ضحايا الحروب التافهة

28 أكتوبر 2014
+ الخط -

يخسر اللبنانيون يومياً تفصيلاً تلو الآخر؛ في حرية حركتهم وهاجس التفجير الأمني وانشغالهم في التفكير بكل ما تشيعه دولتهم وأجهزتها عن حرب باتت ضرورية على "الإرهاب". حوصر جزء غير صغير من أهالي مدينة طرابلس (شمال) في منازلهم وأحيائهم، بفعل الاشتباكات بين الجيش ومجموعات مسلحة، قيل إنها محسوبة على تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة".

علقت أكثر من 500 عائلة بين كمائن نصبها مسلحون للجيش، ومعارك وعمليات دهم خاضها الأخير لردّ الاعتداء على وحداته. وخلاصة كل ذلك مبادرات سياسية وأمنية تقودها فعاليات طرابلسية لوقف إطلاق النار وفضّ الاشتباك، تماماً كما درجت العادة بعد أحداث مماثلة في لبنان. ثم ينسحب المعتدون وتعود الدولة لتسيطر على مناطقها، بعد أن تكون قد خسرت من هيبتها وسلطتها، قضمة بعد أخرى. أحداث باب التبانة (طرابلس، 2005 حتى 2014) تشهد على ذلك، وكذلك معارك عرسال (عند الحدود الشرقية مع سورية، أغسطس/آب 2014).

تبقى حرب نهر البارد (في الشمال أيضاً) أمّ هذه التجارب منذ عام 2008، يوم فرّ أمير تنظيم "فتح الإسلام" من حصار الجيش، الذي دخل المخيّم المنكوب مهلّلاً بنصر عظيم.

اعتاد اللبنانيون على سيناريوهات مماثلة على أعتاب محطات سياسية مفصلية، حين تفجّر أجهزة الأمن الأوضاع لتمرير تسويات في السياسة، أقلّ ما يقال فيها إنها تافهة، قياساً بأرواح الناس وخسائرهم المعنوية والمادية. أنجب مخيم "البارد" يومها رئيساً للجمهورية، وأتت أحداث مايو/أيار 2008 (اجتياح حزب الله للعاصمة بيروت) بـ "اتفاق الدوحة" الذي أنهى الأزمة السياسية حينها بانتخابات نيابية وحكومة "وحدة وطنية". يتكرّر الأمر نفسه اليوم، من عرسال إلى طرابلس التي اعتاد أهلها أن يكون التوتر فيها، نتيجة خلاف بين القوى السياسية على طاولة مجلس الوزراء، أو في الصراع في ما بينها على تلزيمة أشغال أو سرقة مباشرة لأموال الدولة وصناديقها. يدفع الطرابلسيون وعموم أهالي الشمال ضريبة المحطة السياسية الحالية؛ أي التمديد للمجلس النيابي الحالي وما سيليها من نقاش حول الشغور المستمر في رئاسة الجمهورية. تبحث السلطة عن التمديد لنفسها، فيموت أهل المناطق الفقيرة بحجج أمنية عناوينها "كبرى": مكافحة التشدّد والإرهاب.

حصّل جباة التمديد اليوم روح المواطن عبدو المصري خلال اشتباكات طرابلس السبت، وهم ماضون في جبايتهم لحين تمرير مشاريع توافقهم السياسي، عبر التأكيد للمواطنين أنّ بقاءهم في السلطة حاجة ملحّة لخطورة الأوضاع وتفشي ورم التشدّد. سقط عبدو المصري نتيجة "تفاهة" السياسيين وأجهزتهم الأمنية، وفاتورة التفاهة هذه لا بد أن يسددها أبرياء آخرون.​

دلالات