صوت جديد: مع ميلود يبرير

30 سبتمبر 2018
(ميلود يبرير)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع وجه جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟
لا أفهم الكتابة الجديدة خارج الاختلاف والمغايرة. لقد تعوّدنا خاصّة في الرواية على كتابةٍ مشبعة باليقين والأيديولوجيا مركزها أنا الكاتب المتوجّعة وموضوعها عالم الكاتب نفسه، ولقد بدأنا تحت تأثير عوامل عديدة، منها ما تشترك فيه الجزائر مع غيرها من البلدان العربية ومنها ما يختص بالجزائر كتاريخها السياسي المعاصر، نتخفّف من هذا في مدوّنة الرواية المكتوبة بالعربية نحو كتابة تشبه لحظتنا التاريخية أكثر، لحظتنا اللايقينية والمتناقضة والتراجيدية أحياناً. أعتقد أنّ هناك دائماً كتابة جديدة، لكن السؤال هو: إلى أيّ حدّ ننتبه نحن إليها؟


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
مسألة الأجيال في بلدي هي مسألة مركّبة، وفي كثير من الأحيان تتراكم الأجيال على الهامش، في حين يحتّل جيلٌ ما المركز ويحتكر كلّ شيء. الانقطاعات الكثيرة أفقياً وعمودياً بين الأجيال وداخل كلّ جيل تجعل من الانتماء إلى جيل معيّن أمراً لا يُوضّح الكثير بالنسبة إلينا نحن المعنيين بالانتماء إلى جيل ما أو بالنسبة إلى الآخرين. في أغلب الأوقات أشعر أنّي منفيّ، وربّما هذا ما عملتُ على الوصول إليه؛ فالكتابة بالنسبة إليّ تعني اللاانتماء، تعني لي فعل المتعة والحريّة الذّاتية جداً.. إنّها إحدى الوسائل المهمّة والحيوية التي أثبتُ فيها فرديتي في مجتمع وثقافة يقمعان الفردية والتفرّد.


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
علاقة معرفيّة، علاقة قراءة ومتابعة. أنا أقف على أكتاف كتّاب ومفكّرين كبار؛ أمثال عبد القادر جغلول، والطاهر وطار، وعلي الكنز، وفرانتز فانون، وعبد الحميد بن هدوقة، ومالك حدّاد، وعبد الله شريّط، ومصطفى الأشرف، ورشيد بوجدرة، وأبو القاسم سعد الله، ومحمد حربي. هؤلاء الذين قدّموا لي معاني كثيرة حول تاريخي وحول امتدادات ما أراه وما أعيشه. أمّا على صعيد العلاقات الشخصيّة، فأنا لا أحتفظ إلاّ بعدد قليل جدّاً من علاقات الصداقة مع الكتّاب. ربما كان هذا أمراً غريباً وربّما كان صحيّاً.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
لا توجد بيئة ثقافية حقيقية في الجزائر؛ النقاش الثقافي الحقيقي يدور في فضاءات بديلة وربّما افتراضية أحياناً، والحياة الثقافية الرسمية قائمة عموماً على العلاقات والحسابات الشخصية وشراء الذمم والكثير من الرداءة. هذه فكرتي المتواضعة وربّما الخاطئة، فأنا مثلاً لم أحضر إلّا فعالية ثقافيّة واحدة خلال السنوات الأربع الماضية.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
حازت روايتي الأولى "جنوب الملح" على "جائزة الشارقة للإبداع العربي"، بعدها نشرت الرواية بنشر مشترك بين "دار الجديد" في لبنان و"البرزخ" في الجزائر، وأنا مدين لهؤلاء الثلاثة بميلادي ككاتب. كان عمري حينها ثلاثين خريفاً.


■ أين تنشر؟
أنشر من وقت لآخر مقالات رأي في عدد من المواقع الإلكترونيّة العربيّة.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
منذ سنوات بعيدة قليلاً، طرحتُ على نفسي أسئلة كثيرة، أسئلة وجوديّة ونفسيّة. وقد كانت القراءة هي طريقتي الوحيدة للإجابة في ذلك الوقت عنها، وقد قادتني الكتب إلى طرح أسئلة حول القراءة، ماذا يجب أن أقرأ؟ كيف أقرأ؟ وما الذي يمكنني معرفته؟ يا إلهي، لقد كانت لحظة كانطية، لكنّي لم أعرف كانط إلا فيما بعد، وقد قادتني هذه الأسئلة إلى قراءة غير مكتملة لـ ميشال فوكو، أي إلى التفكير حول المعرفة والسلطة، التفكير في إنسان القرن العشرين الذي أكونه، أي أنّي كنتُ أقرأ للمتعة وللإجابة عن أسئلة وجودية نفسيّة، وفيما بعد أصبحت أقرأ لأجيب عن أسئلة معرفيّة ولأغذّي هذه الأسئلة أكثر وأشحذها، ولما لا لأصنع سؤالي الكبير الخاص بي.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟
أقرأ باللغة الفرنسية وأحاول أن أقرأ بالإنكليزية، وقد كان هذا ضرورياً. قد يظنّ الآخرون أن الجزائري يولد فرنكوفونياً. أنا لم أتعلّم اللغة الفرنسية إلّا خلال دراستي الجامعية لضرورة تتعلّق بدراستي الطب التي تُقدَّم فيها كلّ الدروس بالفرنسية، لكن أيضا لأسباب معرفية، ثمّ الأهم وهو أنّي كنت أريد أن تكون العربيّة خياراً حقيقيا بالنسبة إليّ. لقد كنتُ ولا أزال أعتبر أنّ أحاديّة اللغة أو اللسان مأساة حقيقيّة في مجتمع وثقافة تحبّ وتشجّع وتقدّس الواحد وتنبذ وتخاف من المتعدّد، كما أنّ الفرنسيّة في الجزائر هي أحد الأسئلة الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي كثيراً ما تُثار حولها نقاشات لا تنتهي.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكون كاتباً مترجماً؟
أنظر إلى ترجمة الآخر إلى العربية باهتمام كبير، وأشعر أن هناك حاجة كبيرة لأن نُترجَم كعرب إلى اللغات الأخرى، لأننا غير مرئيين أو معرفة الآخر بنا مشوّهة. أمّا عن نفسي، فترجمة ما أكتب تجعلني فضولياً لرؤية نصّي في مرآة لغة أخرى، لمعرفة رأي الآخر مختلف اللغة والثقافة في ما أكتبه.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟
إصداري القادم سيكون مجموعة قصصيّة بعنوان "الرجل على وشك فعل شيء ما"، وبعدها ستكون روايتي الثانية.


بطاقة
كاتب جزائري ولد سنة 1984 في مدينة الجلفة جنوبَي الجزائر العاصمة. عمل في الصحافة والترجمة، درس الطب، ويعمل الآن طبيباً في مستشفى فرانتز فانون للأمراض العقلية في مدينة البليدة. صدرت روايته الأولى "جنوب الملح" عن دارَي "الجديد" و"البرزخ" سنة 2015.

المساهمون