ضرغام محمد علي: المحاصصة المذهبيّة دمّرت الاقتصاد العراقي

09 نوفمبر 2015
مدير مركز الإعلام الاقتصادي العراقي ضرغام محمد(العربي الجديد)
+ الخط -
أكد مدير مركز الإعلام الاقتصادي العراقي ضرغام محمد علي، أن العراق بحاجة ماسّة لرسم سياسة اقتصادية على أساس مشاركة الكفاءات العلمية، لأن المحاصصة السياسية والحزبية دمّرت الاقتصاد، وقال في مقابلة لـ "العربي الجديد": بات من الضروري إعادة بناء الاقتصاد العراقي، وفق أسس علمية، حتى يتمكن العراق من النهوض مجدداً. وهنا نص المقابلة:

* ما هي كلفة الفساد في العراق؟
ملف الفساد كبير ومتشعّب ولا يمكن حصره برقم محدد، ولكنه بالمليارات، بسبب كثرة القطاعات التي يشوبها الفساد منذ سنوات، وخاصة تلك التي تخصص لها موازنات استثمارية كبيرة. وحين نتحدث عن الفساد، فهذا يعني أن الأحزاب هي شريك رئيسي في هذا الملف، لأن العراق منذ 2003 أسس على المحاصصة، وكل جهة تبحث عن مصالحها، وهذا ساهم في تفشي ظاهرة الفساد وضياع مليارات الدولارات من موازنة البلاد.

* ما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الفساد؟
الآثار الاقتصادية للفساد كثيرة، وتتمثل في ضياع الكثير من الفرص للعاطلين من العمل، يضاف إليها تدمير البنى التحتية للاقتصاد من خلال هروب وتهريب رؤوس الأموال العراقية عبر نقلها إلى خارج العراق ضمن ملف غسيل الأموال. وهذه الأموال كان من المفترض أن تساهم في تأسيس مشاريع في مختلف القطاعات، أهمها الصناعة والزراعة والتجارة، إلا أن الواقع كان مختلفاً بحيث توقفت عجلة الاقتصاد العراقي الذي أصيب بالشلل بسبب الاعتماد على السوق الخارجية وتوسيع حجم الاستيراد في مقابل ضعف دعم الإنتاج. أما اجتماعياً، فقد أصبحت هنالك أجيال من العاطلين من العمل، فالمشاريع المتوسطة والصغيرة تساهم في توفير فرص عمل وتوقفها يعني البطالة والهجرة.

* هل قامت الحكومة بأي إجراءات للحد من استشراء الفساد في البلاد؟
سعت الحكومة العراقية من خلال حزمة إجراءات تقشفية، ولكن لا حل في عملية محاربة الفساد دون إنهاء المحاصصة الطائفية التي دمرت البلاد واقتصاده. والمحاصصة، كما هو معلوم، مرتبطة بالأحزاب التي تدير أعضاء الحكومة. إذ إن كل حزب أصبحت لديه وزارات، والجميع يبحث عن مصالحه الخاصة ومصالح حزبه الضيقة. لذا، على أي حكومة تريد تغيير هذا الواقع أن تقوم ببناء أسس صحيحة للاقتصاد عبر وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.


* ماذا عن الموازنة العراقية وطرق إنفاقها، هل هي مناسبة للحاجات الاقتصادية والاجتماعية العراقية؟
القيمة الإجمالية لموازنة لعام 2016 والمعلنة من قبل وزارة المالية العراقية هي حوالي 96 مليار دولار، حيث خصصت حوالي 73% منها للنفقات الجارية بنحو 70.3 مليار دولار، وخصصت 27% منها للنفقات الاستثمارية بنحو 25.8 مليار دولار. وتم تقدير الإيرادات النفطية بـ69.77 ترليون دينار وغير النفطية بترليون دينار، أي أن نسبة العجز حسب هذه الأرقام تصل إلى 26% بمقدار 25 مليار دولار.

يمكن الاستنتاج طبعاً أن هذه الموازنة غير مناسبة للبيئة الاقتصادية والاجتماعية، بسبب الاعتماد الكلي على صادرات النفط من جهة، وعدم تفعيل القطاع الخاص من جهة أخرى، برغم الإعلان عن تفعيل المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية، وكذا الحال في البيئة الاجتماعية، فإن الموازنة تذهب في غالبيتها لتسديد الرواتب أو مستحقات الشركات.

* ما هي أسباب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في العراق، بالرغم من أنه يعتبر من أغنى البلدان نفطياً؟
إضافة إلى الفساد والمحاصصات وغيرها، يعاني العراق من أزمة مالية ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية ومعدل دخل الفرد، وذلك نتيجة دخول البلاد في حرب مع تنظيم داعش. إذ نلحظ ارتفاع معدل الفقر والبطالة، حيث تم تسجيل أكثر من 3 ملايين ونصف مليون نازح في البلاد. وبما أن الكثيرين فقدوا نشاطهم الاقتصادي وعملهم، ارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات قياسية. وكذا تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي بنحو 25% مقارنة بالمستوى الذي كان عليه قبل الحرب. وأيضاً، كلّفت الحرب أكثر من 35 مليار دولار، حتى اليوم. لا بل إن الرقم سالف الذكر هو أدنى التقديرات، إذ لا يشمل كلفة تقديم الخدمات وتأهيل البنية التحتية لاستيعاب اللاجئين، أو كلفة إعادة بناء المرافق المهدمة.

* ما رأيك بلجوء العراق إلى الاقتراض الخارجي لسداد العجز؟
الاقتراض السنوي من صندوق النقد الدولي ستكون له آثار تراكمية على الاقتصاد العراقي على المدى القصير والمتوسط، إضافة إلى إثقال كاهله بشروط تمس سياسات البلد الاقتصادية، لذا فمن الأفضل تقنين القروض الدولية خصوصاً من صندوق النقد، وربط الاقتراض فقط بالظروف القاهرة وإبعاده عن خيارات سد العجز.

* بعض التقارير تشير إلى ضعف إنتاجية الموظف العراقي، ما هو تعليقكم؟
الجميع يعي أن القطاع الحكومي العراقي بشكل عام يعاني من الترهّل، مع وجود نحو 4.5 ملايين موظف، وهو الرقم الأعلى على مستوى الشرق الأوسط، تقابله قلّة في الإنتاج، لأن ساعات العمل المحددة في العراق للموظف الحكومي تصل إلى سبع ساعات، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن معدل إنتاج الموظف الواحد لا يتجاوز الساعة الوحدة، والسبب في هذا التضخم العددي هو توجه غالبية العراقيين إلى القطاع الحكومي لضمان المورد المالي، على حساب القطاع الخاص المحرك الرئيسي للاقتصاد في البلاد.

* إذاً، ما هو دور وزارة التخطيط في هذا الصدد؟
وزارة التخطيط شأنها شأن باقي القطاعات الحكومية التي تقف في طابور توزيع المناصب الحكومية للكتل السياسية، ولذا نلاحظ أن نشاطها بعيد كلياً عن التخطيط السليم للسياسات الاقتصادية. وأي بلد يفتقر إلى رسم سياسات اقتصادية واضحة فذلك يعني حتماً فشله في جميع القطاعات وانهياره، وهذا ما يحدث في العراق. إذ برغم وضع خطة خمسية وعشرية للنهوض بالقطاعات الاقتصادية، إلا أنها فشلت. يجب تأسيس بنى تحتية صحيحة للاقتصاد العراقي الذي تضرر كثيراً بفعل الفساد ومافيا غسيل الأموال على حساب المواطن والوطن.


* ما هو تقييمك لسوق العملة في العراق، وسط فوضى المضاربات المالية؟
تشهد السوق العراقية حالة من المضاربات الوهمية من قبل بعض الأشخاص على مبيعات الدولار، وهذا الواقع أدى إلى خلق حالة من الإرباك ورفع سعر الدولار. ويمكن اعتبار ما يحدث في السوق هو عملية مقصودة ومنسّقة من قبل جميع الجهات التي تبيع الدولار في الوقت الحالي، لتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح.

اقرأ أيضاً:"إصلاح" في العراق: الشكوك تلفّ بلد الفساد
المساهمون