ضحيّة "هدي قلبك" لـ "جيل": لم أكن أعرف

20 نوفمبر 2016
+ الخط -

"الضغط النفسي والخوف جعلاني غير متزن وأصاباني بصدمة نفسية. كنت سأفعل أي شيء يطلبونه مني فقط كي لا أذهب للسجن. لم أكن قادرًا على التفكير أو اتخاذ أي قرار. أصبحت سعيدًا فقط لأن ما حدث ليس حقيقيًا، بغض النظر عن الطريقة التي عوملت بها، ولذلك كان من السهل أن أوافق على بث الحلقة".

بهذه الكلمات، يعبر الشاب صدام مجيد الشبلي (23 عامًا) المولود في ريف حلب في سورية، والمقيم في لبنان، عن موقفه من برنامج "هدي قلبك" الذي يعرض على قناة Otv اللبنانية. الشبلي هو أحد ضحايا هذا البرنامج؛ حيث تعرّض لموقفٍ يستهزئ بالإنسان وكرامته بعد أن تحول لقاء العمل الذي قدّم الشاب له إلى مشهد من المفروض أن يكون "كوميديًا" لا يتفق مع الحدود الدنيا من معايير حقوق الإنسان ضمن حلقة البرنامج التي بثت في 22 تشرين الأول الماضي، واللوم قد لا يكون على أصحاب البرنامج أنفسهم الذين يستبيحون الإنسان بهذه الطريقة، بقدر ما تلام إدارة المحطة التي تسمح بمرور هذا النوع من المواد الذي يجرم عليه القانون على الأغلب في الدول المتقدمة.

في حديثه إلى "جيل"، يضيف الشبلي: "لم أكن على أي علم مسبق بالمقلب الذي تعرضت له كما يدعي بعضهم، لقد تم خداعي؛ فأنا بحاجة لعمل، وكانت تلك فرصة جيدة لي، لكنها تحولت إلى كابوس، ومن المستحيل أن أقبل بذلك لو علمت، فأنا أدرس التمثيل وهذا سيؤثر سلبًا على صورتي المستقبلية".

يتابع: "لم أكن أتخيّل أن الموقف مهينٌ لهذا الحد، إلى أن تابعت ردود الأفعال في الصحافة. وضعي النفسي لم يسمح لي بتقدير الأمر. لو أُسأل الآن عن رغبتي الحقيقية؛ فقطعًا لن أوافق على بث الحلقة".

في قراءة سريعة، نجد أن برنامج "هدّي قلبك" يحمل من اسمه كثيراً؛ فالمُشاهد على موعد مع جرعة طويلة من السماجة وثقل الظل تستبيح ما تبقى من كرامة مهدورة للمواطن اللبناني أو حتى المشاهد العربي. ليست مبالغة أن المشاهد المسكين يتحول إلى ضحية تحتاج الدخول في غيبوبة كنوع من النقاهة من أجل كظم الغيظ الناجم عنه.

الكوميديا التي يتقنع بها البرنامج كي يهين ويسخر ويحقر ضحاياه، أقرب إلى أن تكون تكريسًا عمليًا لنظام المليشيات المحلية القائمة على الترهيب؛ فالمشاركون في إعداد مواقفه المختلفة يحرصون على الظهور بهيئة من يمتلك المال والسلطة والنفوذ و"النساء الجذابات"، على حساب الضحية الضعيف، الذي تُكرِّس الكاميرا الخفية ضعفه عن قصد لتعزيز صورة الانكسار الداخلي وتحطيم الشخصية، بقصد الإضحاك السادي، عبر جولات إذلال متتالية تثير المشاركين في المشهد كي يزيدوا من جرعته بشكل يتناسب مع انهيار الضحية.

عناصر السيطرة النفسية على الضحية تبدأ من استقبال الضحية بفتاة جميلة ومثيرة، ثم مشهد الحاجز الأمني الذي لا يعدو كونه تعزيزًا لفكرة سيطرة المليشيات الطائفية في لبنان كنظام سياسي. ليس غريبًا أن تأتي هذه المشاهد عبر قناة أصبحت بشكل أو بآخر القناة الرسمية للبنان؛ لأن وصول تيارها السياسي للرئاسة هو نتيجة لنظام المحاصصة الطائفية؛ الأمر الذي قد يبرّر الأسلوب الفج للبرنامج، فهو تكريس لمنطلق القوة في أرض الواقع.

العقلية السياسية الإعلامية القائمة على منطق القوة تتوضّح أكثر في مشاهد تالية أقرب لمشاهد تعذيب سادية في معتقلات مشهورة مثل أبو غريب في العراق، أو حتى معتقلات النظام السوري الصديق لتيار التغيير والإصلاح بزعامة ميشال عون؛ ابتداءً من خلع الملابس وتعرية الضحية/المتهم وجعله مكشوفًا لاستهزاء شنيع لا يمكن للعقل الطبيعي السوي استيعابه، وليس انتهاءً بالضحية وهو يردد كلمة خبز تحت تهديد السلاح حاملًا لافتة كتب عليها "قف حاجز"، قبل أن تأتيه الأوامر لأن يمشي مشية البطة الشهيرة في سورية كأحد الأساليب التعذيبية للقضاء على أي شعور بالكرامة وعزة النفس.

الجو العام الذي تم خلقه في المشهد، يجعل من ردود أفعال الشاب مقاربة لردود أفعال طفل صغير خائف ينفذ أوامر رجل كبير وضخم وسادي، كي لا يتعرض للسوء أكثر مما تعرض له سلفًا.

بعد كشف حقيقة المقلب، يبدو الشاب الفاقد للقدرة على الحديث والحركة من الذعر كـ "دمية متحرّكة"، وكأنه يصرخ من دون صوت: "الحمد لله لقد كان مجرد مقلب أو كابوس، لا فرق معي إن كان مذلًا وحقيرًا وغاية في السوء، لا فرق إن كانت كرامتي قد هدرت أمام الكاميرات وأمام الفتاة الجميلة التي استقبلتني، المهم أن الخوف انتهى وأنني لن أذهب إلى السجن، تباً للعمل والنقود، الحمد لله سأعود لمنزلي من دون عمل".

في حديثه إلى "جيل"، يوضّح الشبلي أن مقدّم البرنامج سيظهر على شاشة الجديد وLBC كي يقدّم اعتذارًا للشعب السوري بعد الحملة الإعلامية التي بدأت في اليومين الأخيرين، مؤكدًا أن معد البرنامج لم يكن على علم بجنسية الشاب.

الأمر الذي يتعارض مع فكرة البرنامج، هو أنه يرتكز على مبدأ أن يقوم أحد أصدقاء الضحية بالتواصل مع البرنامج ويطلب منه إعداد المقلب به، بعد أن يزودهم بمعلومات تساعدهم في إعداد مقلب يؤثر في الضحية. بالتالي، فإن معد البرنامج يعلم بهوية الشخص، واختار مشهد الحاجز الأمني، وعبارة "الخبز"، ومسألة تهريب السلاح لقربها لما يحدث في سورية حاليًا، ولعلمه مسبقًا بكمية الهلع التي سيسببها ذلك المشهد دون غيره لدى الشاب.

يمكن القول، إننا وصلنا إلى العصر استهلكت فيه كل القيم، لم يعد هذا شيئاً من المستقبل. عصر استخدمت فيه كل أنواع الصدمات التي قد تجعل منتج ما ينتشر فيروسيًا على الشبكة، إلا أن مخيلة بعض المنتجين في صناعة هكذا برامج يبدو أنها لا تنضب وتدهشنا كل يوم بما هو أسوأ. في اللحظة التي تعتقد أن برنامج "رامز" الذي عرض على قناة MBC بأجزائه المتعددة هو الأسوأ في تاريخ برامج المقالب العربية، يأتي برنامج "هدي قلبك" كي يسكر لك قلبك ويثبت لك العكس.

 

المساهمون