"ربّما يسيرون إلى جانبك، وقد تلتقي بهم على شاطئ البحر. لكن هؤلاء ربّما يُخفون آثار تعذيب تعرّضوا إليه في البلاد التي هربوا منها". هذا ما يقوله الطبيب المتخصّص في علم النفس بيارنه أمستروب.
ثلاثون عاماً مرّت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة من الدنمارك، جعل يوم 26 يونيو/ حزيران من كلّ عام يوماً دوليّاً لمساندة ضحايا التعذيب. ودخلت الاتفاقيّة حيّز التنفيذ بعد مصادقة غالبيّة الدول الأعضاء عليها، ويهدف إلى القضاء التام على التعذيب. ورغم العمل على امتداد هذه السنوات على تسليط الضوء على التعذيب ومدى تأثيره على الضحايا، لا يبدو أنّ تلك الجهود قد أثمرت عن نتائج إيجابية. من جهة أخرى، فإن التقدّم في مجال مكافحة التعذيب وتجريمه لم يساهم في الحد من مخاطر التعذيب. وتصف منظمة "أي آر سي تي" الدوليّة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، التعذيب بـ "بربريّة مستمرة في أكثر من 111 بلداً حول العالم، حيث يواجه نحو أربعة مليارات شخص مخاطر التعرّض للتعذيب بكلّ أشكاله". وتسعى المنظّمة إلى "مكافحة تلك الممارسات والدفع بالقضية لتكون على قائمة الأجندات السياسية".
وتقول المعالجة النفسية من منظمة "أي آر سي تي"، هيلي سورنسن، لـ "العربي الجديد": "في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب من كل عام، تُكشف قصص فظيعة من خلال جلسات استماع للضحايا أنفسهم، وقد زاد عدد هؤلاء خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة أعداد اللاجئين إلى أوروبا". تضيف: "من الجيّد بالنسبة لنا، إضافة إلى منظّمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في أوروبا، أن مبادرة الدنمارك أدت إلى تسليط الضوء على هذه الآفة. لكن في الوقت نفسه، فإن تصديق 146 دولة من أصل 192 على الاتفاقية ليس كافياً. ففي الدول غير الموقعة، وحتى في تلك الموقعة، تحدث أبشع أنواع التعذيب".
الإدلاء بمعلومات
ما هو تعريف التعذيب؟ يقول الطبيب المتخصّص في علم النفس، والذي يعمل في مجال معالجة ضحايا التعذيب في الدول الإسكندنافية، بيارنه أمستروب: "هناك تعريف أممي واضح، بعكس الاختلاف حول تعريف الإرهاب على سبيل المثال. كلّ شخص تعرّض لألم شديد، سواء أكان بدنياً أو نفسياً، بهدف انتزاع اعتراف ما أو الإدلاء بمعلومات تسعى إليها السلطات، أو استُخدم كوسيلة للعقاب أو التخويف أو إثارة الذعر بين المعارضين وأصحاب الرأي. نسعى إلى الحفاظ على كرامة البشر، ورفض أي شكل من أشكال الإهانة وإلحاق الأذى بهم مهما كان السبب".
من جهته، يقول المتخصّص في القانون الدولي، نيلس ستورسا: "القانون الدولي واضح جداً ويطالب بالتزام مطلق بالامتناع عن التعذيب في جميع الظروف وفي كل مكان في العالم"، لافتاً إلى أنه ما من سبب يبرّرالتعذيب. ويلفت هذا الحقوقي، الذي يعمل مستشاراً لدى مراكز تُعنى بحقوق الإنسان في كوبنهاغن، إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، موضحاً أنّ المواد من 3 إلى 5 تتحدث بشكل واضح عن حقّ الأفراد في الحياة والحرية والأمان وعدم جواز الاسترقاق والاتجار بهم. وتقول المادة الخامسة: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية".
اقــرأ أيضاً
ورغم الجهود المتواصلة لتجريم التعذيب، يقول ستورسا إنّنا "أمام معضلة حقيقية. في الدول المتقدّمة، توقّع إتفاقيّات وتنشأ لجان وتحدّد زيارات فجائية للسجون. لكنّ في الواقع، فإنّ عدم الاعتراف بأنّ وسائل التعذيب وقمع الناشطين وملاحقتهم تصدّر إلى دول قمعية، يأتي منها لاجئون سياسيون، يشير إلى ورطة وازدواجية في المعايير. والمشكلة الكبرى تتمثّل في وجود مرتزقة يعملون تحت أنظار الأنظمة الديمقراطية، ويمارسون التعذيب في دول العالم الثالث.
ومهما تحدّث الاتحاد الأوروبي عن شروط لعلاقته مع الدول، منها احترام حقوق الإنسان، فإنني أستطيع القول، وبكل أسف، إن العقود التجارية تأتي في المرتبة الأولى، وقبل كل ما يُوقّع". يضيف: "يمكن لكلٍّ منّا أن يسأل عن قضية أبو غريب وغوانتانمو وطائرات الشبح التابعة للاستخبارات الغربية التي ترسل مواطنين للتعذيب في دول الجنوب. هل توقفت، وهل عوقب مرتكبو التعذيب؟ أبداً، فإنّ القضايا تشير إلى عكس ذلك".
كارثة
يشير اللّاجئ العراقي عامر إلى أنّه لم يكن يُدرك أنّه سيعيش آثار أو تداعيات التعذيب الذي تعرّض له. لاحقاً، عرف من الأطباء أنّه يُمكن للأعراض أن تبرز حتى بعد سنوات من خروج الإنسان من بلده. حين يكون الجسد في حالة من الاطمئنان، تظهر عليه آثار كلّ ما عايشه".
ما يقوله عامر تؤكّده الطبيبة المتخصّصة في علم النفس آنا صوفيا إبليغوورد. وتشرح أنّه "حين يكون الإنسان في خطر، فإنه يصب كل تركيزه، حتى لاوعيه، على البقاء. وبالفعل، ما إن يخرج الإنسان من هذه الظروف حتى تظهر عليه كل الرواسب، كما في حالة عامر الذي عولج". وتشير إلى مشاكل كثيرة يعاني منها ضحايا التعذيب، منها مشاكل في الجهاز العصبي والذاكرة وفقدان الثقة بالناس وغيرها، وذلك مهما كان التعذيب بسيطاً.
من جهتها، تشرح المرشدة الاجتماعيّة، والتي تعمل مع ضحايا التعذيب، هيلي نورغوورد شريف، أنّ بعض الآباء يعانون بشدة، ما ينعكس سلباً على علاقاتهم بأسرهم ومحيطهم. وهناك رابط بين غياب ثقة الضحيّة بالمحيط واسترجاع الأحداث، ما يجعلها عاجزة عن تحمّل الضجيج أو أية أصوات مفاجئة، حتى أصوات الأطفال. ويفقد بعض هؤلاء القدرة على مواجهة واقعهم. وللأسف، قد يعنفون الأبناء أو يختار كثيرون الانطواء والعزلة".
في هذا السياق، يقول كلّ من عامر والسوري أيمن والإيراني فرهاد إنّ ما عانوه "كان مضاعفاً في مجتمعات غربية جديدة عليهم، وخصوصاً أنّها تضع اللاجئين في سلة واحدة". ويشرح أيمن أنّ المسألة أخطر ممّا يظن البعض، لافتاً إلى أنّ الانطوائيّة تؤدّي إلى مشاكل كثيرة. ويشير إلى ثقافة تحكم على الشخص الذي يخضع للعلاج النفسي، وتصفه بـ "المجنون".
ويشار إلى أن الأشخاص الذين تعرّضوا للتعذيب على سبيل المثال، يجدون صعوبة في تعلّم اللغات أو أية مهارات جديدة، وهؤلاء قد لا يعون أنهم يعانون من مشاكل ويحتاجون إلى إعادة تأهيل وعلاج نفسي. ويقول أحد الأطباء إن غياب الوعي بما يعانيه ضحايا التعذيب قد يجعل البعض يعتقد أنهم لا يرغبون في الاندماج، سواء في مجتمعاتهم الأصلية أو تلك التي أصبحوا لاجئين فيها". يضيف أنه خلال الذهاب إلى الشواطئ ضمن برامج الدمج، رفض البعض خلع ملابسه. عانينا كثيراً مع أشخاص لم يدركوا أن هؤلاء ربما يخفون آثار تعذيب تحت ملابسهم. لذلك، نضطرّ إلى شرح الكثير للموظفين عن حالتهم. ويلفت إلى أنه ليس سهلاً إقناع العاملين أن هؤلاء ربّما يعانون من آثار نفسية نتيجة التعذيب والمطاردة، مضيقاً أنّ اللجوء بحدّ ذاته هو عبارة عن صدمات تنعكس على علاقة وتصرفات هؤلاء بمحيطهم.
الطبيب يشير إلى أنّ تعرّض شباب للتعذيب بخرطوم مياه في أعضائهم التناسلية هو "تحطيم شامل لهذا الإنسان، والجلّاد لا يفكّر أبداً بعواقب تصرّفاته. قد تجده يعود إلى أطفاله ويلعب معهم خلال فترة التعذيب. لكنّ هذا لا يعني أنهم في وضع نفسي سليم".
ويأمل أولئك العاملون في مجال مناهضة التعذيب أن تدرك المجتمعات التي تسمح وتبرر التعذيب، بأن الأثمان باهظة، لافتين إلى أنّ المجتمعات المتقدّمة تعاني حقّاً للتخفيف من تلك الآثار. وعلى الناس تخيّل انعكاسات إهانة كرامة الناس في مجتمعات لا تلتفت كثيراً للآثار الناتجة عن التعذيب بكلّ أشكاله، وهو ما ينعكس أيضاً على المحيط، أي الأسرة والأصدقاء والمجتمع. ويقول أمستروب، الذي قابل مئات العرب الذين تعرّضوا للتعذيب: "هناك بالكاد دولة أو دولتان عربيتان قابلت مواطنين منهما لم يتعرّضوا للتعذيب".
اقــرأ أيضاً
ثلاثون عاماً مرّت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة من الدنمارك، جعل يوم 26 يونيو/ حزيران من كلّ عام يوماً دوليّاً لمساندة ضحايا التعذيب. ودخلت الاتفاقيّة حيّز التنفيذ بعد مصادقة غالبيّة الدول الأعضاء عليها، ويهدف إلى القضاء التام على التعذيب. ورغم العمل على امتداد هذه السنوات على تسليط الضوء على التعذيب ومدى تأثيره على الضحايا، لا يبدو أنّ تلك الجهود قد أثمرت عن نتائج إيجابية. من جهة أخرى، فإن التقدّم في مجال مكافحة التعذيب وتجريمه لم يساهم في الحد من مخاطر التعذيب. وتصف منظمة "أي آر سي تي" الدوليّة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، التعذيب بـ "بربريّة مستمرة في أكثر من 111 بلداً حول العالم، حيث يواجه نحو أربعة مليارات شخص مخاطر التعرّض للتعذيب بكلّ أشكاله". وتسعى المنظّمة إلى "مكافحة تلك الممارسات والدفع بالقضية لتكون على قائمة الأجندات السياسية".
وتقول المعالجة النفسية من منظمة "أي آر سي تي"، هيلي سورنسن، لـ "العربي الجديد": "في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب من كل عام، تُكشف قصص فظيعة من خلال جلسات استماع للضحايا أنفسهم، وقد زاد عدد هؤلاء خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة أعداد اللاجئين إلى أوروبا". تضيف: "من الجيّد بالنسبة لنا، إضافة إلى منظّمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في أوروبا، أن مبادرة الدنمارك أدت إلى تسليط الضوء على هذه الآفة. لكن في الوقت نفسه، فإن تصديق 146 دولة من أصل 192 على الاتفاقية ليس كافياً. ففي الدول غير الموقعة، وحتى في تلك الموقعة، تحدث أبشع أنواع التعذيب".
الإدلاء بمعلومات
ما هو تعريف التعذيب؟ يقول الطبيب المتخصّص في علم النفس، والذي يعمل في مجال معالجة ضحايا التعذيب في الدول الإسكندنافية، بيارنه أمستروب: "هناك تعريف أممي واضح، بعكس الاختلاف حول تعريف الإرهاب على سبيل المثال. كلّ شخص تعرّض لألم شديد، سواء أكان بدنياً أو نفسياً، بهدف انتزاع اعتراف ما أو الإدلاء بمعلومات تسعى إليها السلطات، أو استُخدم كوسيلة للعقاب أو التخويف أو إثارة الذعر بين المعارضين وأصحاب الرأي. نسعى إلى الحفاظ على كرامة البشر، ورفض أي شكل من أشكال الإهانة وإلحاق الأذى بهم مهما كان السبب".
من جهته، يقول المتخصّص في القانون الدولي، نيلس ستورسا: "القانون الدولي واضح جداً ويطالب بالتزام مطلق بالامتناع عن التعذيب في جميع الظروف وفي كل مكان في العالم"، لافتاً إلى أنه ما من سبب يبرّرالتعذيب. ويلفت هذا الحقوقي، الذي يعمل مستشاراً لدى مراكز تُعنى بحقوق الإنسان في كوبنهاغن، إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، موضحاً أنّ المواد من 3 إلى 5 تتحدث بشكل واضح عن حقّ الأفراد في الحياة والحرية والأمان وعدم جواز الاسترقاق والاتجار بهم. وتقول المادة الخامسة: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية".
ورغم الجهود المتواصلة لتجريم التعذيب، يقول ستورسا إنّنا "أمام معضلة حقيقية. في الدول المتقدّمة، توقّع إتفاقيّات وتنشأ لجان وتحدّد زيارات فجائية للسجون. لكنّ في الواقع، فإنّ عدم الاعتراف بأنّ وسائل التعذيب وقمع الناشطين وملاحقتهم تصدّر إلى دول قمعية، يأتي منها لاجئون سياسيون، يشير إلى ورطة وازدواجية في المعايير. والمشكلة الكبرى تتمثّل في وجود مرتزقة يعملون تحت أنظار الأنظمة الديمقراطية، ويمارسون التعذيب في دول العالم الثالث.
ومهما تحدّث الاتحاد الأوروبي عن شروط لعلاقته مع الدول، منها احترام حقوق الإنسان، فإنني أستطيع القول، وبكل أسف، إن العقود التجارية تأتي في المرتبة الأولى، وقبل كل ما يُوقّع". يضيف: "يمكن لكلٍّ منّا أن يسأل عن قضية أبو غريب وغوانتانمو وطائرات الشبح التابعة للاستخبارات الغربية التي ترسل مواطنين للتعذيب في دول الجنوب. هل توقفت، وهل عوقب مرتكبو التعذيب؟ أبداً، فإنّ القضايا تشير إلى عكس ذلك".
كارثة
يشير اللّاجئ العراقي عامر إلى أنّه لم يكن يُدرك أنّه سيعيش آثار أو تداعيات التعذيب الذي تعرّض له. لاحقاً، عرف من الأطباء أنّه يُمكن للأعراض أن تبرز حتى بعد سنوات من خروج الإنسان من بلده. حين يكون الجسد في حالة من الاطمئنان، تظهر عليه آثار كلّ ما عايشه".
ما يقوله عامر تؤكّده الطبيبة المتخصّصة في علم النفس آنا صوفيا إبليغوورد. وتشرح أنّه "حين يكون الإنسان في خطر، فإنه يصب كل تركيزه، حتى لاوعيه، على البقاء. وبالفعل، ما إن يخرج الإنسان من هذه الظروف حتى تظهر عليه كل الرواسب، كما في حالة عامر الذي عولج". وتشير إلى مشاكل كثيرة يعاني منها ضحايا التعذيب، منها مشاكل في الجهاز العصبي والذاكرة وفقدان الثقة بالناس وغيرها، وذلك مهما كان التعذيب بسيطاً.
من جهتها، تشرح المرشدة الاجتماعيّة، والتي تعمل مع ضحايا التعذيب، هيلي نورغوورد شريف، أنّ بعض الآباء يعانون بشدة، ما ينعكس سلباً على علاقاتهم بأسرهم ومحيطهم. وهناك رابط بين غياب ثقة الضحيّة بالمحيط واسترجاع الأحداث، ما يجعلها عاجزة عن تحمّل الضجيج أو أية أصوات مفاجئة، حتى أصوات الأطفال. ويفقد بعض هؤلاء القدرة على مواجهة واقعهم. وللأسف، قد يعنفون الأبناء أو يختار كثيرون الانطواء والعزلة".
في هذا السياق، يقول كلّ من عامر والسوري أيمن والإيراني فرهاد إنّ ما عانوه "كان مضاعفاً في مجتمعات غربية جديدة عليهم، وخصوصاً أنّها تضع اللاجئين في سلة واحدة". ويشرح أيمن أنّ المسألة أخطر ممّا يظن البعض، لافتاً إلى أنّ الانطوائيّة تؤدّي إلى مشاكل كثيرة. ويشير إلى ثقافة تحكم على الشخص الذي يخضع للعلاج النفسي، وتصفه بـ "المجنون".
ويشار إلى أن الأشخاص الذين تعرّضوا للتعذيب على سبيل المثال، يجدون صعوبة في تعلّم اللغات أو أية مهارات جديدة، وهؤلاء قد لا يعون أنهم يعانون من مشاكل ويحتاجون إلى إعادة تأهيل وعلاج نفسي. ويقول أحد الأطباء إن غياب الوعي بما يعانيه ضحايا التعذيب قد يجعل البعض يعتقد أنهم لا يرغبون في الاندماج، سواء في مجتمعاتهم الأصلية أو تلك التي أصبحوا لاجئين فيها". يضيف أنه خلال الذهاب إلى الشواطئ ضمن برامج الدمج، رفض البعض خلع ملابسه. عانينا كثيراً مع أشخاص لم يدركوا أن هؤلاء ربما يخفون آثار تعذيب تحت ملابسهم. لذلك، نضطرّ إلى شرح الكثير للموظفين عن حالتهم. ويلفت إلى أنه ليس سهلاً إقناع العاملين أن هؤلاء ربّما يعانون من آثار نفسية نتيجة التعذيب والمطاردة، مضيقاً أنّ اللجوء بحدّ ذاته هو عبارة عن صدمات تنعكس على علاقة وتصرفات هؤلاء بمحيطهم.
الطبيب يشير إلى أنّ تعرّض شباب للتعذيب بخرطوم مياه في أعضائهم التناسلية هو "تحطيم شامل لهذا الإنسان، والجلّاد لا يفكّر أبداً بعواقب تصرّفاته. قد تجده يعود إلى أطفاله ويلعب معهم خلال فترة التعذيب. لكنّ هذا لا يعني أنهم في وضع نفسي سليم".
ويأمل أولئك العاملون في مجال مناهضة التعذيب أن تدرك المجتمعات التي تسمح وتبرر التعذيب، بأن الأثمان باهظة، لافتين إلى أنّ المجتمعات المتقدّمة تعاني حقّاً للتخفيف من تلك الآثار. وعلى الناس تخيّل انعكاسات إهانة كرامة الناس في مجتمعات لا تلتفت كثيراً للآثار الناتجة عن التعذيب بكلّ أشكاله، وهو ما ينعكس أيضاً على المحيط، أي الأسرة والأصدقاء والمجتمع. ويقول أمستروب، الذي قابل مئات العرب الذين تعرّضوا للتعذيب: "هناك بالكاد دولة أو دولتان عربيتان قابلت مواطنين منهما لم يتعرّضوا للتعذيب".