ويطرح هذا التغير الكبير في حجم وموازين القوى الكردية، صورة ضبابية عن إمكانية عقد تحالفات مستقبلية عابرة للطائفية والقومية داخل البلاد، وما إذا كان الظرف الذي يمر به الكرد مهيأ لذلك أم لا.
وفي السياق نفسه، قال مسؤول قريب من التحالف الوطني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ابتعاد البارزاني عن رئاسة الإقليم لا يعني ابتعاد الكرد عن بغداد"، موضحا أنّ "العبادي لم يقطع طوال هذه الفترة التي أعقبت الاستفتاء اتصالاته مع القادة الكرد، من غير الحزب الديموقراطي الذي يتزعمه البارزاني وأنّ هناك الكثير من القادة مقربون من العبادي، ومن الممكن التواصل والتقارب معهم لتشكيل تحالف انتخابي".
وأشار إلى أن الأكراد لم يغادروا دور بيضة القبان بالانتخابات كما السابق في السنوات الماضية، حيث أن تحالفهم مع أي من التحالفات في بغداد يعني ضمان هذا الطرف رئاسة الوزراء التي تشترط حسب الدستور على التحالف الانتخابي أن يحصل على ثلثي مقاعد البرلمان للفوز بالمنصب وهو ما فعله التحالف الوطني (الشيعي) في الحصول على المنصب طيلة السنوات الاثنتي عشرة الماضية.
وبين أنّ "العبادي يسعى بكل جهده لتشكيل كتلة عابرة للطائفية والقومية، وهناك تقارب واضح مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأنّ الجانبين يحاولان إدخال الجانب الكردي في هذا التحالف أو جزء منه".
وعلى الرغم من أنّ أزمة الاستفتاء وما رافقها من أحداث في كركوك والمناطق المتنازع عليها، أثرت على العلاقة بين بغداد وأربيل، لكنّ ذلك لا يعني انقطاع هذه العلاقة، بل يرى البعض أنّها ستكون مرحلة أكثر تقاربا بين الجانبين من ذي قبل، الأمر الذي سيزيد من فرص التقارب الانتخابي بينهما.
وقالت النائبة عن كتلة التغيير الكردية، شيرين رضا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإقليم بعد البارزاني سيكون أقرب إلى بغداد من المرحلة السابقة، ونحن ككتلة تغيير ما زلنا متمسكين ببغداد، وإنّ علاقتنا بها وطيدة، ولدينا تحالفات معها"، مبينة أنّه "بعد الاستفتاء أصبحنا أقرب إلى بغداد بسبب موقف قادتنا الرافض للاستفتاء".
وأعربت عن اعتقادها بأنّ "الحزب الديموقراطي الكردستاني (حزب البارزاني) لن يكون له أعضاء في البرلمان العراقي المقبل، إذ إنّه صدم من أحداث الاستفتاء وما جرى، وهم الآن يحاولون لملمة شتاتهم".
واستدركت بالقول: "لكنّ ذلك لن يؤثر على حجم العلاقة مع بغداد، فنحن كعراقيين لن ننفصل عن العراق، وكان تنحي البارزاني هو أمر واقع أولا وأخيرا، وذلك لن يؤثر على العلاقة بين الجانبين"، مشيرة الى أنّ "البارزاني كان قبل الاستفتاء قريباً من بغداد ومن العبادي تحديدا، وكان يعامل كمعاملة رئيس دولة، وكانت بغداد لا تسمع من غيره، لكن موضوع الاستفتاء قطع كل ذلك، وغير المعادلة".
وأكدت أنّ "المرحلة المقبلة بالتأكيد ستشهد حوارات بين بغداد وأربيل، وأنّ الانتخابات والتحالفات الانتخابية ستكون محورا من الحوارات"، مشيرة إلى أنّ "الأهم في ذلك كله أن تكون هناك كتلة انتخابية تخدم الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته".
وما زال مشهد التحالفات الانتخابية ضبابيا، فلا ملامح واضحة حتى الآن، خصوصا ما يتعلق بالتقارب بين الكتل العربية والكردية، بينما يؤكد مراقبون أنّ بوصلة التقارب مع العبادي اختلفت من حزب البارزاني إلى حزب الطالباني.
وقال الخبير السياسي، شلّال الجنابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حركة البارزاني الأخيرة بالاستفتاء والتنحي، غيرت بوصلة القيادة الكردية للمرحلة المقبلة"، مبينا أنّ "هناك اتفاقات جرت خلف الكواليس بين بغداد وحزب الطالباني بشأن اقتحام كركوك، وأنّ الحزب فتح الباب للقوات العراقية وسلمها المناطق التي كانت تحت سيطرته بدون قتال".
وأوضح أنّ "ذلك يؤشر على مدى التقارب بين الجانبين، في وقت تكلم فيه البارزاني في خطابه الأخير عن ذلك ووصفه بالخيانة"، مبينا أنّ "حزب البارزاني لا يمكن له بعد الذي جرى أن يقترب من العبادي، ويمهد لمرحلة انتخابية، بل إنّ التقارب سيكون مع حزب الطالباني، والأحزاب المعارضة الكردية ومنها التغيير والجماعة الإسلامية".
واستدرك، "لكن في نهاية الأمر يبقى الأمر كلّه مرتبطا بالمصالح المشتركة، فالأحزاب السياسية تلهث وراء مصالحها أينما حلّت، فإذ كانت المصلحة تكمن بتحالف عابر للطائفية والقومية فستسعى له تلك الجهات، وإلّا فلا حاجة لهم إلى ذلك".