ضربة مباركية لحائط البطولات (1/2)

08 أكتوبر 2019
+ الخط -
"متى نرى فيلماً سينمائياً يليق بمستوى نصر أكتوبر المجيد؟ ولماذا نرى أعمالاً فنية تتحدث عن بطولات المخابرات العامة أو عن بطولات حرب الاستنزاف، لكننا لا نرى فيلماً يحكي عن بطولات حرب أكتوبر؟ ولماذا الاحتفال بحرب أكتوبر مسموح به في الأغاني والأوبريتات فقط؟". 

لم أعد أذكر كم مرة قرأت هذه الأسئلة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولا كم مرة شاركت في الإجابة عليها بتحقيق صحفي أعده أو أشارك فيه، لكنني لم أقترب من معرفة إجابتها الحقيقية إلا بعد أن اشتركت قبل نحو عشر سنوات في محاولة صنع فيلم عن حرب أكتوبر، وخلال اشتراكي في تلك التجربة التي باءت بالفشل، أدركت أنه لن يتم عمل أفلام عن نصر أكتوبر إلا بقرار سيادي، تمتلكه المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، لكنهما لا يتخذانه لأسباب لا يمكن الجزم بها، ولذلك يلجأ الكثيرون إلى تفسير غياب أفلام حرب أكتوبر بواحدة من أشهر نظريات المؤامرة التي تتحدث عن وجود ملحق سري في اتفاقية كامب ديفيد، يسجل عدداً من المحظورات العسكرية التي يجب أن تلتزم بها مصر فيما يتعلق بسيناء، كما يمنع مصر من إنتاج فيلم عن حرب أكتوبر، لحظة الانتصار المجيدة والوحيدة على إسرائيل في تاريخ العسكرية المصرية الحديث. 

كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن ذلك الملحق السري المزعوم، حين تصادف بدء عملي في الصحافة في مطلع التسعينيات، مع الأزمة التي أثيرت حول مشروع فيلم عن حرب أكتوبر، كان الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة قد بدأ في كتابته بتكليف من وزارة الدفاع، لكن الكاتب إبراهيم سعدة رئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم) شن من خلال صحف مؤسسة (أخبار اليوم) حملة صحفية تعترض على تكليف أسامة بكتابة الفيلم، لأن أسامة في رأيه كاتب ناصري متعصب، وصاحب مواقف كارهة للرئيس السادات ومتحيزة ضده، وهو ما سيجعله يشوه نصر أكتوبر ويقلل منه، مع أن أسامة كان يتعاون في الفيلم مع وزارة الدفاع التي يفترض أنها لن تسمح بتشويه صاحب النصر الأبرز في تاريخ العسكرية المصرية الحديث. 

لم تكن حملة صحف (أخبار اليوم) على أسامة عكاشة جديدة، فقد سبق شنها عليه بعد عرض الجزء الثالث من مسلسل (ليالي الحلمية)، واتهامه بتشويه عهد السادات وتبرير أخطاء عهد جمال عبد الناصر، لكن تلك الحملة فشلت في دفع صفوت الشريف إلى إيقاف أسامة عن المضي في كتابة جزء جديد من مسلسله، بسبب الشعبية الطاغية للمسلسل، وإقبال محطات التلفزيون العربية على شرائه بأرقام فلكية، بالإضافة إلى رغبة نظام مبارك في ترسيخ صورة النظام "الذي لم يقصف قلما ولم يغلق صحيفة"، ولذلك اكتفى صفوت الشريف بتسليط الرقابة على المسلسل لكي تقوم بكسر سمه، مما أثار عدة أزمات كادت توقف تصوير المسلسل، بسبب اعتراض أسامة عكاشة ومخرج المسلسل إسماعيل عبد الحافظ على طلبات الرقابة، ليترك الأمر للمساومة وتطبيق سياسة "سيب وأنا أسيب".

لذلك حاول إبراهيم سعدة أن يقوم بضبط "تون" حملته الجديدة، لكي لا يتم تصويرها كرغبة شخصية في قصف قلم أسامة أنور عكاشة، أو محاولة للتقليل من أهميته ككاتب دراما، ليركز في مقالاته على إثارة تساؤلات "بريئة" عن سر إسناد أول فيلم تنتجه الدولة عن حرب أكتوبر لكاتب صاحب مواقف متحيزة، بدلا من اختيار كاتب محايد وموضوعي، مؤكداً أن حرب أكتوبر لا يمكن أن يترك التعبير عنها دراميا لكاتب ناصري، يقلل من شأن السادات، ويعتبر نصر أكتوبر مجرد تكملة لما بدأه عبد الناصر في حرب الاستنزاف، ولذلك نجحت حملة (أخبار اليوم)، وتم تجميد المشروع والاعتذار لأسامة أنور عكاشة الذي كان قد بدأ في شن حملة صحفية مضادة في بعض صحف المعارضة، ثم توقف فجأة عن استكمالها، وانصرف إلى مشروع تلفزيوني جديد.

منح توقف مشروع أسامة أنور عكاشة الفرصة لمشروع سينمائي آخر عن حرب أكتوبر، كان يحضر له المنتج والماكيير السينمائي محمد عشوب، لم يكن على فريق عمله أي غبار بالنسبة لصحف (أخبار اليوم)، وكان عشوب قد أعلن عن حصوله على الموافقات اللازمة من وزارة الدفاع، وقام بترشيح صديقه النجم أحمد زكي لأداء دور الرئيس السادات، وكان ذلك حلما قديما من أحلام أحمد زكي، لكن المشروع الذي بدا أنه أقرب للتنفيذ، توقف في ظروف غامضة، ثم اختفت أخباره من الصحف، واختفت بعدها أخبار أكثر من مشروع عن بطولات حرب أكتوبر، ليظهر وبقوة ذلك التفسير المؤامراتي الذي يتحدث عن ملحق كامب ديفيد السري، والذي استدل مروجوه بفكرة أن كل الأفلام التي أنتجت عن حرب أكتوبر، وبرغم تعاسة المستوى الفني لأغلبها، تم إنتاجها بعد الحرب مباشرة، وأنتج آخرها (العمر لحظة) قبل فترة من توقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر عام 1978، ومنذ تلك اللحظة لم يُسمح بإنتاج فيلم عن حرب أكتوبر، بل تم السماح بإنتاج أفلام تلفزيونية عن حرب الاستنزاف وما سبقها وما تلاها، مثل (الطريق إلى إيلات) و(حكايات الغريب) الذين أنتجا في مطلع التسعينات، وبعد سنوات شاركت الدولة في إنتاج فيلم (يوم الكرامة) عام 2004 الذي يحكي عن دور القوات البحرية في حرب الاستنزاف. 

كنت ممن يرفضون تصديق تلك النظرية المؤامراتية، لسبب وجيه هو أن الدولة كانت حريصة على تقديم أوبريتات غنائية مصحوبة ببعض المشاهد التمثيلية في كل ذكرى لحرب أكتوبر، يحضرها الرئيس حسني مبارك وكبار رجال الدولة، مما يمثل حرص الدولة على تأكيد اعتزازها بتلك الحرب، التي تشكل جزءا مهما من الشرعية الرئاسية لحسني مبارك، بوصفه قائداً لسلاح الطيران في الحرب، لكن معتنقي نظرية الملحق السري كانوا يرون أن إسرائيل لن تجد مشكلة في إنتاج مثل تلك الأوبريتات التي يتم صياغتها في الغالب الأعم بشكل يستفيد منه حسني مبارك سياسياً وإعلامياً، بوصفه صاحب "أول ضربة جوية فتحت باب الحرية"، طبقاً لكلمات الأغنية التي تحولت إلى نكتة، خصوصاً مقطعها القائل "ادّي ادّي ادّيها كمان حرية". 

ومن أجل التأكيد على نظرية المانع الخفي الموجود في الملحق السري، كان مؤيدو النظرية يشيرون إلى تفاهة أثر أوبريتات حرب أكتوبر على الوجدان الشعبي، بسبب مضمونها المائع الذي يحتفي بالانتصار على العدو، دون أدنى إشارة إلى تاريخ الصراع مع ذلك العدو ـ الذي لا يرد اسمه أصلاً في أغلب مقاطع الأوبريتات ـ ودون الحديث عن أسباب ذلك الصراع ولا طبيعته، فضلا عن عدم الإشارة إلى الهزائم التي سبقت الانتصار وأسبابها، وخصوصية الانتصار وارتباطه بإرادة المقاتل المصري وشجاعته، أكثر من ارتباطه بهذا القائد أو ذلك، لتواصل تلك الأوبريتات التأكيد على رسالة واحدة يجب أن يقتنع بها المواطن: "ثق في رئيس بلدك المقاتل وجيشك وقياداته لأنهم مثلما انتصروا مرة سينتصرون إلى الأبد"، وهي رسالة تتطابق مع الرسالة التي تحملها كل الأعمال التي تم تقديمها "من ملفات المخابرات العامة المصرية" والتي تقول للمواطن أيضاً: "أنت محمي من أذكى جهاز مخابرات في العالم، فلا تقلق إن المخابرات وصقورها معنا".

وجدت نفسي أقرب إلى تصديق نظرية المانع الخفي، دون تحديد واضح لطبيعته، هل هي ملحق سري مكتوب أم اتفاق عرفي بين الأجهزة السيادية، حين شاركت مع بطل الصاعقة اللواء نبيل أبو النجا متعه الله بالصحة والعافية، في صناعة فيلم عن بطولات مقاتلي الصاعقة خلال حرب أكتوبر، وهي تجربة وجدت نفسي فيها بالصدفة، بعد أن قمت في إحدى حلقات برنامج (عصير الكتب) الذي كنت أقدمه عام 2010 على قناة دريم ذائعة الصيت وقتها، بالإشارة إلى كتاب أصدره اللواء نبيل بعنوان (رحلة إلى جهنم)، يروي تجربته هو وزملائه من المقاتلين خلف خطوط العدو، وقد تساءلت في الحلقة عن سر عدم تحويل الكتاب إلى فيلم سينمائي، في الوقت الذي لا تكف فيه الصحافة وبرامج التلفزيون عن انتقاد السينمائيين لأنهم لا يبادرون إلى صنع أفلام عن حرب أكتوبر، برغم الحماس الذي أعلنه الكثير من الكتاب والمخرجين والأبطال للمشاركة في عمل مثل ذلك مجاناً. 

اتصل بي بعد فترة قصيرة من إذاعة الحلقة الفنان أحمد عبد الوارث رحمه الله، وقال لي إنه يحمل لي تحيات اللواء نبيل، وأنه يعمل معه مستشارا فنيا في مشروع لإنتاج فيلم مأخوذ عن كتابه، وأن اللواء نبيل بدأ بالفعل في التحضير للمشروع، وحصل على موافقة مبدئية من المخابرات الحربية التي فهمت أنها جهة الاختصاص داخل القوات المسلحة لإصدار الموافقات على مشاريع كهذه، وأن الرقابة على المصنفات الفنية تشترط حصول أي مشروع فني له علاقة بالجيش على موافقة مكتوبة ورسمية من المخابرات الحربية، قبل قراءة المشروع الفني أو استلامه، وكنت قد عرفت أيضاً أن لوائح الرقابة تعرضت للتعديل في هذه النقطة بشكل ما، خصوصاً بعد الأزمتين اللتين أثارهما فيلم (عبود على الحدود) للمؤلف أحمد عبد الله والمخرج شريف عرفة وفيلم (السيد أبو العربي وصل) للمؤلف طارق عبد الجليل والمخرج محسن أحمد، حيث تم اتهام الفيلم الأول بالسخرية من القوات المسلحة، واتهام الفيلم الثاني بالسخرية من حرب أكتوبر، وفي حين أجيز عرض الأول بعد مشاهدة كبار قادة القوات المسلحة له، والذين لم يروا فيه ما يشين أو يسيئ إلى الجيش، فقد تعرض الثاني لحملة شرسة في مجلس الشعب، وتسبب في استياء الجيش، وتم حذف بعض اللقطات والعبارات منه، وبذل منتج الفيلم كامل أبو علي وبطله هاني رمزي جهودا ضخمة لتأكيد حسن نية فريق العمل وعدم موافقتهم على أي إساءة توجه لحرب أكتوبر ولمقاتليها. 

أبلغت الفنان أحمد عبد الوارث أني متحمس للمشروع، لإمكانياته الدرامية الواعدة، ولأنه يتوافق مع اعتقادي بأهمية رد الاعتبار للمقاتل المصري الذي ضحى بحياته في حرب أكتوبر، وهي تضحيات توارت عمداً خلف ضجيج الحديث عن الضربة الجوية وشرعية أكتوبر وروح أكتوبر، وتعرفت بالفعل على اللواء نبيل أبو النجا، وعقدنا عدة جلسات عمل في شقته بالمنيل، والتي تذكرتها وأنا أستمع إلى ما قاله المقاول محمد علي عن قصور وفيلات السيسي ومحاسيبه من القادة هذه الأيام، وكان اللواء نبيل في كل جلسة أو كل اتصال يؤكد عدم وجود أي عوائق لاستكمال المشروع، وبدأنا مع تبلور التصور الدرامي في التفكير في أكثر من مخرج، وكان من بين الأسماء التي طرحها أحمد عبد الوارث اسم المخرج التونسي شوقي الماجري، والذي كان قد قام في تلك الفترة بتقديم أكثر من عمل تلفزيوني متميز. 

وقبل أن نبدأ في أخذ خطوات أكثر جدية، اندلعت ثورة يناير، وتعطل المشروع عدة أشهر، ثم عدنا للعمل فيه بعد فترة من قيام ، وقد تضاعف أملي في عمل الفيلم دون معوقات، بعد أن غار حسني مبارك وسقطت قدرته على استثمار ضربته الجوية، التي قال عنها عمنا المقاتل المصري جلال عامر قولته الشهيرة "ياريته كان ضربنا احنا ضربة جوية وحكم إسرائيل تلاتين سنة"، لكني فوجئت بتعطل المشروع دون سبب مفهوم، وحين توقف اللواء نبيل والفنان أحمد عبد الوارث عن الاتصال بي، أرجعت الأمر إلى وجود تحفظ على اسمي، بعد أن زادت حدة انتقاداتي للمجلس العسكري منذ أول صدام بينه وبين المتظاهرين في يونيو 2011، وتأكدت من ذلك حين وجدت أخبارا تنشر عن المشروع بدون الإشارة إلى اسمي، وكنت حزينا على ضياع تلك الفرصة المهمة، لكن المشروع نفسه اختفى بعدها في ظروف غامضة، وحين التقيت بالفنان أحمد عبد الوارث بالصدفة في عام 2012، وسألته عما جرى للمشروع، كان محرجاً ولم يرغب في إطلاعي على تفاصيل، لكنه قال لي إن حالة الترحيب بالمشروع والحماس له لم تعد كما كانت، وأن اللواء نبيل أبو النجا نفسه لا يفهم لماذا حدث ذلك، وفي غاية الاستياء من تعطيل المشروع، لكنه لا يزال يأمل في خروجه إلى النور، وهو ما لم يحدث حتى الآن.  

استعدت هذه الوقائع بعد أن قرأت الجزء الخامس من كتاب (حياتي في السينما) لكاتب السيناريو الكبير مصطفى محرم، والذي صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي واصل فيه مصطفى محرم رواية ذكرياته الممتعة عن عمله الطويل في السينما، مواصلا في الوقت نفسه الإشادة بنفسه وبكل ما قدمه للسينما، وإن كان قد أظهر لنفسه في هذا الجزء بعض النقد الذاتي على خفيف، ربما ليبرر تعثر أغلب أعماله التي لم يقبل عليها الجمهور في التسعينات كما كان يحدث من قبل، لكنه واصل تصفية حساباته مع الكثير من منافسيه وزملائه، ويحسب له أنه لم ينتظر هذه المرة حتى يرحلوا مثل ما فعل مع المرحوم أحمد زكي في كتابه (أحمد زكي الأصل والصورة)، بل قرر أن يصفي حساباته معهم وأغلبهم أحياء يرزقون، ويمتلكون حق الرد، خاصة إذا كانوا ممكن يملكون أقلاماً قوية، مثل الكاتب الكبير وحيد حامد الذي اتهمه مصطفى محرم في أكثر من موضع من كتابه بسرقة أفلامه والتزلف للمنتجين، وهي اتهامات متهافتة أستغرب صمت الأستاذ وحيد تجاهها، لكن وبغض النظر عن الأكتاف غير القانونية التي تمتلئ بها المذكرات، يحسب للأستاذ مصطفى محرم تقديمه كثيراً من التفاصيل المهمة عن طبيعة العمل في السينما المصرية في ظل ما يعتبره الكثيرون الآن زمناً جميلاً، مع أنه كان كغيره من الأزمنة.

سيكون لنا عودة إلى مذكرات مصطفى محرم، لكني أتوقف الآن عند الشهادة التي قدمها عن تجربته في صناعة فيلم عن حرب أكتوبر خلال عهد مبارك، وهو فيلم (حائط البطولات) للمخرج محمد راضي، والتي بدأها بالحديث عن تخلف السينما المصرية في التعامل مع بطولات حرب أكتوبر، والصعوبات المادية التي يقابلها إنتاج أفلام حربية على مستوى متميز كالتي قدمتها هوليود عبر العقود الماضية، ثم حكى أن محمد راضي اتصل به وطلب منه الحضور إلى مقره المختار في فندق النبيلة، والذي كان قد التقى به من قبل حين طلب منه إعادة كتابة سيناريو فيلم (فتاة من إسرائيل) الذي أنتجه محمد وأخرجه ابنه إيهاب، وكانت نتيجته كارثية على المستويين الفني والجماهيري، بعكس ما يدعي مصطفى محرم في كتابه.

حين ذهب مصطفى محرم إلى محمد راضي عرفه على ضابط في سلاح الدفاع الجوي اسمه العميد إبراهيم رشاد، ولاحظ مصطفى وجود سيناريو ضخم في حجم دليل التليفونات، اتضح فيما بعد أن صفحاته تتجاوز الخمسمائة صفحة، وأخذ محمد راضي يحدث العميد عن تميز مصطفى محرم في كتابة السيناريو، فأخبره العميد بأنه لا داعي لهذا الكلام لأنه غني عن التعريف، وذكر إعجابه بكثير من أفلام مصطفى محرم، وخصوصاً فيلم (أغنية على الممر)، وهو في رأيي أجمل وأعذب فيلم حربي في تاريخ السينما المصرية، ولا يمكن فصل تميزه عن كونه مأخوذاً من مسرحية الكاتب علي سالم الجميلة، والتي كتبها قبل سنين طويلة من تحولاته السياسية المؤسفة، التي تصلح في حد ذاتها موضوعاً لعمل درامي مهم.

قال محمد راضي لمصطفى محرم إن العميد إبراهيم رشاد أهداه مشروعا وطنيا عن حرب أكتوبر بعنوان (حائط البطولات)، وهو ذلك السيناريو الضخم الذي كتبه العميد إبراهيم وأخذه عن يوميات كتبها المشير محمد علي فهمي قائد سلاح الدفاع الجوي في حرب أكتوبر 1973، وحين بدأ مصطفى محرم في العمل على السيناريو بعد التعاقد مع محمد راضي، أعجب بالتفاصيل التي رواها محمد علي فهمي في يومياتها، والتي قدم فيها تفاصيل التضحيات والكفاح من أجل بناء قواعد إطلاق الصواريخ، والتي استشهد فيها المئات من عمال البناء من أهل الصعيد، وتفاصيل نجاح المهندسين العسكريين في بناء تلك القواعد عن طريق التمويه، وهي تفاصيل أحس مصطفى وهو يقرأها أنه أمام ملحمة كبرى مثل الإلياذة والشاهنامة ورواية الحرب والسلام على حد تعبيره، وأدرك حقيقة أن حرب أكتوبر لم تكن هي الضربة الجوية التي قام بها سلاح الطيران المصري، كما يقول إعلام الطبل والزمر والنفاق على حد وصفه، لكنه شعر أن السيناريو المكتوب لا يحتاج فقط إلى الاختصار، بل يحتاج إلى صياغة درامية إنسانية، لأنه يمكن اعتباره مادة علمية أو عسكرية، لا يمكن تصويرها بالشكل الذي كتبت به، لأسباب فنية وإنتاجية أيضاً.  

...

نكمل غداً بإذن الله

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.