21 سبتمبر 2024
صفقة تيران وصنافير والأزمة المصرية الشاملة
وافق مجلس النواب المصري، أخيرا، على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتي بمقتضاها تتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وقد جاءت مناقشة الاتفاقية في البرلمان بعد عام من توقيعها في إبريل/ نيسان 2016، حيث كانت حبيسة الأدراج، بعد أن استشعرت السلطة أن وقت إعلان الاتفاقية وطريقتها مثل صدمة لأغلبية الشعب، فقد أعلنت بليلٍ، مثل فعل لصوصي، لا تستقيم معه العلنية أو أبسط قواعد إدارة الدولة. وعلى إثرها، شهدت مصر حراكا معارضا كسر الحصار السلطوي على المجال العام، وتتابعت الأحداث إلى أن صدر حكم قضائي ببطلان الاتفاقية. وحينها، لم تجد السلطة مفرّا إلا أن تستعين بمجلس النواب، لتمرير الاتفاقية وإضفاء شرعيةٍ عليها، معتمدةً على كتلتها البرلمانية الأساسية "دعم مصر"، في خطوةٍ تتناقض مع الثوابت الوطنية والدستورية، فلا أحد يملك التنازل عن جزء من الأراضى المصرية، رئيسا كان أو أعضاء في البرلمان، لكن النظام لا يضع اعتباراتٍ للقانون أو الدستور، ولا يحترم حق الشعب في المعرفة، حيث ظلت بنود الاتفاقية غير معلنة، حتى يناير/ كانون الثاني الماضي.
هذا التوجه جزء أصيل من مشهد الأزمة الشاملة التي تمر بها مصر، فهناك أزمة النظام الحاكم، وأزمة المجتمع وقواه السياسية. وتتمثل مظاهر أزمة النظام داخليا في طريقة حكمه وإدارته مختلف الملفات ومعالجة المشكلات الحادة. وهناك أزمة بين الحكم وفئات المجتمع ومكوناته، وتتجلى أبعاد الأزمة الشاملة والتي أظهرتها اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عدة نواحٍ، أهم ملامحها:
أولا: الإخفاق في إدارة الأزمة الاقتصادية وحلها، عبر سياسات اقتصادية فاشلة وتخريبية، منها اللجوء إلى القروض والمنح والمساعدات وبيع الأصول ورفع أسعار السلع والخدمات وفرض الضرائب، المباشرة وغير المباشرة، لزيادة الموارد المالية، وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية العميقة في اتخاذ السلطة قرار التنازل عن الجزيرتين في مقابل المنح والمساعدات السعودية، سواء التي تعلقت بالبترول أو المساعدات المالية المباشرة، أو وعود المساهمة فى مشروعات استثمارية ضخمة.
ثانيا: أوضحت الاتفاقية أزمة السياسة الخارجية المصرية، والتي تتسم بالتطويع والانضواء تحت لواء تحالفاتٍ خليجيةٍ بقيادة السعودية. وترتبط هذه السياسة وتتكامل مع الأزمة الاقتصادية. وقد أرسلت الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود إلى البرلمان في يناير/ كانون الثاني 2017، بعد واقعتين: الأولى، تأجيل وصول الإمدادات البترولية السعودية إلى مصر، وتأجيل المشروعات الاستثمارية التي سبق الإعلان عنها. والثانية، إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عما سميت صفقة القرن، والتي تتضمن الترتيب المصري السعودي لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية. وهو امتداد للتوجه الذي أعلنه في خطابه في محافظة أسيوط، قائلا إن مصر تريد "توسيع دوائر السلام الدافئ" مع إسرائيل، كما سبقت توقيع الاتفاقية اتصالاتٌ مصريةٌ إسرائيلية سعودية، وهو ما يثبت أن الأجواء يتم تهيئتها لتسويةٍ شاملةٍ مع إسرائيل، وتصبح بموجبها جزءاً من المنطقة، ضمن منظومةٍ جديدة للشرق الأوسط، ولعل الصورة تكتمل، إذا تتبعنا الحملات الإعلامية التي تصنع من الأزمات والخلافات الإقليمية حالة عداء، بينما توظف مفاهيم التعاون وعلاقات حسن الجوار والسلام مع "الجارة إسرائيل" التي ستمنحها اتفاقية ترسيم الحدود قدراً أكبر من حرية الحركة والملاحة، ما يشكل ضررا بالغا للأمن القومي المصري والعربي مستقبلا.
ثالثا: أوضحت الاتفاقية ضعف النظام في مصر، وعدم قدرته على الحوار وتقبل الأصوات المعارضة للاتفاقية، وبينت ميله إلى الحكم منفردا، مستخدما أدوات الضبط الأمني والدعاية الإعلامية. وقد اتضح، قبل مناقشة البرلمان الاتفاقية، خوف النظام من توسع الموقف المعارض للاتفاقية داخل البرلمان، فسعت مختلف أجهزة الدولة إلى التأثير على النواب، لضمان نسبة تأييد كبيرة تحسبا للاتجاه المعارض، والذي تجاوز مائة برلماني رفضوا الاتفاقية. وسبقت مناقشة البرلمان الاتفاقية حملة أمنية وإعلامية ضد النشطاء المعارضين للاتفاقية، امتدت فشهدت ميادين التظاهر حصارا أمنيا مشدّدا، حتى إنه تم إغلاق مقاهي وسط المدينة وبعض المحلات، حتى لا تكون مكانا لتجمع الشباب. ويشير هذا إلى خوف النظام من انفلات المظاهرات وتوسعها إذا بدأت، فاختار سياسة أمنية لا تسمح بأي تجمعٍ أينما كان. وبدا النظام، في خطابه الإعلامي في الصحف التي أحكم سيطرته عليها، أنه يحاول تبرير الاتفاقية، ونفى الضرر الواقع على مصر، ولعل هذه النقطة هي التي أعطت مساحة لظهور المرشح الرئاسي
السابق، أحمد شفيق، والعضو السابق في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الفريق سامي عنان، في الإعلام، والدفاع عن مصرية الجزيرتين، ما يؤشر إلى أن الاتفاقية قد تشكل سببا للخلاف داخل أجهزة الدولة، وينبئ بحدوث شروخ في بنية النظام، تعيق جهود استدامة حكمه فترة أطول.
رابعا: كشفت التحركات الضعيفة للمعارضة المصرية المناهضة لاتفاقية "تيران وصنافير"، أخيرا، أن المعارضة تعيش أزمتها الكبرى، فهي مفتتة ومحاصرة وغير قادرة على حشد حتى أعضائها، فضلا عن عدم قدرتها على التواصل مع جماهيرها التي كانت، في السابق، تستطيع حشدهم بدعواتٍ متعجلة في أتون الثورة. ويتضح من ذلك أن ما تبقى من المعارضة المصرية من الأحزاب يدفعون ثمن أخطائهم خلال فترة الحراك الثوري، وان كانت أغلب الكوادر الجماهيرية والإدارية لجماعة الإخوان المسلمين في السجون أو الخارج، فان الباقي منهم أصبح، لأسبابٍ عديدة، أقل قدرة على الحركة، وقيادة أي حراك معارض. واتضح أن كوادر الأحزاب والائتلافات الشبابية أصاب كثيرا منهم الإحباط، وهجر أغلبهم الأحزاب، نتاج سياساتها التي تماهت مع النظام. أما ما تبقى من قوى سياسية، فهي محدودة القوة والعدد، ويغلب على حركتها العفوية وعدم التنظيم، وتتصور أن الشعب سيتظاهر بمجرد دعوة في مؤتمر صحافي، وكأنها نسيت خبرات الحراك قبل ثورة يناير، والذي كان يحتاج ترتيباً وتنظيماً واتصالات واسعة بالقيادات الشبابية والنقابية والشعبية الفاعلة، لإيجاد بؤرة الحراك الأساسية التي ستجمع حولها جماهير أكثر حجما واتساعا وتنوعا.
يمكن القول إجمالا إننا أمام نظام في مصر خائف من نتائج سياساته، ويشعر بشروخ في بنيته، ومعارضة ضعيفة ومحاصرة تجني ثمن أخطائها في الحراك، وتماهي بعضها مع السلطة، ونخب صدمت في النظام الذي أيدته، ودافعت عنه تحت مسمى الوطنية والدفاع عن الاستقلال الوطني، ومجتمع خائف ومفتت وغاضب، في الوقت نفسه، من سياسة النظام المتمثلة في القمع والإفقار والتفريط. لكن ذلك التفتت المجتمعي والخوف سوف يتبدّد، حين تنتهي أسباب وجوده، وحين تبرز قيم العمل الجماعي المنظم والواعي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية.
هذا التوجه جزء أصيل من مشهد الأزمة الشاملة التي تمر بها مصر، فهناك أزمة النظام الحاكم، وأزمة المجتمع وقواه السياسية. وتتمثل مظاهر أزمة النظام داخليا في طريقة حكمه وإدارته مختلف الملفات ومعالجة المشكلات الحادة. وهناك أزمة بين الحكم وفئات المجتمع ومكوناته، وتتجلى أبعاد الأزمة الشاملة والتي أظهرتها اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عدة نواحٍ، أهم ملامحها:
أولا: الإخفاق في إدارة الأزمة الاقتصادية وحلها، عبر سياسات اقتصادية فاشلة وتخريبية، منها اللجوء إلى القروض والمنح والمساعدات وبيع الأصول ورفع أسعار السلع والخدمات وفرض الضرائب، المباشرة وغير المباشرة، لزيادة الموارد المالية، وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية العميقة في اتخاذ السلطة قرار التنازل عن الجزيرتين في مقابل المنح والمساعدات السعودية، سواء التي تعلقت بالبترول أو المساعدات المالية المباشرة، أو وعود المساهمة فى مشروعات استثمارية ضخمة.
ثانيا: أوضحت الاتفاقية أزمة السياسة الخارجية المصرية، والتي تتسم بالتطويع والانضواء تحت لواء تحالفاتٍ خليجيةٍ بقيادة السعودية. وترتبط هذه السياسة وتتكامل مع الأزمة الاقتصادية. وقد أرسلت الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود إلى البرلمان في يناير/ كانون الثاني 2017، بعد واقعتين: الأولى، تأجيل وصول الإمدادات البترولية السعودية إلى مصر، وتأجيل المشروعات الاستثمارية التي سبق الإعلان عنها. والثانية، إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عما سميت صفقة القرن، والتي تتضمن الترتيب المصري السعودي لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية. وهو امتداد للتوجه الذي أعلنه في خطابه في محافظة أسيوط، قائلا إن مصر تريد "توسيع دوائر السلام الدافئ" مع إسرائيل، كما سبقت توقيع الاتفاقية اتصالاتٌ مصريةٌ إسرائيلية سعودية، وهو ما يثبت أن الأجواء يتم تهيئتها لتسويةٍ شاملةٍ مع إسرائيل، وتصبح بموجبها جزءاً من المنطقة، ضمن منظومةٍ جديدة للشرق الأوسط، ولعل الصورة تكتمل، إذا تتبعنا الحملات الإعلامية التي تصنع من الأزمات والخلافات الإقليمية حالة عداء، بينما توظف مفاهيم التعاون وعلاقات حسن الجوار والسلام مع "الجارة إسرائيل" التي ستمنحها اتفاقية ترسيم الحدود قدراً أكبر من حرية الحركة والملاحة، ما يشكل ضررا بالغا للأمن القومي المصري والعربي مستقبلا.
ثالثا: أوضحت الاتفاقية ضعف النظام في مصر، وعدم قدرته على الحوار وتقبل الأصوات المعارضة للاتفاقية، وبينت ميله إلى الحكم منفردا، مستخدما أدوات الضبط الأمني والدعاية الإعلامية. وقد اتضح، قبل مناقشة البرلمان الاتفاقية، خوف النظام من توسع الموقف المعارض للاتفاقية داخل البرلمان، فسعت مختلف أجهزة الدولة إلى التأثير على النواب، لضمان نسبة تأييد كبيرة تحسبا للاتجاه المعارض، والذي تجاوز مائة برلماني رفضوا الاتفاقية. وسبقت مناقشة البرلمان الاتفاقية حملة أمنية وإعلامية ضد النشطاء المعارضين للاتفاقية، امتدت فشهدت ميادين التظاهر حصارا أمنيا مشدّدا، حتى إنه تم إغلاق مقاهي وسط المدينة وبعض المحلات، حتى لا تكون مكانا لتجمع الشباب. ويشير هذا إلى خوف النظام من انفلات المظاهرات وتوسعها إذا بدأت، فاختار سياسة أمنية لا تسمح بأي تجمعٍ أينما كان. وبدا النظام، في خطابه الإعلامي في الصحف التي أحكم سيطرته عليها، أنه يحاول تبرير الاتفاقية، ونفى الضرر الواقع على مصر، ولعل هذه النقطة هي التي أعطت مساحة لظهور المرشح الرئاسي
رابعا: كشفت التحركات الضعيفة للمعارضة المصرية المناهضة لاتفاقية "تيران وصنافير"، أخيرا، أن المعارضة تعيش أزمتها الكبرى، فهي مفتتة ومحاصرة وغير قادرة على حشد حتى أعضائها، فضلا عن عدم قدرتها على التواصل مع جماهيرها التي كانت، في السابق، تستطيع حشدهم بدعواتٍ متعجلة في أتون الثورة. ويتضح من ذلك أن ما تبقى من المعارضة المصرية من الأحزاب يدفعون ثمن أخطائهم خلال فترة الحراك الثوري، وان كانت أغلب الكوادر الجماهيرية والإدارية لجماعة الإخوان المسلمين في السجون أو الخارج، فان الباقي منهم أصبح، لأسبابٍ عديدة، أقل قدرة على الحركة، وقيادة أي حراك معارض. واتضح أن كوادر الأحزاب والائتلافات الشبابية أصاب كثيرا منهم الإحباط، وهجر أغلبهم الأحزاب، نتاج سياساتها التي تماهت مع النظام. أما ما تبقى من قوى سياسية، فهي محدودة القوة والعدد، ويغلب على حركتها العفوية وعدم التنظيم، وتتصور أن الشعب سيتظاهر بمجرد دعوة في مؤتمر صحافي، وكأنها نسيت خبرات الحراك قبل ثورة يناير، والذي كان يحتاج ترتيباً وتنظيماً واتصالات واسعة بالقيادات الشبابية والنقابية والشعبية الفاعلة، لإيجاد بؤرة الحراك الأساسية التي ستجمع حولها جماهير أكثر حجما واتساعا وتنوعا.
يمكن القول إجمالا إننا أمام نظام في مصر خائف من نتائج سياساته، ويشعر بشروخ في بنيته، ومعارضة ضعيفة ومحاصرة تجني ثمن أخطائها في الحراك، وتماهي بعضها مع السلطة، ونخب صدمت في النظام الذي أيدته، ودافعت عنه تحت مسمى الوطنية والدفاع عن الاستقلال الوطني، ومجتمع خائف ومفتت وغاضب، في الوقت نفسه، من سياسة النظام المتمثلة في القمع والإفقار والتفريط. لكن ذلك التفتت المجتمعي والخوف سوف يتبدّد، حين تنتهي أسباب وجوده، وحين تبرز قيم العمل الجماعي المنظم والواعي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية.