بعد أن تزايدت التقارير بشأن فشل الجهود المبذولة للمصالحة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي، أحد الأحزاب الجهادية المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان، جاء تصريح للقيادي البارز في الحزب، نجل زعيمه قلب الدين حكمتيار، حبيب الرحمن حكمتيار، ليضع حداً لكل تلك التكهنات، مؤكداً أن جهود المصالحة بين الحكومة الأفغانية والحزب تسير إلى الأمام بصورة ناجعة، وأن مسودة الاتفاقية قد أعدت، وستسلم إلى زعيم الحزب. وأشاد حكمتيار في رسالة نُشرت عبر وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، بدور الحكومة، قائلاً إن الحكومة الأفغانية تسعى لإنجاح المصالحة مع الحزب، وهو عكس ما روّجته بعض الأطراف داخل الحكومة، التي لا ترغب في جلب الحزب إلى المسار السياسي. كما لفت حكمتيار إلى أن ما لاقته وفود الحزب من استقبال من قِبل الساسة ومسؤولين في الحكومة، والسفارات الأجنبية ونشطاء المجتمع، يؤكد أن الشعب الأفغاني برمته ينتظر المصالحة بين الطرفين، على حد قوله.
إلى ذلك، يقول مصدر مقرب من الرئيس الأفغاني لـ"العربي الجديد"، إن الحزب والحكومة توصلا إلى اتفاقية بينهما سيُعلن عنها في القريب العاجل. ويؤكد المصدر أن زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار سيعود إلى العاصمة الأفغانية كابول للتوقيع على الاتفاقية بين الطرفين، مشدداً على أن الرئيس الأفغاني وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها، مصرّ على أن المصالحة مع الحزب ستلعب دوراً كبيراً في إحلال الأمن، وأنها ستفتح الطريق أمام الكثير من قيادات حركة "طالبان" لتبني الموقف نفسه.
مساعٍ لإفشال العملية
جهود المصالحة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي ليست وليدة اللحظة بل بدأت قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية. وحاول غني أثناء حملته الانتخابية أن يشكّل تحالفاً مع الحزب ولكن قياديين في الحزب كانوا داخل الحكومة، بالإضافة إلى الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي ووزراء في حكومته، وجبهة الشمال التي باتت إحدى أهم الجهات المعارضة للحزب طيلة تاريخ الجهاد الأفغاني، قد أدوا دوراً كبيرا لإفشال تلك الجهود. والسبب أن القياديين في الحزب الذين كانوا جزءاً من حكومة كرزاي تخوفوا من أن مجيء حكمتيار إلى كابول سينهي دورهم في الحكومة كمندوبي الحزب. كما تخوّفت جبهة الشمال من تقويض نفوذها مع انخراط الحزب الإسلامي في العمل السياسي.
واليوم بعد أن باتت المصالحة وشيكة بين الطرفين، يحاول الرئيس الأفغاني أن يضرب بحجر واحد أكثر من عصفور. إذ يحتاج غني من يقف في وجه نفوذ جبهة الشمال داخل حكومته، ومن هذا المنطلق بات الحزب الإسلامي خياراً لا بديل له. كذلك فإن المصالحة مع الحزب ستُحدث إرباكاً كبيراً في صفوف "طالبان" خصوصاً القيادات الميدانية، وهو ما لمح إليه رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية بير سيد أحمد جيلاني، بالقول إن القياديين والجماعات المنشقة عن "طالبان" قد أعطت ضوءاً أخضر للمصالحة مع الحكومة، وإن المجلس سينخرط معها في الحوار بعد إبرام الصلح مع الحزب الإسلامي.
علاوة على ذلك، تسعى الحكومة من خلال نفوذ الحزب الإسلامي في شمال وشرق أفغانستان، إلى أن تحد من نفوذ "طالبان"، وتستعين بالحزب لتنظيم الصفوف القبلية ضد المسلحين، خصوصاً "طالبان". وهو ما ظهر بقيام وفد من الحزب بزعامة القيادي جمعه خان همدرد، حالياً بزيارة الأقاليم الشمالية بهدف تنظيم وترتيب تشكيلة الحزب من جديد.
يُذكر أن عملية الحوار الحالي بين الحكومة والحزب الإسلامي، انطلقت في 12 مارس/آذار الماضي، بعد أن دعاه الرئيس الأفغاني أشرف غني، وشارك في الحوار عدد من وفود الحزب آخرها بزعامة القيادي في الحزب غيرت بهير. وبعد أن رفضت "طالبان"، الحوار كان اهتمام الحكومة والمجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية منصبّاً على الحوار مع الحزب الإسلامي.
وسبق أن انطلقت المفاوضات مرات عديدة بين الحزب والحكومة منذ العام 2010 أيام حكم كرزاي، ولكن كل تلك الجهود باءت بالفشل. ولعل السبب كان عدم رغبة الحكومة آنذاك وعلى رأسها كرزاي في المصالحة مع الحزب، إضافة إلى شروط صعبة للأخير وعلى رأسها الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من أفغانستان. الآن مع تنازل الحزب عن هذا الشرط بحجة أن معظم القوات الدولية قد انسحبت من البلاد نهاية عام 2014، ليس هناك أي عائق في سبيل الحوار بين الحزب والحكومة، لا سيما أن الحزب لا يرغب في الحصول على أي مناصب حكومية. بل هدفه الوحيد الانخراط في العمل السياسي، وإيجاد موطئ قدم لأنصاره في الساحة السياسية الأفغانية، كما تشير إليه البيانات المتكررة للحزب.