ضد الخلافة

10 مارس 2015
قيادة النظام العالمي هي من فرضت قيم القتل (Getty)
+ الخط -

في بداية يناير/كانون الثاني 2011 حين قام الربيع العربي، اجتاحت معه موجة من الانتفاضات الوطن العربي، وبدأ معه أيضًا نضال قطاعات كبيرة من الشعوب المظلومة من أجل إسقاط حفنة من الحكام المستبدين الجهلة الذين يحكموننا بالوكالة بدلًا من المحتل الأجنبي، لكن لم تقم هذه الانتفاضات ضد هؤلاء الحكام فقط، بل قامت دون أن تدري حين قامت ضد من وضعهم في أماكنهم هذه، ضد أفكار سادتهم، ضد من جعلهم سادة وصنفنا عبيدًا، ضد من جعل الحرية حكرًا على قومٍ بينما اعتبر آخرين مازالوا غير مستعدين لها، ضد من صدّر لنا الإسلام الوسطي الجميل ثم انقلب عليه، ضد من حرّق العراق، ضد من قتل اللاجئين بردًا في الشام وجوعًا في الصومال وجعل أموال الخليج "زي الرز"، ضد النظام العالمي، ضد الخلافة الحالية.

لم تقم الثورات ضد "سلوك" النُظم الحاكمة في بلداننا، بل قامت ضد "القيم" التي أفرزت هذا السلوك، لم تقم ضد أشخاص بقدر ما قامت ضد أفكار وقيم، إن مجموعة القيم الحاكمة حاليًا فاسدة ولا دليل على ذلك أكثر من واقعنا الحالي.

فالقتل هو سلوك يتبعه النظام ليحميه، لكن يحميه مِن مَن إن كان عادلًا؟

تفصيلًا، الثورة ليست فعل إصلاحٍ يهدف إلى تعديل بعض سلوكيات النظام الحاكم، أو استبدال قيمة بأخرى في منظومة قيمه، بل إن الثورات تقوم بالأساس بعد فشل الجهود الإصلاحية لمنظومة القيم الحاكمة، إذن الثورات هدفها هو هدم منظومة القيم الحالية واستبدالها بمنظومة قيم أخرى توفر العدل والحرية للشعوب المضطهدة، وتبذل في سبيل ذلك كل السُبل الممكنة.

السؤال الأن، من وضع هذه القيم الحالية التي أنتجت هذا الكم من القهر والقتل لنقوم بمواجهته؟ سؤال ساذج.

أميركا في قيادة النظام العالمي هي التي وضعت هذه القيم ورسختها في بلداننا لتضمن أداءً جيدًا من قبل كلاب الحراسة، تلك القيم التي تسمح للدولة باستخدام القوة تحت شعار "الأمن" بينما تُعتَبر إرهابيًا خارجًا على القانون لو استخدمت عُشر هذه القوة في استرداد حقوقك المسلوبة!

وحين تُفرط الدولة في استخدام قوتها، ستخرج المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لتعرب عن قلقها إزاء سلوكيات رجالها القمعية في منطقتنا، لا تصدقها، لأنهم سيستغلون انشغالك بمتابعة كلامها وينقلون شحنة جديدة من قنابل الغاز المسيل للدموع لمن شجبت تصرفاتهم منذ لحظات.

الولايات المتحدة الأميركية، أو قل الخلافة، لا تراعي سوى قيمها التي فرضتها على العالم أجمع بالقوة، والتي بُنيت على المصلحة الأميركية بالأساس، فتراها تقف مع مبارك وتؤكد أنه حليفها في المنطقة ثم لا تلبث أسبوعين حتى تُعلن صراحةً أنه حان وقت الرحيل يا مبارك، تفعل هذا بكل أريحية واتساق مع نفسها. وهكذا دائمًا.

لا نلوم أميركا والغرب من ورائها، بل نرفع لهم القبعة على نجاحهم، حتى الآن، وحرصهم الشديد على مصالحهم ومصالح شعوبهم.

لكن أزمتنا الحالية وضعفنا لا يمنعاننا من المطالبة بإسقاط خلافتهم واسترداد حريتنا وكرامتنا وأموالنا المسلوبة، هذه هي المعركة الحقيقية ويجب على الثورات أن تعي ذلك وأن تعلن ذلك دون مواربة، نحن ضد النظام العالمي الحالي وما يمثله من ظلم وجشع وقهر وهوان لنا. نحن ضد أميركا.

هذه الكلمات ليست مراهقة ثورية، وليست نتاج لسيطرة نظرية المؤامرة على عقلي، بل هي لُب القضية الذي نهرب ونفر من مواجهته دائمًا. أميركا لن تأتي لك بحقك ولن تسمح بأن يعود لك حقك، حتى وإن ناشدتها طيلة عمرك وشرحت لها مدى معاناتك التي تعيشها، أو حتى رفعت "علامة رابعة" في الكونغرس.

حقك يسترد عندما يستقل قرارك وتحدد أهدافك دون أن تضع في حسبانك نظرة أميركا لك!

إن الحل يكمن في أن تجرح مشاعر أميركا وأن تهدد مصالحها وأن تخالف قيمها الموضوعة لاستعبادك دون هوادة، حينها سيصير لك قيمة ووزن في هذا العالم، ويصير لك وزن بينهم.

المساهمون