تُعد حرفة تصنيع الزجاج واحدة من أقدم المهن التي لها مكانتها الخاصة بين المصريين، حيث تدخل منتجاتها كل بيت، ويستخدمها الجميع في أكثر من مكان، ولكنها الآن أصبحت مثلها مثل الكثير من الأعمال الأخرى التي تعاني من نوبات الصعود والهبوط.
ورغم مظاهر التطور، مازال أصحاب هذه المهنة متمسكين بطريقتهم التقليدية في التصنيع ومكابدة محاولة تغييبها، في ظل تفشي الغلاء وارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة والتغلب على متاعبها وتراجعها أمام المنافسة القوية من المصانع الكبيرة، مؤكدين أنهم لن يودّعوها وفاء لحرفتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
"متميزون ومبدعون" بهذه الكلمات يتحدث فتحي بلال، أحد أقدم صنّاع الزجاج في مدينة الإسكندرية شمالي مصر، بفخر عن زملائه وأقرانه في مهنته التي يرى أن لها الفضل في تحسين أحوال الكثير من المصريين، بفضل منتجاتهم التي شهدت تطوراً كبيراً وملحوظاً في الفترة الأخيرة، وأصبحت في متناول يد الجميع.
يروي "بلال"، وهو جالس على كرسيه الحديدي طويل الأرجل، وحاني الظهر تجاه المنضدة الخشبية التي يعمل عليها، رحلته مع حرفة تصنيع الزجاج، والتي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وشكواه من أنها لم تعد تجد في الوقت الحالي نفس القدر من الاهتمام والعناية، على الرغم من استمرار الاحتياج إليها في كل منزل.
يسترجع بلال ما تبقى من ذكريات أكثر من 50 عاماً مضت عندما بدأ العمل بالمهنة، قائلا صناعة الزجاج من المهن التراثية الأصيلة والتي تقاوم خطر الانقراض. فرغم أنها تستمد موادّها وخامات تصنيعها من البيئة، إلا أن عملية التصنيع صعبة ومخاطرها كبيرة وتحتاج إلى خبرة ومهارة العامل وتدريبه المستمر على التشكيل للحصول على منتج نهائي جذاب.
ولفت إلى أن سوء الأحوال الاقتصادية يهدد بانقراض المهنة بعد أن قلّ الاهتمام بها، كما اندثر معظم العاملين بها، والمصانع الجديدة التي تعتمد على التكنولوجيا والآلات الإلكترونية الحديثة، لم تعد تترك لنا مجالًا لنعمل ونُبدع ونُظهر ما لدينا من إمكانيات، وهو ما أثر بالسلب على الذوق العام للزجاج في الأسواق.
وأشار إلى أن أنواع الزجاج كثيرة تختلف حسب استخدامه وطريقة تصنيعه، والذي يصنع أساسا من الرمل المخلوط ببعض المواد بعد تسخينها في درجة حرارة عالية وتحويلها إلى عجينة يتم تشكيلها قبل أن تجف بحسب الغرض المراد منها، فورشته متخصصة في صناعة بعض المنتجات المنزلية أو الأدوات التجارية الملونة والمزخرفة.
اقــرأ أيضاً
وأوضح أن المرحلة الثانية التي تتضمن عملية التشكيل ويتمّ خلالها تحويل مصهور الزجاج المبرد إلى مادة صلبة سواء بصبّه في قالب أو عن طريق النفخ اليدوي بالفم أو المنفاخ، أو عن طريق النفخ الآلي، ويترك حتّى يبرد ببطء حتى لا ينكسر أو يتشقق، على أن ينتهي ذلك بمرحلة التهذيب والتنظيف والصقل للمنتج النهائي ليصبح جاهزا للاستخدام.
كما تحدث "بلال" عن مخاطر مهنة نفخ الزجاج التي يعمل بها، قائلا "التعرّض للحرق أو الجروح يجعل العاملين بها أكثر عرضة للمشاكل، وهو ما أجبر الكثير منهم على ترك المهنة، وهو ما تسبب أيضا في غلق أو تغيير كثير من الورش نشاطها.
ويتفق معه محمود السيد، مالك إحدى الورش في غرب الإسكندرية، قائلا المشكلة التي تؤرق أصحاب الورش هي ركود المنتجات بسبب الأحوال الاقتصادية، وارتفاع سعر الغاز بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المهنة وتطويرها، لما لها من أهمية على مدار التاريخ المصري.
وحذر من أن هذه الصناعة في سبيلها إلى الانقراض؛ ليس فقط بسبب حجم المخاطر التي يتعرض لها العاملون من حروق وجروح وتحمل درجة حرارة الفرن التي قد تصل إلى أكثر من 1600 درجة مئوية، مما يجعلهم أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض، وإنما بسبب ضعف الأجور التي لا تتناسب مع المجهود الشاق الذي يبذلونه.
وأضاف: تعلمنا منذ القدم كيف نصنع الزجاج ونبرز فيه الزخارف على سطح المرايا والقوارير بألوانها المطلية بالذهب وبالنقوش المتداخلة وخطوط الرسوم الهندسية التي تميّز بها الفن الإسلامي أو غيره من أنواع الفنون، أما الماكينات والآلات الحديثة فهي صماء عمياء، لا روح فيها، وتعتمد فقط على نقاء الخامة وإنتاج كميات كبيرة بدون أي جماليات.
ويستطرد أحمد حنفي، مالك إحدى ورش الزجاج في مدينة الحرفيين بمنطقة محرم بك وسط الإسكندرية، قائلًا: "يد العامل تضيف للمنتج النهائي القدرة الإبداعية والفنية، والتي يكتسبها بخبرة ومهارة السنوات في هذه الحرفة التي تحتاج إلى مواكبة الزمن والتطور وإنتاج نماذج مختلفة بين الحين والآخر".
ويضيف الحرفي ذو الأعوام الـ53، أنه يعمل في تلك المهنة منذ حوالي 40 سنة، في الورشة التي امتلكها أبوه وجده، مشيرًا إلى أن الورشة اشتهرت منذ عقود بصنع المنتجات كالأباريق والقوارير وغيرها من المنتجات الزجاجية التي يتم تشكيها عن طريق النفخ في كتلة العجين الزجاجي، أما الآن فاليد العليا لأصحاب المعارض الكبيرة والمصانع ذات الآلات الحديدية التي تنتج زجاجًا بلا أي علاقة بالثقافة العربية أو المصرية الأصيلة.
وتضيف أسماء عبد العزيز، إحدى العاملات في ورشة لتصنيع الزجاج بالإسكندرية: "الزجاج المعد على الطريقة اليدوية هو الأغلى ثمنًا، بسبب الطريقة والخطوات التي يتم تصنيعها بها".
وتابعت: "للأسف غالبية الورش تعاني من الإهمال، فلا نتمكن من تطوير أنفسنا وأعمالنا لقلة الإمكانيات، في الوقت الذي تكبر فيه المصانع التي يملكها رجال أعمال ليس لهم أي علاقة بالمجال".
وتؤكد عبد العزيز، أن غالبية المعارض الكبرى والأثرياء كانوا من بين زبائن الورشة التي تنتج الزجاج المزين والمزهريات والشمعدانات، ويضفي ألوانًا وطريقة جديدة في تصميمها، تعطي أجواءً عصرية على كل منتج. وأشارت إلى أن غالبية صناع الزجاج، لا يرحبون بأن يعمل أبناؤهم في نفس المهنة بسبب المشاقّ الكبيرة التي يتكبدونها، وعدم وجود أي من أنواع الحماية والتأمين الصحي والاجتماعي لهم، فضلًا عن غموض مستقبلها كحرفة وسط المصانع الكبرى التي تزيدهم فقرًا فوق فقرهم.
اقــرأ أيضاً
ورغم مظاهر التطور، مازال أصحاب هذه المهنة متمسكين بطريقتهم التقليدية في التصنيع ومكابدة محاولة تغييبها، في ظل تفشي الغلاء وارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة والتغلب على متاعبها وتراجعها أمام المنافسة القوية من المصانع الكبيرة، مؤكدين أنهم لن يودّعوها وفاء لحرفتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
"متميزون ومبدعون" بهذه الكلمات يتحدث فتحي بلال، أحد أقدم صنّاع الزجاج في مدينة الإسكندرية شمالي مصر، بفخر عن زملائه وأقرانه في مهنته التي يرى أن لها الفضل في تحسين أحوال الكثير من المصريين، بفضل منتجاتهم التي شهدت تطوراً كبيراً وملحوظاً في الفترة الأخيرة، وأصبحت في متناول يد الجميع.
يروي "بلال"، وهو جالس على كرسيه الحديدي طويل الأرجل، وحاني الظهر تجاه المنضدة الخشبية التي يعمل عليها، رحلته مع حرفة تصنيع الزجاج، والتي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وشكواه من أنها لم تعد تجد في الوقت الحالي نفس القدر من الاهتمام والعناية، على الرغم من استمرار الاحتياج إليها في كل منزل.
يسترجع بلال ما تبقى من ذكريات أكثر من 50 عاماً مضت عندما بدأ العمل بالمهنة، قائلا صناعة الزجاج من المهن التراثية الأصيلة والتي تقاوم خطر الانقراض. فرغم أنها تستمد موادّها وخامات تصنيعها من البيئة، إلا أن عملية التصنيع صعبة ومخاطرها كبيرة وتحتاج إلى خبرة ومهارة العامل وتدريبه المستمر على التشكيل للحصول على منتج نهائي جذاب.
ولفت إلى أن سوء الأحوال الاقتصادية يهدد بانقراض المهنة بعد أن قلّ الاهتمام بها، كما اندثر معظم العاملين بها، والمصانع الجديدة التي تعتمد على التكنولوجيا والآلات الإلكترونية الحديثة، لم تعد تترك لنا مجالًا لنعمل ونُبدع ونُظهر ما لدينا من إمكانيات، وهو ما أثر بالسلب على الذوق العام للزجاج في الأسواق.
وأشار إلى أن أنواع الزجاج كثيرة تختلف حسب استخدامه وطريقة تصنيعه، والذي يصنع أساسا من الرمل المخلوط ببعض المواد بعد تسخينها في درجة حرارة عالية وتحويلها إلى عجينة يتم تشكيلها قبل أن تجف بحسب الغرض المراد منها، فورشته متخصصة في صناعة بعض المنتجات المنزلية أو الأدوات التجارية الملونة والمزخرفة.
وأوضح أن المرحلة الثانية التي تتضمن عملية التشكيل ويتمّ خلالها تحويل مصهور الزجاج المبرد إلى مادة صلبة سواء بصبّه في قالب أو عن طريق النفخ اليدوي بالفم أو المنفاخ، أو عن طريق النفخ الآلي، ويترك حتّى يبرد ببطء حتى لا ينكسر أو يتشقق، على أن ينتهي ذلك بمرحلة التهذيب والتنظيف والصقل للمنتج النهائي ليصبح جاهزا للاستخدام.
كما تحدث "بلال" عن مخاطر مهنة نفخ الزجاج التي يعمل بها، قائلا "التعرّض للحرق أو الجروح يجعل العاملين بها أكثر عرضة للمشاكل، وهو ما أجبر الكثير منهم على ترك المهنة، وهو ما تسبب أيضا في غلق أو تغيير كثير من الورش نشاطها.
ويتفق معه محمود السيد، مالك إحدى الورش في غرب الإسكندرية، قائلا المشكلة التي تؤرق أصحاب الورش هي ركود المنتجات بسبب الأحوال الاقتصادية، وارتفاع سعر الغاز بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود للحفاظ على المهنة وتطويرها، لما لها من أهمية على مدار التاريخ المصري.
وحذر من أن هذه الصناعة في سبيلها إلى الانقراض؛ ليس فقط بسبب حجم المخاطر التي يتعرض لها العاملون من حروق وجروح وتحمل درجة حرارة الفرن التي قد تصل إلى أكثر من 1600 درجة مئوية، مما يجعلهم أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض، وإنما بسبب ضعف الأجور التي لا تتناسب مع المجهود الشاق الذي يبذلونه.
وأضاف: تعلمنا منذ القدم كيف نصنع الزجاج ونبرز فيه الزخارف على سطح المرايا والقوارير بألوانها المطلية بالذهب وبالنقوش المتداخلة وخطوط الرسوم الهندسية التي تميّز بها الفن الإسلامي أو غيره من أنواع الفنون، أما الماكينات والآلات الحديثة فهي صماء عمياء، لا روح فيها، وتعتمد فقط على نقاء الخامة وإنتاج كميات كبيرة بدون أي جماليات.
ويستطرد أحمد حنفي، مالك إحدى ورش الزجاج في مدينة الحرفيين بمنطقة محرم بك وسط الإسكندرية، قائلًا: "يد العامل تضيف للمنتج النهائي القدرة الإبداعية والفنية، والتي يكتسبها بخبرة ومهارة السنوات في هذه الحرفة التي تحتاج إلى مواكبة الزمن والتطور وإنتاج نماذج مختلفة بين الحين والآخر".
ويضيف الحرفي ذو الأعوام الـ53، أنه يعمل في تلك المهنة منذ حوالي 40 سنة، في الورشة التي امتلكها أبوه وجده، مشيرًا إلى أن الورشة اشتهرت منذ عقود بصنع المنتجات كالأباريق والقوارير وغيرها من المنتجات الزجاجية التي يتم تشكيها عن طريق النفخ في كتلة العجين الزجاجي، أما الآن فاليد العليا لأصحاب المعارض الكبيرة والمصانع ذات الآلات الحديدية التي تنتج زجاجًا بلا أي علاقة بالثقافة العربية أو المصرية الأصيلة.
وتضيف أسماء عبد العزيز، إحدى العاملات في ورشة لتصنيع الزجاج بالإسكندرية: "الزجاج المعد على الطريقة اليدوية هو الأغلى ثمنًا، بسبب الطريقة والخطوات التي يتم تصنيعها بها".
وتابعت: "للأسف غالبية الورش تعاني من الإهمال، فلا نتمكن من تطوير أنفسنا وأعمالنا لقلة الإمكانيات، في الوقت الذي تكبر فيه المصانع التي يملكها رجال أعمال ليس لهم أي علاقة بالمجال".
وتؤكد عبد العزيز، أن غالبية المعارض الكبرى والأثرياء كانوا من بين زبائن الورشة التي تنتج الزجاج المزين والمزهريات والشمعدانات، ويضفي ألوانًا وطريقة جديدة في تصميمها، تعطي أجواءً عصرية على كل منتج. وأشارت إلى أن غالبية صناع الزجاج، لا يرحبون بأن يعمل أبناؤهم في نفس المهنة بسبب المشاقّ الكبيرة التي يتكبدونها، وعدم وجود أي من أنواع الحماية والتأمين الصحي والاجتماعي لهم، فضلًا عن غموض مستقبلها كحرفة وسط المصانع الكبرى التي تزيدهم فقرًا فوق فقرهم.