ضغوط أمنية استباقية على منافسي السيسي المحتملين للانتخابات الرئاسية

25 نوفمبر 2017
الحكم بحبس علي سيمنعه من خوض الانتخابات(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تواصل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة للدائرة الخاصة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إدارة المشهد السياسي بطريقتها، استعداداً للانتخابات الرئاسية المقرر دستورياً البدء في إجراءاتها في 8 فبراير/ شباط المقبل، وذلك عبر زيادة الضغوط على المرشحين المحتملين للرئاسة، واختبار مدى قدرتهم على خوض منافسة منخفضة السقف ومحدودة الأهداف، بالطريقة التي تريدها دائرة السيسي.

وبدأت الأجهزة الأمنية تصعيداً جديداً ضد المجموعات اليسارية والحقوقية المساندة للمرشح خالد علي، وهو المعارض الوحيد الذي أعلن رغبته في الترشح، إذ شن جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة)، ابتداءً من أمس الأول، حملة اعتقالات استهدفت بعض النشطاء في محافظتي الأقصر وأسوان. وتربط بين المعتقلين جميعاً علاقات زمالة حزبية، أو العمل في منظمات حقوقية والدفاع عن المعتقلين اليساريين والإسلاميين في المحافظتين. وأوضح مصدر في قطاع الأمن العام، لـ"العربي الجديد"، أن هذه الحملة تستهدف أمرين، الأول يرتبط بانتخابات الرئاسة، وهو اختبار مدى تمسك خالد علي بالحكمة في التعامل مع الأمور وعدم الانزلاق لتحدي الدولة بالدعوة إلى تظاهرات أو التصعيد العلني، علماً أنه سبق وصمت أيضاً ولم يصعّد عندما شنت الأجهزة حملة شرسة على نشطاء حزبه "العيش والحرية" عقب إعلان التصديق على اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير في يونيو/ حزيران الماضي، رغم أن هذه الحملة كللت بإصدار بعض الأحكام المشددة ضد أعضاء حزبه.

أما الهدف الثاني، بحسب المصدر، فهو استباق أي تحركات ميدانية في الأقاليم، يقدم عليها أنصار خالد علي، والنشطاء المنتمون إلى معسكر ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 لإحياء الذكرى السابعة للثورة بعد أقل من شهرين. وتحل الذكرى هذه المرة بعد أيام من الجلسة الثانية لمحاكمة خالد علي في قضية الإشارة الفاضحة أمام محكمة الجنح المستأنفة بالجيزة، وهي القضية التي يتمسك بها النظام كورقة ضغط على خالد، فصدور حكم نهائي بحبسه سيمنعه من خوض الانتخابات وسيدفعه إلى خوض جولة قضائية جديدة لإلغاء الحكم أمام محكمة النقض، أما صدور حكم نهائي بتغريمه، فسيضعه في مواجهة الهيئة الوطنية للانتخابات، التي من حقها، بموجب القانون، الفصل في مدى إمكانية ترشحه أو استبعاده، ليلجأ خالد علي مرة أخرى للقضاء لإلغاء ذلك القرار المحتمل.

ويختلف تعامل الأمن مع خالد علي، الموجود داخل مصر، مع المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق، المقيم في الإمارات والممنوع حتى الآن من العودة إلى مصر لسبب سياسي وحيد، هو خشية السيسي من منافسته في انتخابات رئاسية، في ظل علاقاته الوطيدة بحكام دولة الإمارات وشعبيته المعتبرة في الشارع المصري وتمثيله تياراً ليس قليلاً يفضل عودة أحد وجوه نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو ما يجابهه السيسي باستخدام القضية التي ما زالت مقيدة ضد شفيق بالكسب غير المشروع في النيابة العسكرية، كمانع قانوني لعودته وتمتعه بحقوقه السياسية.


واختارت دائرة السيسي توجيه ضربة أمنية من نوع معتاد في مصر لحزب شفيق، "الحركة الوطنية"، بتفجيره من الداخل، إذ تم دفع بعض قيادات الحزب المهمين في محافظات الإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية لإعلان استقالاتهم من الحزب. والسبب المعلن هو تورط شفيق في علاقات وتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت، وما زالت، خصماً أساسياً لشفيق، منذ التنافس الشرس بينه وبين الرئيس المعزول، محمد مرسي، في انتخابات الرئاسة لعام 2012. "قصص مفبركة بالكامل، هدفها توجيه رسائل للإمارات"، بهذه العبارة وصف مصدر مسؤول في حزب شفيق في القاهرة الحملة الأمنية التي تستهدف تفجير الحزب من الداخل، مؤكداً أن "هذا السلوك الأمني المعتاد في استهداف الأحزاب المعارضة، أو التي تمثل قلقاً للنظام، ينتهي غالباً بافتعال انقلابات داخلية لاختطاف تلك الأحزاب من مؤسسيها والسيطرة عليها، كما حدث مع حزبي الغد والمصريين الأحرار". ورجح أن يحاول نظام السيسي السيطرة الكاملة على الحزب قبل الانتخابات، لحرمان شفيق من الظهير السياسي الحركي الذي قد يستفيد منه إذا عاد إلى مصر.

وأضاف المصدر الحزبي أن نظام السيسي يسعى لإيهام الإمارات بوجود تنسيق بين شفيق و"الإخوان"، ما يعتبر هجوماً استباقياً من السيسي عليه لحرمانه من أي دعم إماراتي، في ظل ما يتردد عن وجود خلافات بين الإمارات والسيسي حول بعض الملفات السياسية والاقتصادية، فضلاً عن أنه يوجه رسالة للإمارات مفادها أن شفيق لا تنتظره قضية مالية فقط، بل اتهامات سياسية أيضاً بالتنسيق مع جماعة تعتبرها كل من مصر والإمارات "إرهابية"، وهو ما يعقد الأمور أمام صاحب القرار الإماراتي. وأوضح المصدر أن الحملة الحالية ضد حزب شفيق هي المرحلة الثانية من التصعيد، بعد التعليمات الحكومية للصحف ووسائل الإعلام بعدم التعاطي مع أنباء ترشح شفيق، وعدم نقل تصريحات عنه، بهدف إجهاض تلك المعلومات وعدم انتشارها، والتي امتدت أخيراً لتشمل منع التواصل مع قيادات الحزب المقربين من شفيق، والتضييق عليهم دعائياً، أو إثارة قضية الطعون التي تقدم بها على نتيجة انتخابات الرئاسة 2012.

أما في ملف التعامل مع رئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، فتؤكد المصادر المقربة منه أنه ما زال يجري اتصالات بأجهزة ودوائر حكومية وأمنية، وكذلك ببعض الأحزاب، لجس نبضها واستطلاع رأيها في ترشحه، قبل اتخاذ أي خطوة إجرائية للترشح، وهو ما نما لعلم دائرة السيسي، التي ردت بتوجيه رسائل تحذيرية لعنان ونجله عبر بعض الإعلاميين من مغبة الترشح في ظل وجود بلاغات قديمة ضده منذ كان عضواً في المجلس العسكري، بشأن وقائع فساد مالي واتجار بأراضي الدولة وتربح من عمليات "تسقيع" وبيع أراضٍ مميزة كانت خصصت له بصفته الوظيفية. وكان السيسي قد أجرى حركة تصفية واسعة في صفوف سلاح الدفاع الجوي الذي ينتمي إليه عنان، بإحالة عشرات الضباط إلى التقاعد، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب صلاتهم المحتملة بعنان الذي يتمتع بشعبية كبيرة في هذا السلاح. ثم تكللت الحركة بإحالة قائد السلاح الفريق عبد المنعم ألتراس إلى التقاعد. وتسيطر خلافات الماضي على علاقة السيسي بعنان، إذ يرى عنان أنه كان الأجدر والأحق بمنصب وزير الدفاع بعد الإطاحة بالمشير حسين طنطاوي، ويرى أن الأخير لعب دوراً سلبياً لتمكين السيسي من السيطرة على الجيش بعدما كان هو صاحب الكلمة الأولى عملياً فيه. كما أن السيسي لا يطمئن كثيراً لتحركات عنان واستعداده للتواصل مع تيارات ترى أنها تعرضت للظلم والاستبعاد بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما السلفيين.