صوّرْني.. صوّرْني

لا تفارقك ضحكات أطفال مخيّم صبرا وشاتيلا. تراهم يتجوّلون في الزواريب ويلاحقون عدسات الكاميرا: يتفحّصونها، يلمسونها، يحدّثونها. بعضهم يعرف سبب توجه الصحافيين إلى المخيّم في أيام معينة، سنوياً: الكتابة عن مجزرة صبرا وشاتيلا. وبعضهم اعتاد على زيارات المصورين في فترات متقطعة من السنة، لأسباب صحافية أخرى.

يعشق أطفال مخيم شاتيلا الكاميرا (السلاح الأبيض). يختلفون عن غيرهم، فالطفل عادة يتردد خلال تعامله مع الكاميرا للمرة الأولى. قد يبتسم أحدهم خجلاً، فيما آخرون يلوذون بالهرب. أما في مخيّم شاتيلا فيهرعون نحو المُصوّر صارخين: "صوّرْني.. صوّرني!" يأمرون المصوّر، على الرغم من سوء حال الزواريب، والضجيج وزحمة الدرّاجات النارية. يتجمعون في حلقة صغيرة، تعلو ضحكاتهم، يتدافعون إلى الأمام وإلى الوراء، يتزاحم طفلان للوقوف أمام العدسة، ونُصوّرهم.

يختلف أطفال مخيّم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين عن أطفال مخيّمات عرسال للنازحين السوريين. في مخيّمات عرسال، يقف أحمد من حمص بعيداً، يراقبك ويتفحّص أدواتك من دون أن يقترب. تدفعه والدته إلى الأمام: "روح تصوّر يا ماما"، لكنه يهرع داخلاً الخيمة. الكاميرا مألوفة بالنسبة للصغير، لكنّه لا يحبّها، لا يثق بها. أمّا في مخيّم شاتيلا، فتهرع حنين لتقف أمام الكاميرا مع صديقاتها، تبتسم وتطلب المزيد من الصور. لم تختبر حنين حروباً بعكس أحمد الذي يدرك خطورة الكاميرا التي استُعملت أمامه لتوثيق الموت، لا الحياة. فكيف للعدسة نفسها أن تُوثّق ابتسامة؟

يجهل معظم الأطفال أن الكاميرا هي سلاح ذو حدّيْن، وأن مأساتهم أو ضحكاتُهم قد تُستعمل للترويج لأفكار ضدهم، أو تستغل ما حل بهم من مصائب، حسب أيديولوجيات الجهات المتحكمة. لكنهم يبتسمون على أي حال، يعودون للتدافع، يُطالبون برؤية صورهم، ينتقدون اقتحام صديق لهم الكادر، يُعرّفون عن أنفسهم.. يدور بيننا وبينهم حديث قصير، نعدهم بالمزيد من الصور في الزيارة القادمة، ونُغادر آملين أن نُحسن استخدامه احتراماً لابتساماتهم.