على تلة يطلق عليها "الفلوجة" في مدينة بيتونيا غرب رام الله وسط الضفة الغربية، والمطلة على سجن عوفر العسكري الإسرائيلي بشكل مباشر، وقفت الأسيرة المحررة صمود ياسر كراجة (28 عاماً) عصر أول من أمس السبت، مرتدية بذلة عرسها البيضاء المطرزة بالتراث الفلسطيني بالإضافة إلى مجوهراتها، لتكون على موعد مع عريسها الأسير الفلسطيني جميل صالح عنكوش (35 عاماً)، حيث يعتقل هناك، إذ أصرا على أن يتواصلا عن قرب قبل أقل من ساعتين على بدء حفل زفافهما في عرس غاب عنه العريس جميل داخل سجون الاحتلال.
وقفت العروس ومن معها من أقاربها، على تلة "الفلوجة"، المقابلة لسجن عوفر، الذي لا يبعد السجن منه سوى عدة أمتار، وأمام ناظرها غرف وأماكن احتجاز الأسرى يحدها السياج الشائك، أما جميل فقد كان يعرف أن عروسه ستكون في هذه اللحظات بهذا المكان.
وقالت صمود لـ"العربي الجديد" إن إصرارها وصمودها وانتصارها في وجه الاحتلال هي وعريسها، لملم عزيمتها في تحدٍ بأن يكملا فرحهما مهما حدث.
جميل عنكوش من قرية دير أبو مشعل غرب رام الله، وصمود كراجة من قرية صفا غرب رام الله، أصرا بعد نحو خمس سنوات من خطوبتهما، على عقد قرانهما أول أمس السبت.
والاحتفال بزواجهما في ذات يوم ذكرى ميلاد صمود الثامن والعشرين، رغم تغييب الاحتلال جميل داخل سجونه، حيث يقضي حكماً بالسجن 20 عاماً بتهمة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وهو أحد عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بقي له منها حالياً نحو 5 سنوات من مدة حكمه.
كان جميل قد ارتبط بالأسيرة المحررة صمود كراجة في العام 2012، بعد عام على الإفراج عنها من سجون الاحتلال، وأفرج عنها حينها بصفقة تبادل "وفاء الأحرار" التي أبرمتها حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في العام 2011 مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وقبل ذلك كانت صمود تقضي حكماً بالسجن 20 عاماً أمضت منها سنتين، بتهمة طعن جندي إسرائيلي على حاجز قلنديا شمال القدس المحتلة في 20 أكتوبر/ تشرين أول عام 2009.
منذ أن ارتبط جميل بصمود، وهما يأملان إتمام فرحتهما، لكن الاحتلال حال دون الإفراج عن جميل، ولم يتم عقد قرانهما بشكل رسمي، لذا قررا إعلان عقد قرانهما والاحتفال بعرسهما، بموافقة عائلتيهما، وتقول صمود لـ"العربي الجديد": "طيلة عدم عقد قراني وجميل، وأنا لا أستطيع رؤيته، أو زيارته في السجن، أما الآن فهناك إمكانية لذلك لأن الاحتلال يمنع الزيارة لأي أسير سوى من هم من الدرجة الأولى في القرابة، وسأعمل كل ما أستطيعه بعد الآن من أجل زيارة جميل".
مقاومون يعشقون الحياة
الأسرى والأسيرات بنظر صمود ليسوا مقاومين فقط، بل هم مقاومون يعشقون الحياة، يقاومون ويحبون، "هذه رسالة مني ومن جميل إلى كل العالم أن الحب أقوى من كل شيء، أقوى من أسلاك الاحتلال وسجونه، وأقوى من قوتهم، ويبقى الأمل أن يخرج جميل ونكوِّن أسرة سعيدة"، بحسب قولها.
في إحدى قاعات الأفراح بقرية صفا مسقط رأس صمود، تجمعت عائلتا العروسين جميل
وصمود، كانت صمود تجلس هناك دون عريسها تلبس لباس العروس الأبيض والمزين بالتراث الفلسطيني، لكن جميل كان حاضراً بروحه ومعنوياته، فجميل عاهد زوجته صمود بأن يستمر في هذه الحياة، وأن يكون وفياً لها ولعائلتها، لقد كان الفرح يعم المكان، وتحول العرس إلى مهرجان. وقبل بدء أي برنامج في الاحتفال بعرس جميل وصمود، تقدمت عائلة الأسير عنكوش بطلب يد الأسيرة المحررة صمود كراجة من عائلتها، ثم تم إعلان عقد قرانهما، وما جرى لن يمنعهما من إقامة فرح آخر حين خروج جميل من سجون الاحتلال، في كل يوم يتجدد الأمل لدى صمود أن يخرج جميل من سجون الاحتلال ويتما حياتهما معا، بحسب وصفها.
يقول المحامي مهند كراجة، وهو شقيق صمود، لـ"العربي الجديد": "بعد عام على خروج شقيقتي صمود من سجون الاحتلال تقدم جميل لطلب يدها، ورحبنا بذلك، واليوم، وبعد مرور ست سنوات على ارتباط جميل بصمود، كان خيارهما بعقد قرانهما وإتمام زواجهما، وهو ما يعطي الأمل والمعنويات للأسير جميل عنكوش وأمل وتشجيع لأبناء الشعب الفلسطيني على ارتباط الفتيات بالأسرى والأسرى المحررين تكريماً ووفاء لهم، وأن لا نجعل الأسرى منسلخين عن المجتمع حتى لو أصبحت حريتهم مسلوبة".
ويرى مهند كراجة أن هذا الزواج، هو أنموذج لارتباط أسيرات محررات بأسرى داخل سجون الاحتلال في الآونة الأخيرة، للتأكيد أن الأسير يمارس حياته حتى وهو معتقل داخل سجون الاحتلال، "فضلنا أن يكون الاحتفال بزواج جميل وصمود، بعد سنوات من إعلان خطوبتهما، ونأمل أن يتحرر جميل من سجون الاحتلال، وربما يخرج في صفقة قادمة لتبادل الأسرى".
بدأ جميل وصمود العروسان اللذان خاضا تجربة السجن وذاقا قساوته، حياة جديدة عنوانها مرحلة أخرى من الصمود الجميل والأمل، فهما يجمعان العديد من القواسم المشتركة بدءا بمدة حكمهما (20 عاماً لكل منهما) وما يحمله اسماهما من معانٍ، فتصبح للأسماء معناها بالصمود الجميل، يشير مهند كراجة شقيق صمود، الذي يؤكد أن أمام شقيقته وزوجها ربما خمس سنوات أخرى من الانتظار والصبر والصمود والتضحية.