صيف أطفال فقراء المغرب للعمل بدلاً من الراحة

10 يوليو 2018
هؤلاء حظوا ببعض الوقت للعب (Getty)
+ الخط -


بالنسبة للأطفال الفقراء في المغرب، لا يعدّ الصيف فرصة للراحة والاستمتاع وممارسة النشاطات المختلفة. هؤلاء يضطرون إلى العمل لتأمين مصاريفهم الخاصة ومساعدة عائلاتهم، استعداداً للعام الدراسي الجديد.


في فصل الصيف، يجد الأطفال الفقراء أنفسهم عاجزين عن الاستمتاع كما يجب، أو كما يتمنون، نتيجة الوضع المادي المتردي لعائلاتهم. لذلك، يضطر بعضهم إلى امتهان حرف صيفية، في وقت يلجأ آخرون إلى أقاربهم في بعض القرى. ويشكل هذا فرصة جيدة لتوطيد العلاقات بين العائلات، التي تكون قد انقطعت عن بعضها بعضاً فترة طويلة.

أما أطفال العائلات متوسطة الدخل، فيسافرون إلى مدن مجاورة من دون أن يدفعوا الكثير تماشياً مع ميزانياتهم، في محاولة للتوفيق بين الاستمتاع بأجواء الصيف وعدم الإضرار بمدخرات الأسرة، لا سيما أن الصيف يأتي قبيل بدء العام الدراسي الذي يتطلب مصاريف استثنائية.

"لا وجود للعطلة الصيفيّة بالنسبة لأولاد الفقراء". هكذا يختصر عبد الرزاق جرنالي، والد أربعة أبناء في عمر المراهقة والشباب، وعامل مياوم في البناء، ما يشعر به أطفاله خلال فصل الصيف، لافتاً إلى أن الصيف من أقسى فصول السنة. ويشرح: "في الخريف والشتاء، تكون همة أولادي جيدة للدراسة والتحصيل، فيما يتراجع عملي. وفي الصيف، يتحسن عملي لكنني لا أكون قادراً على تلبية طلبات أولادي للسفر والاستجمام. وما أوفره من عملي أخصصه لعيد الأضحى ومستلزمات المدارس".



يتابع جرنالي أنه يضطر أن يطلب من بعض أولاده مساعدته في مهنة البناء خلال الصيف، أو امتهان بعض الحرف الصيفية التي قد تدر عليهم مدخولاً يساعدهم على مشاطرته الأعباء المالية للموسم الدراسي وعيد الأضحى، الذي يأتي قبل بدء العام الدراسي الجديد. إحدى هذه المهن الصيفية التي يشير إليها هذا العامل هي بيع التين الشوكي (الهندية) كون الإقبال عليها مرتفعاً، أو بيع الذرة مشوية (الكْبال)، وهي مهنة جربها إسماعيل (16 عاماً)، الذي يجر عربته كل صيف في الأحياء الشعبية في ضواحي العاصمة الرباط.

ويقول إسماعيل لـ "العربي الجديد" إنه لا يعرف الفرق بين الصيف وغيره من الفصول، ولا وقت لديه للعطلة الصيفية بخلاف عدد من زملائه، مضيفاً أنه بمجرد أن تنتهي الدراسة ويأخذ قسطاً من الراحة ويلتقي أصدقاءه في الحي، حتى يحمل صناديق التين الشوكي على متن عربة لبيعها للزبائن. يتابع أنه يحاول من خلال مهنته الصيفية التي دأب عليها منذ سنتين مساعدة والده حتى لا يكون عالة على أسرته، فيتولى شراء الكتب للموسم الدراسي الجديد. مع ذلك، يقصد الشاطئ كل يوم أحد لكسر "الروتين".

أمّا بوطيب (15 عاماً)، فتجبره ظروف أسرته الاجتماعية والمادية في أحد الأحياء الشعبية لمدينة سلا، على أن يعمل بائعاً لمستلزمات البحر من قبعات ومظلات شمسية للمصطافين نهاراً، وعاملاً في أحد المطاعم التي تستقبل السياح الأجانب ليلاً. يقول لـ "العربي الجديد": "خلال أشهر الصيف، أعمل طوال النهار، وخلال جزء من الليل، ولا أرتاح إلا يوماً واحداً في الأسبوع"، لافتاً إلى أنه يحتاج إلى تأمين مصروفه لأن عائلته فقيرة، وليست قادرة على إعطائه المال. من جهة أخرى، يفضل الاعتماد على نفسه وتدبير شؤون حياته على الرغم من صغر سنه.



من جهته، يحذّر المعالج النفسي محمد قجدار، في حديث لـ "العربي الجديد"، من مخاطر انهماك الأطفال في الأعمال المرهقة والشاقة طيلة أشهر الصيف، وعدم الراحة قبل انطلاق العام الدراسي، لافتاً إلى أن عمل الأطفال، خصوصاً أبناء الطبقات الفقيرة في الصيف، ودخولهم إلى المدارس مباشرة بعد ذلك، يساهم في تدني نتائجهم الدراسية.

ويشرح قجدار أنه لدى الجسم والذهن طاقة استيعابية محددة، ولا يمكن تكليفه أكثر من قدرته، لأن ذلك سيؤدي بالطفل، الذي يجب أن يرتاح بعد جهد ذهني مضن في الموسم الدراسي، إلى ضعف التركيز والقدرة على التحصيل العلمي، ما ينعكس سلباً على مستقبل الطفل في دراسته، ويدفعه إلى مغادرة مقاعد الدراسة والالتحاق بطوابير العاطلين من العمل.

وفي ما يتعلق بالسفر خلال العطلة الصيفية، فإن أطفال العائلات الفقيرة يكتفون باصطحاب أسرهم إلى أقاربهم في مدن قريبة بدعوى صلة الرحم، حيث تكون التكاليف المالية أقل، باعتبار أن العائلات تلتقي بعضها بعضاً، ويكون العبء المالي أكبر على العائلات المستضيفة. من هنا، يكون الصيف فرصة لتبادل الزيارات والتعارف بين أبناء العائلة الواحدة، والراحة بعد عام دراسي طويل، إضافة إلى التوفير المادي. أما أبناء الطبقات الاجتماعية المتوسطة، التي تستطيع السفر خلال الصيف، فغالباً ما يقصدون مدناً قريبة أو سياحية صغيرة لا تتطلب ميزانيات كبيرة. يقضون بضعة أيام فيها قبل العود إلى بيوتهم لقضاء ما تبقى من الإجازة في انتظار بدء الموسم الدراسي الجديد.