"إنه نجم روك في الاقتصاد، إنه ماركس الجديد" بهذه الصيغة قُدّم الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي لجمهوره المصري في محاضرتيه في مصر، لتقديم النسخة العربية الصادرة حديثاً من كتابه ذائع الصيت "رأس المال في القرن الحادي والعشرين".
لم يوفّر الجمهور المصري الذي احتشد بالمئات في استقبال الرجل بحفاوة بالغة كما يليق بنجم غنائي فعلاً، بينما كان هو يصعد برشاقة رياضي درجات مسرح قاعة "إيوارت" التذكارية في مبنى "الجامعة الأميركية" القديم وسط العاصمة المصرية، ويلوّح بيديه كما لو أنه نجم سينمائي جاء للتعريف بآخر أفلامه.
كتاب بيكيتي دخل في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً ووزّع في طبعاته المختلفة أكثر من مليوني ونصف المليون نسخة، والجمهور المصري انتظر بالمئات في طوابير للحصول على توقيع الكاتب، كما التقط البعض الآخر صوراً تذكارية معه، ما يصح معه سؤال حول حيازة اقتصادي وكتابه كل هذه النجومية والضجة الموازية!
لا ريب أن عنوان الكتاب مثّل عتبة أولى للفضول حول محتواه بما أنه يستعير عنوان أشهر كتب ماركس، لكن ما يعنينا في هذه اللقطة أكثر من التركيز على محتوى الكتاب هو استفهامان عن كيفية صناعة النجم في العالم الرأسمالي الحديث، وعلاقة ذلك بذائقة الجمهور.
لأسبوعين أو أكثر التهمت أخبار محاضرتي بيكيتي في القاهرة جلّ اهتمام المتابعين العرب على فيسبوك، وفي أسباب ذلك لا يمكن بحال غض الطرف عن راهن المنطقة العربية التي تتعاقبها الموجات الثورية على أنظمة حاكمة سيطرت لعقود على منابع الثروة، إذ بالمقابل يقدّم بيكيتي في كتابه إجابات موازية على حال اللامساواة في الدخل في أوروبا وأميركا وكيفية عملها لقرون سابقة حتى وقتنا المعاصر.
بحسب إريك هوبْزْباوم "نحن بحاجة إلى أن نحسب حساب ماركس، اليوم". وبحسب محاضرة القاهرة، فإننا كنا أمام ماركس الجديد، أما بحسب ماركس الجديد نفسه، فقد كان جوابه حين اتهمته أوساط يمينية "بالماركسية" أنه قال: ماركس! أنا لم أقرؤه جيداً!
وفي نكتة قديمة - لا بد أن يمينياً ما أطلقها - يقولون إن أم ماركس لما أخبروها أن ابنها كتب كتاباً عن رأس المال، كان جوابها "ليته اهتم بجمعه، بدلاً من الكتابة عنه". في صلب هذا العقل اليميني، يحاجج كتاب بيكيتي في أن معدل ربحية رأس المال سيزيد دائماً عن معدّل نمو الإنتاج، ويعني ذلك أن العائد على رأس المال سيكون دائماً أكبر من العائد من العمل.
العقل اليميني- الذي تمثّله أم ماركس- كان متسقاً بوضوح مع نوازعه الكليّانية: جمع المال وتكديسه سيكون دائماً أهم في عصر الرأسمال من العمل، أيّ عمل حتى ولو كان تأليف كتاب.
جاء بيكيتي ليحذّر من هذا في كتابه، وبالمقابل صنع كتابه منه نجماً، كأنه يُخرج لسانه للعقل اليميني في النكتة السالفة عن ماركس.