداً لتقرير نشرته "العربي الجديد" نقلاً عن مصادر دبلوماسية كشفت عن حوارات "متقدمة" دارت بين الخارجية المصرية والعواصم المعنية، للضغط على الشركات الإيطالية والفرنسية وباقي الشركات الأوروبية والصينية المتعاونة مع إثيوبيا في إنشاء مشروع السد. وتطالب الضغوط الشركات بفسخ عقود الخدمة أو وقف المشروعات، لحين البت من قبل إثيوبيا والسودان في المطالبة المصرية بتفعيل المبدأ العاشر من اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015، والذي يفتح باب الوساطة الدولية للتدخل بين الأطراف الثلاثة، شرط اتفاقها على ذلك.
وبحسب المصادر، فإن روما وباريس أبلغتا القاهرة عدم إمكانية الضغط على الشركتين الرئيسيتين من كلا البلدين، في الوقت الذي تحاول فيه القاهرة الضغط من زاوية الالتزام بقواعد القانون الدولي التي تحتم على الدول المختلفة عدم المساهمة في إقامة مشروعات تؤدي إلى الإضرار باستفادة دول أخرى بمياه الأنهار والموارد الطبيعية. وتستند القاهرة على الأحكام التي صدرت سابقاً من محكمة العدل الدولية، والتي لا يمكن الوصول إليها فعلياً إلاّ بناء على اتفاق بين مصر وإثيوبيا في قضية سد النهضة، أو بين مصر وأي دولة أخرى ساعدت إثيوبيا على إنشاء السد، مع إلزام مصر بتقديم ما يثبت تضررها المباشر من هذه الممارسات.
وسبق أن كشفت مصادر في وزارة الري المصرية لـ"العربي الجديد"، الأربعاء الماضي، أن القاهرة ستطرح في الاجتماعات الفنية الجديدة أفكاراً ترتكز على ضمان تدفق نحو 35 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، أي أقل بنحو خمسة مليارات عن المقترح المصري السابق الذي كان يهدف لإنهاء مرحلة الملء الأول للسد بعد سبع سنوات كاملة، وهو الذي قوبل باعتراض جذري ومتجدد من أديس أبابا.
وسبق أن رفضت إثيوبيا مقترح السنوات السبع، ووصفته في بيان رسمي بأنه "غير عملي من الناحية الفنية، وهو بمثابة موافقة على جعل سد النهضة رهينة للاستخدام المصري للمياه". وعلاوة على ذلك، وبما أن إثيوبيا لا تستطيع التحكم في المياه المصرية من سد أسوان العالي، فإن الموافقة على هذا الطلب من وجهة نظرها، تعني أن ينتهي الأمر إلى "نقاشات دائمة حول كميات المياه".