صندوق النقد يضغط لتجميد الأجور في تونس... ماذا عن تعهد الحكومة بزيادتها؟

19 ابريل 2019
احتجاجات تونسية على السياسات الحكومية (Getty)
+ الخط -
وضع العمال والموظفون في تونس أياديهم على قلوبهم، بعدما بدأت الحكومة التونسية مرحلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية، تزامناً مع إعلان صندوق النقد الدولي الأربعاء، التوصل إلى اتفاق مع السلطات التونسية على الإجراءات اللازمة لخفض عجز الميزانية في 2019 إلى 3.9 في المائة، في مقابل صرف 247 مليون دولار كشريحة من القرض البالغ 2.8 مليار دولار، تتسلمه البلاد من الصندوق على دفعات منذ عام 2016. 

وستسعى الحكومة إلى تحقيق الاستقرار في عجز الموازنة، وإصلاح عجز أنظمة الضمان الاجتماعي والمعاشات، إلى جانب مواصلة خفض كتلة الرواتب.

ويعدّ النزول بكتلة الأجور إلى 12,7 في المائة وفق مطلب الصندوق، واحداً من أبرز التحديات الجديدة للحكومة، مع وجود اتفاق وقّعته مع الاتحاد العام التونسي للشغل في شباط/ فبراير الماضي، يقضي بزيادة أجور الموظفين 180 ديناراً على ثلاث دفعات حتى يناير/ كانون الثاني 2020.

وستكون الشريحة الأولى بمفعول رجعي من ديسمبر/ كانون الثاني 2018 بقيمة 90 ديناراً، ثم شريحة ثانية تصرف في يوليو/ تموز المقبل بقيمة 40 ديناراً، وشريحة أخيرة في يناير 2020 بقيمة 50 ديناراً.

وتمثل الزيادة في الرواتب، حسب خبراء الاقتصاد، ضغطاً إضافياً على المالية العمومية، معتبرين أن هذه الزيادة تحول دون بلوغ الأهداف المرسومة مع الصندوق بخفض كتلة الأجور.

ويؤكد الخبير الاقتصادي معز الجودي في حديث مع "العربي الجديد" صعوبة تحقيق هذه الأهداف بعد ارتفاع كتلة الرواتب بفعل الاتفاق الأخير، إلى أكثر من 15,1 في المائة، مشيراً إلى أن صندوق النقد الدولي يمارس كافة وسائل الضغط على الحكومة من أجل كبح الرواتب. ويضيف أن السلطات النقدية تشدد على هذا المطلب نظراً لانعكاساته على نسب التضخم وحجم الاستدانة الخارجية، رغم إدراكها صعوبة بلوغ الأهداف المعلنة.

وفي تقرير له عقب انتهاء مهمة المراجعة الخامسة، أقرّ صندوق النقد الدولي بصعوبة احتواء الأجور.

وقال الصندوق إنه "سيكون من المهم أيضاً احتواء فاتورة الأجور العامة بشكل أفضل، التي تعدّ من أعلى النسب في العالم، كحصة من الناتج المحلي الإجمالي"، معتبراً أن خفض كتلة الرواتب سيساعد في توفير مساحة أكبر للإنفاق النقدي على الأسر الضعيفة والتعليم والصحة.

وتشدد المصادر على أن الحكومة تتعرض لضغوط شديدة من المقرضين الدوليين، وخصوصاً صندوق النقد، بسبب تضاعف فاتورة الأجور في القطاع العام إلى نحو 16 مليار دينار (5.5 مليارات دولار) في 2018، مقارنة بـ 7.6 مليارات دينار عام 2010.

ومقابل إصرار النقد الدولي على احتواء فاتورة الأجور، يشدد اتحاد الشغل على تأهّبه للدفاع عن الحقوق الاجتماعية للتونسيين ضد سياسات التقشف، ويجدّد رفضه أيّ إملاءات لصندوق النقد، معتبراً في بيان أن "خضوع الحكومة لمطالبه السابقة جعلها تعيش تحت ضغط تجميد التوظيف في قطاعات أساسية كالتعليم والصحّة، رغم الحاجة إلى تشغيل قرابة 7 آلاف أستاذ والآلاف من الموظفين في مجالات أخرى".

وكشفت وثيقة مشروع موازنة تونس لسنة 2020، نية الحكومة مواصلة تجميد التوظيف في القطاع الحكومي للعام الثالث على التوالي، وعدم برمجة مراكز جديدة في الوظيفة العمومية، باستثناء خريجي مدارس التكوين أو في بعض الاختصاصات الملحّة.

وبالإضافة إلى تجميد التوظيف، تراهن الحكومة على تحقيق نتائج أفضل في برنامج التسريح الطوعي للموظفين، الذي بدأته سنة 2017، وكانت تتطلع عبره الى الاستغناء عن 50 ألف موظف.

وبعد نحو عامين من بداية خطة التسريح، لم يتجاوز عدد المسرحين الـ 10 آلاف، في ظل عزوف العاملين في القطاع العام على المغادرة الاختيارية، خوفاً من خسارة الحوافز والضمانات المالية التي يحظون بها.

ويقول الخبير المالي أشرف العيادي لـ "العربي الجديد"، إنه كان الأجدر المراهنة على تحسين الوضع الاقتصادي، بدلاً من تقليص عدد الموظفين، مشيراً إلى أن الدولة في كل الحالات ستتحمل ضغوطاً مالية جديدة، إما بدفع الرواتب وإما بضخّ الأموال للصناديق الاجتماعية، للمحافظة على توازناتها المالية وضمان استمرار مهامّها في صرف معاشات المتقاعدين.

ويعتبر أن تقييم كتلة الأجور مرتبط بما يحققه الاقتصاد من ناتج إجمالي محلي ونسب نموّ، لافتاً إلى أن تقييم صندوق النقد الدولي لفاتورة الأجور التي يعتبرها من بين الأعلى في العالم، مردّه ضعف المردود الاقتصادي ونسبة النموّ التي لم تتجاوز 2,6 في المائة.

وأرجع العيادي، عدم تحقيق الخطة الحكومية لخفض عدد موظفي الدولة أهدافها، وضعف عدد المقبلين على التقاعد المبكر، إلى خوف الموظفين من فقدان مكاسبهم نتيجة الصعوبات المالية التي تعاني منها صناديق المعاشات، فضلاً عن القلق من الضغوط المعيشية.
المساهمون