صورة غاندي

12 ابريل 2019
(نصب تذكاري لغاندي في "جامعة غانا" (تصوير: كريستيان تومسون)
+ الخط -

ينتقد جورج لوكاش الشاعر والكاتبَ الهندي رابندرانات طاغور وروايتَه "البيت والعالم" في كتابه "الأدب والفلسفة والوعي الطبقي" انتقاداً حادّاً، ويقول إن الموقف الهجائي والديماغوجي المنحاز لدى الكاتب، يُسقط كل قيمة فنية عن الرواية. فبدلاً من غاندي؛ الشخصية المعروفة تاريخياً بالنزاهة والزهد، يرسم طاغور، صورة روائية شائنة لشخص اسمه "سنديب بابو"، يقود حركة سياسية مماثلة للحركة التي كان يقودها غاندي، يتّسم بالجشع والاستبداد وغلاظة الطبع، وتسخير السياسة للأطماع الشخصية في المال والنساء. ومن المعروف تاريخياً أن طاغور كان ينتقد سياسات غاندي الداعية لمقاطعة البضائع الأجنبية.

يُفترض أن تكون أي رواية مقنعة وصادقة من الناحية الفنية، وفي هذه الحالة سوف تكون معايير الفن وحدها الحكم الذي يحق له أن يقدّر قيمة أي عمل. ورواية "البيت والعالم" ضعيفة فنياً بالفعل، وتعاني من الترهّل والحشو، خاصة حين يسعى الكاتب لتكبيلها بذلك القدر من الحكمة المفتعلة.

وقد أصاب لوكاش حين كتب إن شخوص طاغور تخطيطات شاحبة، وحكاياته سطحية وغير مثيرة للاهتمام، وخاصة حين حوّل المناضلين من أجل الحرية إلى عصابة من المجرمين والمغامرين. غير أنه بدا ظالماً حين كتب أن حساسية الشاعر محدودة ومتقلبة، أو حين أضاف أن طاغور عميل فكري للبورجوازية الإنكليزية التي كانت تحارب في تلك المرحلة حركة التحرُّر الهندية.

يستبق رأي لوكاش (ورواية طاغور أيضاً) مشكلة قديمة وجديدة في آداب العالم، وفي أدبنا وثقافتنا العربيين، وهي قضية تناول الشخصيات التاريخية، والزعامات الوطنية، في الأعمال الفنية، وكيف يمكن أن نفرق بين الشخصية في الرواية والشخصية في الواقع؟

وفي الغالب، لن نعثر على اتفاق حاسم في هذا الشأن، خاصة أن أكثر الشخصيات التي يميل الرأي العام للمحافظة على صورة ثابتة لها، وهي صورة متقنة وشبه مثالية تتضمن الحدود القصوى من الطبائع المبجلة التي يتوافق البشر على احترامها، تنتمي إلى القادة والمحررين ومن يعرفون بـ"العظماء".

أسئلة كثيرة سوف تظل عالقة في هذا الباب من الكتابة الفنية: هل يحق للعمل الفني أن يخلق أو يختلق صورة تخلخل تلك الصفات الثابتة التي أضحت جزءاً من الذاكرة والوجدان العام لكل شعب عن هذه الشخصية أو تلك من تاريخه؟ وهل كون الشخصية متخيلة أو مذكورة في سياق عمل متخيل يعني أن بوسع أي كاتب أن يحط من قيمتها؟ أو يضفي عليها صفات، أو يجعلها تمارس أفعالاً لا تشبهها؟

ثم هل يقبل الأدب والفن بوجود ضوابط ومعايير يضعها آخرون على الرؤية التي سيعيد فيها تصوير شخصية ما من التاريخ؟ ومن هو القيّم على صور التاريخ؟ فالتاريخ المعروف هو التاريخ الرسمي، وصورة البطل هي الصورة السائدة التي يُجبَر الناس على قبولها، ومن يؤكد أن صورته الحقيقية هي تلك الموجودة في ألبومه الخاص؟ وإذا كنا سنقبل بكل من يدّعي الوصاية على تاريخ الشخصيات، فإن هذا يعني أننا سنقبل بمن يعتدي على حرية التعبير.

المساهمون