كتب عناصر الأمن العسكري على لافتة عريضة استطالت على عرض أوتستراد درعا دمشق "سنبقى نحبك حتى تصبح الشمس رماداً"، ومع الكلام المخطّط، برزت صور القائد المفدّى، ببدلته العسكرية، صور القائد تكبر وتكبر طولاً وعرضاً بمقدار قوّة ووحشية الجهاز الأمني، ويعرفه المارّون عبره باسم حاجز "التاون سنتر"، وبمجرد ذكر اسم "الأمن العسكري" وحده أمام أي سوري صامت، فهذا يعني الخوف البشري كلّه.
ربما يبدو السؤال عبثياً عن مقدار الأموال التي صرفها الموالون للنظام على طباعة صور قائدهم، خاصّة إذا قارنا الأمر بحجم الضحايا؛ القتلى والشهداء والجرحى والمعاقين والخراب والدمار.
القائد الذي يراقب كل شيء من خلال صوره، ربما لا يعرف عدد ضحاياه بالاسم، فهو الآن مشغول بقضايا استراتيجية أكبر من صور الشهداء الذين اقتيدوا من حاجز التاون سنتر هذا، نحو الاحتياط أو نحو الخدمة الإجبارية أو نحو الاعتقال. لعله مشغول مثلاً بتأمين كميات البراميل ومحتواها من البارود والصواعق وخردة الحديد. القائد لا يمكن أن يضيّع وقته بترهات من عيار ربع مليون سوري ضحية.
القائد عبر صوره وأقواله يراقبنا كلّنا ولكن بشكل استراتيجي، عناصره تفلسفت ونطقت بالحكمة على الأوتستراد: "بشار نور لمن اهتدى ونار على من اعتدى".
ترى لو قلنا إن ما صرف من أموال على طباعة صور القائد، كان يكفي لبناء مدينة بكاملها، بماذا سيرد علينا القائد نفسه ومعه الموالون له ولصوره؟.
لننعم معاً بقراءة فلسفية مع صوره؛ هناك صورة مدنية للقائد، ببدلته السماوية، ويشير فيها بإصبعه. لا شك أنه يشير للتاريخ أن يقف هنا، عنده، عند عقله وثقافته وضميره، عند غزارة حكمته، هذه الصورة يوجد منها مقاسات مختلفة، بالتأكيد ثمة حكمة من تغيير المقاسات وتكبيرها حتى مساحة واجهة بناء كامل، هنا الحكمة التامة، فالصورة تغطي كامل البناء، هذا يعني كامل المعرفة، كامل الحكمة، كامل السلطة. أليست الصورة الهائلة معادلة لحكمته الكبرى؟
في صورة أخرى، وضعت على حاجز نوعي في قلب دمشق، و"نوعي" هذه تشبه اجتماعات خادم القائد "الحلقي"، المنتمي حسب سجلات النفوس لدرعا، وأخلاقياً لمدرسة القائد، في هذه الصورة، اجتمع القائد مع والده القائد ومعهما شقيقه القائد، ولكن رحل اثنان وجودياً وظلاّ عسكرياً وأمنياً كأبد القائد.
كتب على الصورة بعد تعمية عيون القادة بنظارات شمسية، "هكذا تنظر الأسود"، لم يخطر في بال من وضع الصورة هنا، أن يكتب أيضاً " فلينتبه أصحاب القلوب الضعيفة، رؤية هذه الصورة تحتاج إلى قلب قوي ومدرب".
يروي عزيز نيسين في روايته "سرنامة" قصة شخصية مجرم اشتهر بمهارته في الذبح من خلال السكين، يدعى: "إلهامي الطوبهاني" "كان لا يعارك، بل يغنّي ويرقص، لهذا السبب يقول المساجين القدامى إنه يطعن بالسكين كأنه يلقي الشعر". ترى هل يحق لنا مثلاً أن نشغّل التناص، ونقول عن القائد إنه كان يذبح الأطفال عبر البراميل وهو يغني ويرقص، هكذا غنى الرئيس عندما قتل برميله الذي لم ينفجرالطفل "يوسف حايك" من قرية حيّان في ريف حلب، وكذلك رقص الرئيس عندما أمر ضباطه بإلقاء الكيماوي على أطفال الغوطة الشرقية وجوبر وحرستا.
هي الصورة من تفعل ذلك، لا القائد المرهف، الحسّاس، الذكي. وحدها الصورة، صورته التي تناسلت ملايين الصور في قلوب مواليه الذين يرقصون ويغنون كلما أنزل الطيار برميلاً على قرية أو حيّ أوبيت.
صورته التي جعلت "شبيحته"، يهتفون له ولحذائه، "الأسد أو نحرق البلد"، ويجتهدون أيضاً، حيث كتب شبيح على جدار أحد الفروع الأمنية بدمشق "الحرق مستمر وجارٍ يا سيادة الرئيس".
صورته، التي تتغير، تتوهج حسب درجة عبادته، حسب درجة الهيام به وبفكره وحكمته. هناك شبيح قال أمامي إنه يضع صورة القائد في غرفة نومه.
ترى، ماذا لو تنحّى الرئيس قريباً أو أجبرته المعارضة على التنحّي، أقول ماذا؟ من باب الفضول فقط؟ ما هو مصير ملايين الصور، التي وزعها الرئيس على الجدران؟ هل سيجرؤ الموالون على الاقتراب من صورة له وتمزيقها؟
ثمة صورة واحدة وتمثال واحد يجب أن يبقيا للرئيس المفدى، الملهم. وكذلك تمثال لوالده الخالد وصورة. صورتان وتمثالان لا بد أن يظلاّ، يجب عدم تقليد داعش في سجن تدمر وما فعلته هناك، لأن المستقبل يطلب من الأحياء الباقين على قيد الأخلاق ذلك، وذلك كلوحة توضيحية تقدم للأجيال القادمة، عن درس الاستبداد المرير الذي تعرضنا له وما زلنا حتى تاريخه.
(كاتب سوري)
ربما يبدو السؤال عبثياً عن مقدار الأموال التي صرفها الموالون للنظام على طباعة صور قائدهم، خاصّة إذا قارنا الأمر بحجم الضحايا؛ القتلى والشهداء والجرحى والمعاقين والخراب والدمار.
القائد الذي يراقب كل شيء من خلال صوره، ربما لا يعرف عدد ضحاياه بالاسم، فهو الآن مشغول بقضايا استراتيجية أكبر من صور الشهداء الذين اقتيدوا من حاجز التاون سنتر هذا، نحو الاحتياط أو نحو الخدمة الإجبارية أو نحو الاعتقال. لعله مشغول مثلاً بتأمين كميات البراميل ومحتواها من البارود والصواعق وخردة الحديد. القائد لا يمكن أن يضيّع وقته بترهات من عيار ربع مليون سوري ضحية.
القائد عبر صوره وأقواله يراقبنا كلّنا ولكن بشكل استراتيجي، عناصره تفلسفت ونطقت بالحكمة على الأوتستراد: "بشار نور لمن اهتدى ونار على من اعتدى".
ترى لو قلنا إن ما صرف من أموال على طباعة صور القائد، كان يكفي لبناء مدينة بكاملها، بماذا سيرد علينا القائد نفسه ومعه الموالون له ولصوره؟.
لننعم معاً بقراءة فلسفية مع صوره؛ هناك صورة مدنية للقائد، ببدلته السماوية، ويشير فيها بإصبعه. لا شك أنه يشير للتاريخ أن يقف هنا، عنده، عند عقله وثقافته وضميره، عند غزارة حكمته، هذه الصورة يوجد منها مقاسات مختلفة، بالتأكيد ثمة حكمة من تغيير المقاسات وتكبيرها حتى مساحة واجهة بناء كامل، هنا الحكمة التامة، فالصورة تغطي كامل البناء، هذا يعني كامل المعرفة، كامل الحكمة، كامل السلطة. أليست الصورة الهائلة معادلة لحكمته الكبرى؟
في صورة أخرى، وضعت على حاجز نوعي في قلب دمشق، و"نوعي" هذه تشبه اجتماعات خادم القائد "الحلقي"، المنتمي حسب سجلات النفوس لدرعا، وأخلاقياً لمدرسة القائد، في هذه الصورة، اجتمع القائد مع والده القائد ومعهما شقيقه القائد، ولكن رحل اثنان وجودياً وظلاّ عسكرياً وأمنياً كأبد القائد.
كتب على الصورة بعد تعمية عيون القادة بنظارات شمسية، "هكذا تنظر الأسود"، لم يخطر في بال من وضع الصورة هنا، أن يكتب أيضاً " فلينتبه أصحاب القلوب الضعيفة، رؤية هذه الصورة تحتاج إلى قلب قوي ومدرب".
يروي عزيز نيسين في روايته "سرنامة" قصة شخصية مجرم اشتهر بمهارته في الذبح من خلال السكين، يدعى: "إلهامي الطوبهاني" "كان لا يعارك، بل يغنّي ويرقص، لهذا السبب يقول المساجين القدامى إنه يطعن بالسكين كأنه يلقي الشعر". ترى هل يحق لنا مثلاً أن نشغّل التناص، ونقول عن القائد إنه كان يذبح الأطفال عبر البراميل وهو يغني ويرقص، هكذا غنى الرئيس عندما قتل برميله الذي لم ينفجرالطفل "يوسف حايك" من قرية حيّان في ريف حلب، وكذلك رقص الرئيس عندما أمر ضباطه بإلقاء الكيماوي على أطفال الغوطة الشرقية وجوبر وحرستا.
هي الصورة من تفعل ذلك، لا القائد المرهف، الحسّاس، الذكي. وحدها الصورة، صورته التي تناسلت ملايين الصور في قلوب مواليه الذين يرقصون ويغنون كلما أنزل الطيار برميلاً على قرية أو حيّ أوبيت.
صورته التي جعلت "شبيحته"، يهتفون له ولحذائه، "الأسد أو نحرق البلد"، ويجتهدون أيضاً، حيث كتب شبيح على جدار أحد الفروع الأمنية بدمشق "الحرق مستمر وجارٍ يا سيادة الرئيس".
صورته، التي تتغير، تتوهج حسب درجة عبادته، حسب درجة الهيام به وبفكره وحكمته. هناك شبيح قال أمامي إنه يضع صورة القائد في غرفة نومه.
ترى، ماذا لو تنحّى الرئيس قريباً أو أجبرته المعارضة على التنحّي، أقول ماذا؟ من باب الفضول فقط؟ ما هو مصير ملايين الصور، التي وزعها الرئيس على الجدران؟ هل سيجرؤ الموالون على الاقتراب من صورة له وتمزيقها؟
ثمة صورة واحدة وتمثال واحد يجب أن يبقيا للرئيس المفدى، الملهم. وكذلك تمثال لوالده الخالد وصورة. صورتان وتمثالان لا بد أن يظلاّ، يجب عدم تقليد داعش في سجن تدمر وما فعلته هناك، لأن المستقبل يطلب من الأحياء الباقين على قيد الأخلاق ذلك، وذلك كلوحة توضيحية تقدم للأجيال القادمة، عن درس الاستبداد المرير الذي تعرضنا له وما زلنا حتى تاريخه.
(كاتب سوري)